على امتداد الأيام الأخيرة، فرضت أزمة ديون إمارة دبي أجواء من التشاؤم على الاقتصاد العالمي، انعكست سلبا على أسواق المال، حيث تراجعت مؤشرات الأسهم وأغلقت الأسواق على معدلات تراجع حاد، لتتصاعد حدة المخاوف من تفجر أزمة جديدة في النظام المالي العالمي، الذي لم يسترد عافيته بعد. الصور المرافقة للتقارير الإخبارية، التي ظلت تقدم أرقاما خيالية، بخصوص المشاريع التي يتم إنشاؤها في إمارة دبي، حافظت على بريق استثنائي : بنايات تعاند وتناطح بعضها، فيما برج العرب، الفندق الأطول في العالم، يقف شامخاً ببنائه الفريد، الذي أخذ شكل شراع سفينة، مرتفعاً 321 متراً عن سطح البحر. فجأة، تحول برج العرب، الفندق الذي أضحى تصميمه الخارجي شعاراً لإمارة دبي وازدهارها الأسطوري، موضع شك وريبة عبر العالم. برج العرب، الذي أنشئ على جزيرة اصطناعية تبعد مائة متر عن شاطئ البحر، يصنف، اليوم، كأحد أرقى فنادق العالم. هواة السفر والسياحة، يقولون إن من يريد أن يعيش إحدى ليالي ألف ليلة وليلة، ما عليه إلا أن يزور دبي ويقطن في برج العرب. من يعيش أجواء برج العرب، يقول إن الليلة الأسطورية تبدأ من مطار دبي، وأنه، سواء رغب الزائر في الانتقال بسيارة رولز رويس من المطار، أو ركوب طائرة هيلوكبتر تحط به على مهبط خاص، يقع في الدور الثامن والعشرين، من البرج، فإن كل الخيارات الفخمة تبقى متاحة أمامه للتنقل والزيارة والمتعة. ولأنه الأفخم والأغرب في العالم، فلا توجد في برج العرب غرف، بل أجنحة، يبلغ عددها 202، يمتد كل منها على مساحة طابقين، زودت جميعها بكافة عناصر الراحة والرفاهية المطلقة التي تهدف إلى إرضاء النزلاء على أكمل وجه. قالوا عن برج العرب إنه صار إحدى عجائب الأرض، وأنه غيّر مفهوم السياحة الراقية، لتصير سياحة بعدد نجوم السماء. لكن، وبعد أن كنا نتابع صور هذا البرج، وهي ترافق التقارير الإخبارية التي تتحدث عن الرفاه والتطور الخيالي الذي تعيشه الإمارة الخليجية، فقد أكدت أزمة الديون الراهنة حقيقة الجانب الأسطوري لدبي ومستوى الازدهار الذي خطته لنفسها. هكذا، لأول مرة في التاريخ، سيعيش العالم أزمة اقتصادية بمئات ملايير الدولارات تنطلق من جغرافية ضيقة لا تتعدى مساحتها بضعة كيلومترات مربعة. أزمة باذخة، أعلنتها إمارة استثنائية، لا علاقة لحاضرها بالماضي الجغرافي للمنطقة (أقصد درجة التطور الاقتصادي، وليس الانتماء الثقافي والتاريخي والحضاري). أبراج تمتد في كبد السماء وحدائق ألعاب خرافية، ويابسة تأكل من البحر، لتقيم أبراجاً وناطحات سحاب على شكل مراكب شراعية، أو جزراً اصطناعية، اتخذ بعضها شكل نخلة. إمارة قطعت مع أحكام الجغرافيا، بعد أن تحولت إلى محج ل«هوامير» العقار، لتقيم ملاعب للغولف والتزحلق على الجليد، على أرض «الخيل والليل والبيداء» و«قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل». البعض نظر بإعجاب إلى تطور إمارة دبي، فيما تخوف البعض الآخر من التداعيات المحتلمة لأزمة الديون، ومن أن يكون هذا التطور الأسطوري مجرد فقاعة عابرة. وبين الإعجاب والتخوف، يبقى لنا أن نتخيل عنترة بن شداد راكبا فرسه، متقلدا سيفه، متأهبا للإغارة على القبائل من أجل مرعى أو بئر ماء، وقد سافر عبر الزمن، لتهبط به طائرة هليكوبتر على برج العرب، قبل أن تلتهمه أجنحة الفندق ومطاعمه، ليجد عبلة، في انتظاره، وهي في نصف لباس. ورغم كل شيء، لا يمكن للمرء إلا أن يبدي انبهاره وهو يتابع صور كل تلك البنايات والأبراج والجزر الإماراتية الاصطناعية، التي عمرت صحراء الجزيرة وشواطئ الخليج، في وقت يتعاظم فيه الأسف على أبراج الوهم وتضخم الأنا والعجرفة، التي بناها البعض في مصر، قبل وبعد الهزيمة أمام المنتخب الجزائري لكرة القدم، خاصة بعد أن شاهدنا بعض سياسيي وإعلاميي وفناني «أم الدنيا» (!) وقد تخلوا عن وقارهم لكي يلعبوا بالنار، منخرطين في لعبة غير مفهومة، وغير محسوبة العواقب، انتقاماً لهزيمة منتخبهم في مباراة كرة.