«مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا»، هذه الأبيات الشعرية للشاعر التركي محمد عاكف، رددها رجب طيب أردوغان سنة 1998 في تجمع عمومي حين كان عمدة مدينة إسطانبول، والتي كلفته حريته، حيث سجن بذريعة «التحريض على الكراهية الدينية» لمدة أربعة أشهر. واليوم، بعد سبع عشرة سنة من محاكمة رجب طيب أردوغان، أكيد أن تركيا، مع أنها لا زالت رسميا دولة علمانية، تقدمت في مجال احترام حرية التعبير عن الآراء الدينية، وعن الهوية الإسلامية للشعب التركي. وحزب العدالة والتنمية، وعلى رأسه رجب طيب أردوغان، ساهم بشكل كبير في استحضار جوانب عدة من الثقافة والدين الإسلاميين في الفضاء العام، بعد أن خاضت النخب التركية العلمانية حربا ضدها منذ تأسيس جمهورية مصطفى كمال أتاتورك سنة 1923. والانتخابات التي عقدت، الأسبوع المنصرم، بتركيا، لم تتمحور حول إشكالية الهوية الإسلامية لتركيا، وإنما تمحورت حول رغبة رجب طيب أردوغان في توسيع صلاحيات الوظيفة الرئاسية على حساب المؤسسات البرلمانية ومنصب الوزير الأول. والمفارقة هي أن أردوغان نفسه والحركة الإسلامية التركية عانا بشكل كبير من تسلط الجيش وغياب مؤسسات مخول لها دور المراقبة والمحاسبة والمساءلة، وإقصاء الجيش عن الحياة السياسية، الذي كان من أهم نجاحاته السياسية لحزب العدالة والتنمية منذ توليه الحكم سنة 2002، سمح لتركيا بأن تطور ديمقراطيتها بشكل غير مسبوق في تاريخها. وتراجع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة لن يسمح لرجب طيب أردوغان بالشروع في مراجعة دستورية تمكنه من توسيع صلاحياته وتحويل النظام السياسي البرلماني إلى نظام رئاسي. ودون شك أن المراجعة الدستورية التي اقترحها أردوغان تعكس رغبة في السلطة غير متحكم فيها وتشكل تحريفا للمؤسسات الديمقراطية غير منسجم مع الإصلاحات الديمقراطية، التي نجح حزب العدالة والتنمية في إنجازها السنوات السابقة، كما أنها تتعارض مع تعاليم الإسلام التي تحذر من مفاسد السلطة وشهوة حب الرئاسة. وبالطبع، هذا التوجه الخاطئ للرئيس رجب طيب أردوغان في موضوع المراجعة الدستورية، لا يعني أن المشروع السياسي لحزب العدالة والتنمية فاشل، بل يجب استحضار منجزات السياسة الاقتصادية والخارجية والثقافية المستلهمة من الحضارة الإسلامية عموما، والدولة العثمانية خصوصا، والتي تظل نموذجا ليس بالنسبة للحركات الإسلامية فحسب، بل لكل قوى سياسية تسعى إلى تحقيق تحول ديمقراطي وتطور اقتصادي ونمو معرفي ورقي ثقافي، انطلاقا من الهوية الإسلامية، لا من التبعية للغرب.