تزامن اختتام المؤتمر الفرنكوفوني لرؤساء ضبط الاتصال السمعي البصري الذي احتضنته المدينة الحمراء مع إجراء المقابلة الفاصلة في إقصائيات كأس العالم بين مصر والجزائر التي أقيمت على أرض السودان، (تزامن) كشف مجموعة من القواسم المشتركة التي تجمع الحدثين، وقبل وبعد الحدثين حديث طويل على الفضائيات من «التكفير» و«التخوين» والاتهامات الخطيرة المتبادلة التي أثبتت أن جانبا معينا في التعاطي مع الحدث الرياضي الفيصل غير مستقيم. إذ خاضت الصحافة المكتوبة المصرية والجزائرية هجوما متبادلا، وأججت لغتيهما العدائية الفضائيات والأرضيات. في دريم انتصب ثلاثة صحافيين قبل 48 ساعة من لقاء الحسم للحديث عن حرب رمضان وحرب أكتوبر والحرب الكبرى، وأسهبوا في الحديث عن أصول الجزائريين غير العربي بشكل عنصري وتمييزي. تعاطى التلفزيون المصري ومعه الجزائري بكثير من التعصب والتشدد والتعنيف تجاه خصم كان من المفترض أن يكون أخا أو على الأقل خصما شريفا، دون مراعاة أي ضوابط مهنية، وكان طبيعيا أن يتأثر المتلقي البسيط قبل المتخصص بهذه اللغة التهييجية التي لن تسمح الفضائيات المحترمة أن يبث فيها هذا العنف اللغوي المهيء للعنف المادي الذي شهدته شوارع مصر. مرت العاصفة الكروية بتأهل الجزائر إلى كأس العالم الإفريقي، فخرج مراسل برنامج «صدى الملاعب» الذي يبث على قناة كزذفي الجزائر ليصب الزيت على النار بحديثه عن التحدي والفوز المتسم بالعنف المبطن رغم تحفظ مصطفى الآغا على تقرير الأخير.. في الضفة المقابلة، سخرت الفضائيات المصرية كل إمكانياتها لإثارة الفوضى الإعلامية وتأجيج احتكاك بسيط خارج الملعب يحدث في أغلب المقابلات المحلية أو الدولية لتحوله إلى حرب إعلامية خطيرة استعملت فيها كل الألفاظ والأحقاد والأوصاف، ففي برنامج «48 ساعة» الذي يقدم على قناة «المحور» تكلم المتدخلون عن الكرامة والانتقام من الشعب الجزائري، وطالب آخرون بتدخل السلطة السياسية، وتحدث متدخل آخر عن العنف والتمييز حينما ربط بين سلوك الجزائريين وبين جغرافيتهم وشكل معيشتهم التي لمح إلى أنها «بربرية». كل هذا السب والقذف والتشهير والتحريض تم على الفضائيات، ليظل السؤال مطروحا عن السر في ذلك؟ السبب بسيط، هو أن البلدين معا ليست لهما لجنة ضبط الاتصال القادرة على كبح انزلاقات المتعهدين الخواص والعموميين، وهو ما يفسر بدرجة ثانية غياب كل من مصر والجزائر عن فعاليات المؤتمر سالف الذكر، فالغياب عن مراكش مرتبط بغياب هيئة مستقلة لضبط الاتصال السمعي البصري والشغب المادي الذي سبق وأعقب المقابلة كان مرتبطا بغياب هذه الهيئة التي تحدد الخطوط الحمراء التي يجب ألا يتم القفز عليها. وبصرف النظر عن الملاحظات التي يمكن أن تقدم حول أداء وتشكيلة «الهاكا»، فإنها خلقت إطارا قانونيا صلبا يستحيل معها سماع لغة السب والقذف والتشهير في حق الآخر على الفضائيات المغربية، ويمكن أن نضرب لذلك مثالا، فالمادة 123 من دفتر تحملات الشركة التي يتطابق مضمونها مع دفاتر تحملات الإذاعات والتلفزيونات الخاصة والعامة تشدد على «ضرورة عدم إشادة البرامج بالعنف أو التحريض على التمييز العنصري أو على الإرهاب أو العنف تجاه شخص أو مجموعة أشخاص بسبب أصلهم أو جنسهم أو انتمائهم، أو عدمه، إلى مجموعة إثنية أو إلى أمة أو لعرق أو إلى ديانة معينة... وعدم التحريض على نهج سلوكات من شأنها أن تلحق ضررا بالصحة أو بسلامة الأشخاص والممتلكات أو بالبيئة»، وهو الشيء الذي تؤكده المادة 127 من دفتر التحملات الذي صادقت عليه، و تنص «على عدم بث المتعهد برامج تحث، بشكل ضمني أو صريح، على العنف أو ممارسات عنصرية أو منافية لاحترام شخص أو جماعة من الأشخاص، خصوصا بسبب أصلهم أو جنسهم أو انتمائهم أو عدمه لمجموعة إثنية أو لأمة أو لعرق أو لديانة معينة».