رغم الانخراط التدريجي للمغرب، خلال العشرية الأخيرة في إرساء أسس المنظومة الوطنية للنزاهة، من خلال اعتماده عدة إصلاحات قانونية ومؤسساتية، أظهرت دارسة أولى حول النظام الوطني للنزاهة، أنجزتها الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبارنسي المغرب)، مؤخرا، وهمت عدة أعمدة حيوية في الحياة اليومية وهي السلطة التنفيذية والتشريعية والأحزاب السياسية والوظيفة العمومية مرورا بالمجلس الأعلى للحسابات وحتى الإعلام والمجتمع المدني، أن قانون الوظيفة العمومية بالرغم من تضمنه لمجموعة من الضمانات، لا يتيح الوصول إلى مواقع المسؤولية وفق معايير النزاهة والكفاءة والأقدمية. كما سجلت الدراسة أنه في ظل غياب مدونة الشفافية في الوظيفة العمومية، فإن المرتفقين تواجههم في علاقتهم بالموظفين العموميين صعوبات في الحصول على الخدمات، يترتب عنها تعزيز حضور الرشوة. وأكدت الجمعية عجز النظام الوطني للنزاهة عن لعب دور حاسم في محاربة الرشوة و«عجز القضاء عن القيام بمهامه بشكل صحيح» وعدم الاعتراف بالحق، في الوصول إلى المعلومة، داعية إلى تنسيق وتنويع الهيئات المحاربة للرشوة، وتعميم تقديم الحسابات وتقوية مشاركة المواطن في اتخاذ القرار ومساءلة السلطات العمومية، بالإضافة إلى الاعتراف بالحق في الوصول إلى المعلومة. وبالرغم من تسجيل «ترانسبارنسي المغرب» لجهود الحكومة في ما يتعلق بالوصول إلى المعلومة والتحديث من خلال تبني مبدأ الحكومة الإلكترونية، حيث سجلت بذل جهود من أجل خلق مواقع إلكترونية للوزارات تتضمن نصوصا تتعلق بمجالات تدخلها، إلا أن هذه المواقع لا تخضع دائما للتحديث، كما أن المعلومات المنشورة تبقى غير كاملة. وبالنسبة لعبد اللطيف النكادي، عضو المكتب التنفيذي ل«ترانسبارنسي المغرب»، فإن العديد من معايير النزاهة مفتقدة في قطاع الوظيفة العمومية، على رأسها غياب الاستقلالية نتيجة تدخلات المسؤولين الكبار والسلطة التنفيذية، وغياب ثقافة تقديم الحساب، ونقصان إمكانات الطعن في القرارات الإدارية». ما يثير الاستغراب ويؤكد غياب معايير النزاهة في الوظيفة العمومية أنه بالرغم من وجود مرسوم متعلق بتعليل القرارات الإدارية صادر في عهد الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي، ورغم النواقص التي تعتريه، إلا أنه لا يطبق، يقول النكادي، ويضيف شارحا جوانب القصور في تصريحات ل«المساء»: «إذا كان الفصل 22 من قانون الوظيفة العمومية ينص على أن التوظيف يتم إما عن طريق مباريات تجري بواسطة الاختبارات أو نظرا للشهادات، وإما بواسطة امتحان الأهلية أو القيام بتمرين لإثبات الكفاءة، فإن المسجل اليوم هو وجود تعيينات لأناس كانوا يعملون في مؤسسات خاصة في منصب مدراء ومسؤولين كبار في وزارات المالية والتجارة و السياحة وغيرها». ويضيف موضحا: «إلى جانب غياب النزاهة في ما يخص التوظيفات والترقيات وتوزيع الأجور والعلاوات، نسجل أمرا بالغ الخطورة هو وجود تعارض للمصالح، من خلال إسناد المسؤولية لمسؤولين يمتلكون شركات تربطها علاقة عمل بالوزارات التي عينوا فيها. أعتقد أن مثال مسؤول قام بخوصصة مؤسسة عمومية ثم أصبح بعد ذلك مديرا لها لدليل على أن التوظيفات التي تتم في الوظيفة العمومية لا يمكن أن تتفق مع مجهودات النزاهة». إلى ذلك، اعتبر عضو المكتب التنفيذي ل«ترانسبارنسي المغرب» أن الفصل 18 من قانون الوظيفة العمومية، الذي ينص على أن الموظف العمومي ملزم بكتم سر المهنة في كل ما يخص الأعمال والأخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها، لا يساعد على إقرار نوع من الشفافية والديمقراطية داخل الإدارة. وقال إنه تحت يافطة المنع من إفشاء السر المهني ملزم بالتستر على الفضائح المالية والاختلاسات التي يرصدها الموظفون، الذين يقومون بمهام المراقبة والتفتيش، مبديا استغرابه من لجوء بعض المسؤولين إلى التجسس على الموظفين الذين يقومون بمهام المراقبة والتفتيش، بل وترقية المختلسين الذين تم كشفهم. وفيما لفت النكادي إلى أن تقارير ديوان المظالم تظهر بشكل جلي أن الإدارة لا تحترم السلطة القضائية من خلال رفضها تطبيق القرارات والأحكام الصادرة عنها، اعتبر عضو المكتب الوطني ل«ترانسبارنسي المغرب» أن تعميم تقديم الحسابات من قبل المسؤولين، مدخل رئيس لتعزيز النزاهة ومحاربة الرشوة في المنظومة الوطنية للنزاهة. وقال: «ما ينبغي أن أؤكد عليه في ما يخص النزاهة في الوظيفة العمومية هو تعميم تقديم الحساب، إذ لا يمكن أن نسند إلى أي مسؤول كيفما كان مسؤولية في الوظيفة العمومية دون أن تكون هناك محاسبة له من طرف جهاز مستقل ولأدائه لتلك المهمة من طرف جهاز مستقل»، مشيرا إلى أن المحاسبة ستمكن من تلافي ما شهدته الكثير من المؤسسات العمومية وشبه العمومية من اختلاسات وفضائح مالية، أنجزت بخصوصها تقارير برلمانية، لكن دون أن تجد محاسبة المختلسين من كبار الموظفين والمسؤولين طريقها إليهم.