عندما تقيأ الصبي نبيل عيوش فيلمه البورنوغرافي الجديد، تذكرت على الفور والده الوقور، نور الدين عيوش، وهو يتقيأ، من قبل، نظريته العجيبة حول ضرورة محو اللغة العربية من التعليم وتعويضها بالدارجة. في كل تاريخ البشرية لم يسبق أن تشابه الأب والابن إلى هذه الدرجة التي يتشابه فيها الأب نور الدين مع صغيره نبيل. الوالد نور الدين، الذي يحب فرنسا أكثر مما يحبها فرانسوا هولاند، يخاف كثيرا على مصلحة المغاربة ومستقبل أبنائهم فيخصص ليله ونهاره لمحو اللغة العربية من التعليم، ليس طبعا لكي تحل الدارجة محلها، فالدارجة موجودة دائما ولن تزول أبدا، لكن لكي يضع الفرنسية في قلوب المغاربة من المهد إلى اللحد. والولد نبيل عيّوش، الذي أصبح مخرجا سينمائيا، حوّل السينما، أو سينماه، إلى مزبلة حقيقية، أو لنقل إنه حولها إلى مرحاضه الخاص، لكنه يصر على أن يزج بكل المغاربة داخل مرحاضه الشخصي لكي يشموا روائح فضلاته. نور الدين الأب كان معروفا بكسله الدراسي، بل إنه اضطر إلى «الحْريكْ» إلى فرنسا بحثا عن مستقبل غامض، فوجد نفسه في النهاية رجل إشهار وإعلانات، وتلك مهنة تنزل من السماء أكثر مما تأتي من التحصيل والدراسات والشهادات العليا. ونبيل عيوش الابن لم يستطع أن يصبح ما كان يحلم به حقيقة، فقرر أن يصبح مخرجا سينمائيا، لأنه أراد أن يختلف قليلا عن والده، لكنهما في النهاية صارا يشتغلان في التخصص نفسه، وهو محاولة هدم روح وثقافة المغاربة. الأب نور الدين عيوش يحظى بكل الدلال اللازم عندما يطلق حملاته الموسمية ضد اللغة الغربية؛ فقبل بضعة أشهر حظي هذا الرجل باهتمام إعلامي مدهش وتم استقباله في التلفزيون ومرر نظريته «الدارجة» إلى المغاربة وكأنه أوصل إليهم خبر اكتشاف المريخ. الإبن نبيل عيوش يحظى بدوره بدلال غير معهود في التلفزيون؛ فقبل بضع سنوات، نظم التلفزيون، بحضور مديره فيصل العرايْشي نفسه، حفلا كبيرا في الرباط بمناسبة تقديم «هْديّة» خاصة إلى هذا الولد المدلل أكثر من اللازم، حيث منحه التلفزيون صفقة غير مسبوقة بالملايير، وكأن هذه البلاد لا يوجد فيها شباب ومخرجون يعرفون التلفزيون والسينما. الوالد نور الدين عيوش يتشابه مع ابنه نبيل، أيضا، في شيء مثير، فكلاهما يتحدثان الدارجة كما لو أنهما سائحان فرنسيان أمضيا في المغرب ستة أشهر، ففي اللقاءات العامة والخاصة عادة ما يبدآن حديثا مرتبكا بالدراجة ثم يعتذران، وأحيانا لا يعتذران بالمرة، و»يقلبانها» فورا إلى الفرنسية، فالفرنسية هي لغة القلب والروح بالنسبة إليهما معا. عندما أخرج نبيل عيوش ما يمكن أن نسميه شريطا سينمائيا، توسل لأسياده الفرنسيين من أجل أن يقبلوه في مهرجان «كانْ». فعلا، تم قبول الفيلم، لكن تم تمريره إلى المهرجان من الباب الخلفي مثل خردة متلاشية، وعُرض في قاعة هامشية وضيقة، الدخول إليها بالمجان، لأن الأفلام المعروضة فيها رديئة ودون المستوى. عندما تم عرض فيلم عيوش لم يحضره أي ناقد أو متتبع حقيقي للسينما، ووصفه كثيرون بكونه مجرد مزبلة سينمائية يستحق أن يُرمى في أقرب برميل قمامة لأنه لا علاقة له بالفن السينمائي.. لا سيناريو ولا حوار ولا حبكة ولا أداء، بل مجرد هلْوسات «عيّوشية» بحوار «خانْز» ومشاهد بورنوغرافية مريضة، وكلها اختلطت في ما بينها كما يختلط براز البشر والكلاب، وأعطت هذا الفيلم الذي سمي «الزين اللّي فيك». عندما تم عرض فيلم عيوش في قبو بمهرجان «كانْ» كان من المرتقب أن يدور نقاش بين نقاد ومهتمين؛ لكن عندما وقف عيوش ينتظر المتناقشين، لاحظ أن الجمهور القليل الذي بقي في القاعة غادر سريعا بدون أن يلوي على شيء، فكان أن تبعهم، هو أيضا، لأن الفيلم لم يستحق ولا كلمة واحدة من النقاش لأنه ليس فيلما في الأصل، بل مجرد مشاهد جنسية مرفوقة بحوارات يخجل من ترديدها أحط أنواع «الشّمكارة». الآن، ها هو «ولْد عيوش» يقرع الطبول ويذرف الدموع في حضن أمه فرنسا بدعوى أن عرضه السينمائي ممنوع في المغرب، بينما الحقيقة أن المسألة لا تتعلق إطلاقا بمنع فيلم سينمائي، بل المشكلة هي أن صبيا غرّا اسمه نبيل عيوش وضع برازه على قارعة الطريق، والناس يحاولون تجنبه بسبب قذارته وروائحه، فكل ما يريده المغاربة من آل عيوش هو أن يقضيا حاجتهما في مراحيضهما وليس في الشارع العام.