أخيرا، أسدل الستار على فترة حرجة من عمر الحكومة بعد أن قرر كل من الشوباني وبنخلدون مغادرتها، لتدشن بعد ذلك نسختها الثالثة في أقل من أربع سنوات. وسواء طلب الشوباني وبنخلدون إعفاءهما، أو تمت إقالتهما، فالنتيجة شيء واحد عنوانه الأكبر هو أن حكومة بنكيران تلقت ضربة جديدة، بسبب هذا التعديل الحكومي الذي نزل عليها كالصاعقة. يقول فقهاء القانون إن أي تعديل حكومي هو دليل على وجود أزمة حكومية، وعربون فشل للحكومة، أية حكومة، في تدبير الشأن العام؛ لذلك فحينما أعلن حميد شباط عن خروج حزب الاستقلال من حكومة بنكيران الأولى، ربط كثيرون بين هذا الخروج لحليف الأمس وبين حسابات سياسية هي التي يصرفها شباط اليوم، وهو يفتح النار على وزراء الحكومة، بمن فيهم الشوباني وبنخلدون. واليوم بعد أن غادر أربعة وزراء الحكومة إثر هذا التعديل، بمن فيهم وزيران من الحركة الشعبية، لا بد أن تكشر المعارضة عن أنيابها لافتراس بنكيران متهمة إياه بالفشل. مع محمد أوزين، كانت فضيحة «كراطة» ملعب المركب الرياضي مولاي عبد الله بالرباط كافية للدلالة على وجود فساد حكومي، هو الذي دفع بالعاهل المغربي إلى إعفاء وزير الشبيبة والرياضة، أو إقالته لا فرق، وإن كان أوزين وبنكيران قد تحدثا عن كونه هو من طلب ذلك حفاظا على ماء الوجه. ومع الشوباني وبنخلدون، قيل أيضا إن خطوة الوزيرين جاءت لحفظ ماء الوجه. أما مع عبد العظيم الكروج، الذي اتهم بصرف 33 ألف درهم من ميزانية وزارته لشراء الشوكولاطة بمناسبة عيد ميلاد نجله، فقد طلب بنكيران إعفاءه. لكن ما لم يُجب عنه رئيس الحكومة هو سؤال: أي وجه يريد وزراؤه حفظ مائه؟ وجه بنكيران، أم وجه حزبه، أم وجه حكومته؟ فما حدث مع أوزين أو الكروج لا يحتاج إلى الكثير من بعد النظر لكي يكون مصيرهما اليوم هو الإبعاد من الحكومة بأية طريقة كانت. سيقود بنكيران حكومته الثالثة بعد أن تقرر تعويض المغادرين الأربعة. وبذلك ستضعنا الحسبة أمام خمسين وزيرا هم حصيلة هذه الحكومات المتعاقبة؛ وهو رقم كبير جدا لا شك أنه كلف ميزانية الدولة الشيء الكثير مقارنة بما يقوم به الوزراء خدمة للمصلحة العامة. لقد عشنا أياما وأسابيع بدون وزير للشباب والرياضة منذ تقرر إعفاء أوزين، لكن لا شيء تغير. لم تتوقف الأنشطة الرياضية، ولا أضربت الجامعات ولا أغلقت دور الشباب ومراكز الاستقبال أبوابها. وبدا أن وجود وزير كعدمه في مغرب تكلف حكومته ميزانية البلد الشيء الكثير على مستوى التعويضات، وكذا المعاشات التي ستصرف لها حينما تنهي مهمتها. لذلك، ماذا لو جربنا مغربا بدون حكومة، ولا وزراء؟ وقتها، قد نعفي أنفسنا من مثل هذه الفضائح التي انفجرت مرة مع الشوكولاطة، وثانية مع «الكراطة»… يبدو هذا الاقتراح كاريكاتوريا، لكنه جدير بالتأمل من خلال محاولة الجواب عن سؤال جوهري حوله: ما الذي سنجنيه من مغرب بدون وزراء، وما الذي قد نخسره؟ الأكيد هو أن المكاسب ستكون أكبر.. سيتخلص المغاربة، على الأقل، من ارتفاع الضغط الدموي الذي تسببه الكثير من اختيارات الحكومة، وسيوفرون أجور وتعويضات الوزراء، وإن كنا سنخسر في الخارج صورة «البلد الديمقراطي الحداثي الذي تسيره حكومة منبثقة من صناديق الاقتراع»، رغم أننا ندرك أكثر من غيرنا أنها مجرد ديمقراطية للواجهة.