في كتابه «النقد الذاتي»، تناول علال الفاسي بالتحليل والتفسير والنقد مجموعة من القضايا ذات الراهنية على عهده، بجرأة تحسب له، رغم أن الرجل كان يعد من التقليديين بالمقارنة مع بلحسن الوزاني مثلا، ومن المدافعين عن الفكر السلفي في المغرب. وحتى لا تذهب الأذهان بعيدا فتقحم تلك «السلفية» في سياقها الحالي المطبوع بالعنف والتكفير، نشير إلى أن الحركة الوطنية نفسها قامت على ما اصطلح عليه آنذاك ب»السلفية الإصلاحية» أو «السلفية التجديدية»، مثل سلفية رشيد رضا ومحمد عبدو وجمال الدين الأفغاني؛ بل هناك من الباحثين من يضع الأمير الخطابي أيضا في خانة «السلفية» لتأثره، هو أيضا، بالفكر الإصلاحي في الشرق مع إعجابه، في الوقت نفسه، بزعماء تركيا الحديثة. ومع أن الرجلين، الفاسي والخطابي، قد يلتقيان في هذه الجزئية الصغيرة، فإنهما على طرفي نقيض بخصوص قضايا أكثر أهمية، وخاصة ما يتعلق منها بالتصور السياسي لبناء الدولة. جرأة علال الفاسي في «النقد الذاتي» تتجلى في وضعِه يدَه على مجموعة من «الأمراض الاجتماعية»، منبها ما أسماه «النخبة العاملة» إلى ضرورة التعامل معها ب»النظر والحوار».. يقول في التمهيد: «لا أقصد من هذا الكتاب (…) غير تنبيه الرأي العام المغربي، وخاصة النخبة العاملة، لضرورة الإيمان بالنظر والحوار، وتحديد المثل العليا، واختيار أحسن السبل للوصول إليها، مع امتحان الضمير في كل المراحل، ومحاسبة النفس على أغلاطها». يصعب التطرق لكل الموضوعات التي تناولها علال الفاسي شارحا ومنبها، ولذلك نكتفي بالتوقف عند موضوع واحد يشغل بال المغاربة الآن كما شغلهم قبل هذا الوقت بعشرات السنين، ألا وهو موضوع المرأة ومكانتها في المجتمع، والتي حولها الفهم الجامد للنصوص إلى «مجرد قنية تقتنى للذة والاستمتاع ليس إلا»، بحسب علال الفاسي. يُرجع علال الفاسي وضع المرأة المغربية المزري إلى الانحطاط العام الذي انحدر إليه المجتمع الإسلامي بصفة عامة، منتقدا مراوغات الرجال واحتيالاتهم على النصوص والتشريعات الدينية، مما جعل المرأة «عرضة للتآمر من جميع الطبقات بحرمانها، عن طريق الاحتيال، من أبسط ما أعطته الشريعة لها» من حقوق. ولعل أبسط مثال على ذلك هو حق المرأة في الميراث، وقد لاحظ الفاسي كيف يتلاعب الرجال بحقوقها، قائلا: «رجال الأسرة يحتالون عليها بطريق الوصاية أو الوقف على الذكور دون الإناث، كل ذلك لكيلا تتوزع الثروة وتنتقل من أسرة صاحبها إلى أسرة أصهاره مثلا». ولذلك نادى علال الفاسي، بكل جرأة، بضرورة «وضع عمل يقرر المساواة في كل الوصايا بين الذكور والإناث». ويخلص الفاسي إلى أن المرأة «يجب أن تتمتع (…) بما يتمتع به الرجل من حقوق، وأن تقوم بما يقوم به الرجل من واجبات. ولكي تستطيع ذلك يجب أن يفسح لها المجال، وتعد للقدرة على أداء ما يُطلب منها» في المجتمع. غير أنه يرى أن هذا الأمر لا يرتبط بتحرير المرأة وحده، وإنما أساسا بتحرر «الرجال أنفسهم من روح الجمود العتيق الذي يجعلهم يفضلون التقاليد على الدين نفسه». وارتباطا بموضوع تحرر المرأة والدعوة إلى مساواتها في الحقوق والواجبات مع الرجل، لم يتوان علال الفاسي في نقد تعدد الزوجات، ودعا صراحة إلى منعه بالقانون «منعا باتا عن طريق الحكومة، لأن الوجدان وحده لا يكفي اليوم لمنع الناس منه»، مشيرا بذلك إلى الشرط الذي تنص عليه الآية الكريمة: «وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة». وفي الوقت نفسه، دعا إلى ضرورة إعادة النظر في مسببات الطلاق عند الرجل، منتقدا في هذا الصدد مبدأ منح «العصمة» للرجل بما يحمله معه من استغلال و»استبداد» الرجل «على زوجته أو منعه حقا من حقوقها أو الإضرار بها»، ولذلك أعطى، في المقابل، الحق للمرأة في أن «تطالب بمعاقبة الزوج الذي يطلقها إذا أثبتت أنه استعمل حقه في الطلاق لغاية غير شريفة». هكذا كان علال الفاسي يفكر في بعض قضايا مجتمعه، وهذا يستحق منا التنويه حتى ولو اختلفنا معه في كثير من المواقف السياسية. ولعل هذا التذكير يدفع ورثته الحاليين في الحزب إلى الالتفات إلى هذا التراث الغني، بدل الانحدار إلى قاع الابتذال الفكري والسياسي.