أصدر المركز المغربي للعلوم الاجتماعية دراسة ميدانية حول «الإلترات» بالمغرب، قام بإنجازها الباحث بالمركز ذاته عبد الرحيم بورقية، تناول عبرها ظاهرة «إلترات» كرة القدم بالمغرب. واعتبرت الدراسة أن هذه الظاهرة جاءت كنتاج للعمل الجماعي الذي يقوم به المشجعون الأكثر تمثيلية لفرق كرة القدم، وهو نوع معين من العمل يعكس التزام الشباب والصغار والمراهقين وتمسكهم، بشكل عام، بدعم الفرق والمجموعات التي ينتمون إليها. وقد عرف المغرب الإرهاصات الأولى لظاهرة الإلترات سنة 2005، عندما برزت للوجود مجموعات لديربي الدارالبيضاء، مثل «الغرين بويز» التابعة لفريق الرجاء، و»الوينرز» التابعة للفريق الأحمر الوداد، ثم انضافت إليهما بعد ذلك، ألترا «بلاك أرمي» المحسوبة على فريق الجيش الملكي. وتقدم الظاهرة، في مجملها، صورة لما سيكون عليه التمثيل المحلي والإقليمي، بوصفها نمطا جديدا من التعبير عن قسم كبير من المجتمع، وعن انشغالات الشباب الذكور في معظمهم، المتحدرين من الطبقات الشعبية والوسطى، والذين يسعون للظهور والحصول على اعتراف الآخرين من مجموعات منافسة، من قبيل الدولة والمجتمع ككل. وقد اجتذب الحماس والتشجيع الآلاف من المؤيدين الذين رأوا فيه جوا غير معتاد، أنتج نسيجا من الألفة الاجتماعية، بعيدا عن الأحزاب السياسية والجمعيات الكلاسيكية، وخلق، بالتالي، فضاءات عمومية مفتوحة ينخرط فيها من يشاء، دون تمييز اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي، مما يؤشر على صعوبات الاندماج المجتمعي التي تعتري فئة من مكونات المجتمع وما يوجد عليه الشباب والمراهقون وأطفال الطبقات الشعبية. وأضافت الدراسة أن مشجعي «الإلترات» تجمعهم رموز وطقوس وقيم جديدة ونمط ثقافي مختلف، يصفها عموم الملاحظين بأنها منحرفة. إلا أنها –عكس ذلك- تقدم تأملات تعطي الأولوية في الفهم لتقديم الاتحاد العاطفي والذهني القوي لفهم المشجع والمشجعين، خاصة وأن ظاهرة «الإلترا» لها نصيبها من العنف الذي يبقى الجزء الأكثر وضوحا والمتداول إعلاميا. لكن أسباب ولوج المشجعين إلى الملاعب تتعدد بحسب نوايا كل مشجع، وقد قسمتها الدراسة إلى نوعين: نوع لا يخرج عن إطار الروح الرياضية والشغف والولع بالساحرة المستديرة، هدفه بالأساس تشجيع فريقه وبث الحماسة وخلق الفرجة والمتعة الكروية، في حين تمثل التصرفات اللارياضية الشق الثاني من هذه الأسباب، إذ تشهد طغيان السرقة والتخريب وممارسة العنف اللفظي والجسدي، خصوصا مع ما يعتري مباريات الكرة من مشاكل ضبط الأمن واستتبابه. ولفهم أعمق لظاهرة الألترا، تقترح الدراسة ضرورة التعاطي الشمولي معها، مشيرة إلى أنه لا ينبغي الاقتصار على فهم الظاهرة كمسألة فئوية أو قطاعية، بل يجب طرح التصور الأمثل للفهم الاجتماعي، لأن فضاء الملعب يبقى نموذجا للمجتمع كنسق كلي، خصوصا مع ما يعتري مراهقي المجتمع وصغاره وحتى شبابه من اضطرابات نفسية وإكراهات اجتماعية تجعل بعضهم يمر بفترات انحراف ويأس وخوف. وهي كلها عوامل تسبب احتقانا لدى هذه الفئة، التي لا تجد بدا أو ملجأ آخر للتنفيس عن غضبها وعن كل ما يختلج في دواخلها غير الملعب، بوصفه المتنفس الوحيد. هذا الاحتقان لدى المشجعين قد يستثمرونه في القتال الرمزي الذي تطغى عليه الاحتفالية بالأغاني والإيقاعات بدرجة كبيرة، متخذين من «نحن» ضد «الآخرين» شعارا ورمزا لهم. باعتبارها فرصة الجماهير للتعبير عن الرغبة الجامحة في الظهور كأفراد فاعلين ومؤثرين في نتيجة المباراة. وخلصت الدراسة إلى أن سلوك العنف يظل حالة شاذة، لا تنتفي عن ظاهرة الألترا، لكن الطاغي عليها، يتمثل في التشجيع الذي يترجم وجهات نظر المجتمع المختلفة وواقعه المعاش، ويلخص أوجه العيش ومبادئ التضامن والتجانس التي توجد لدى فئة مهمة من مكونات المجتمع.