أغاني كثيرة عناوينها تحاصر المتلقي المغربي من كل حدب وصوب، على الإذاعات والقنوات ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب. فما إن يتوارى الواحد منها حتى يطل الآخر «إنتي باغية واحد»، «لا علاقة»،»مشيتي فيها»، «اعطيني صاكي»، «خويا حك لي نيفي»، «كرافطة» وغيرها،عناوين تحصد نسب مشاهدة واستماع عالية تحدث تباينا كبيرا في صفوف الجمهور المغربي وانقساما أكبرا محركه الرأي والرأي الآخر. فما تعيشه الأغنية المغربية في الوقت الراهن على حد توصيف ضيوف هذا الملف من ابتذال وتحول عن مسار «الزمن الجميل»، جعلها بحسب تعبيرهم تتراجع ذوقيا وأخلاقيا ويزج بها في قفص المساءلة لكونها أصبحت تضرب بالعادات والتقاليد المغربية عرض الحائط، ليثار السؤال حول حدود العلاقة بين الفن والأخلاق وطبيعة الخيط الناظم بينهما، وهل انتشار هذه الأغاني بمضامينها يجسد معنى حقيقيا لحرية التعبير في المغرب؟ الفنان المغربي «نعمان لحلو» في تصريحه ل «المساء» نعت ما وصل إليه الفن الغنائي عموما ب»الدعارة الفنية «مبتداها المفاتن والعري ومنتهاها الكلام النابي، وأفاد أن عنصر الاستفزاز هو ذاته عنصر النجاح الإعلامي حيث الكلمة المبتذلة هي أول مؤشر للنجاح، ليضيف:» المبدع والمغنيون هم المسؤولون وتنبغي محاسبتهم، ولكن إذا ما كانت هناك لجنة للكلمات مفروضة من الهاكا، لن يستطيع المرتزقة وأنصاف الفنانين أن يجدوا لهم مكانا في الفضاء السمعي البصري». أما الملحن والشاعر الغنائي المغربي حسن إمام فقال:»إن الفن المغربي والهوية المغربية والحضارة المغربية العريقة تهان يوميا باسم الفن المبتذل، وباسم الكلام السوقي الساقط وباسم قلة الحياء الممولة بفتات «البترودولار»، وصدقات من يتلاعبون بهوية وشرف الشعوب وفق مزاجهم الخاص وأمراضهم النفسية»، وأن من يلعبون»خارج الصندوق» لا يمثلون الأطياف الرئيسية والفاعلة في المشهد الفني والثقافي، لأن حضارتنا وهويتنا وتاريخنا أكبر من أن تعبث بها أيادي العابثين والمهرولين نحو الشهرة الزائفة. في الوقت الذي دعت فيه الفنانة الأمازيغية «فاطمة تحيحيت « إلى احترام ذوق الجمهور الذي يعشق الأًصالة في الأغنية المغربية، وتحدث الفنان محمود الإدريسي عن عدم إصلاح الوضع الفني الراهن، لأن المفسدين كونوا طوقا على المسائل الفارغة. خطوات إلى الوراء.. «الزمن الجميل» هو حقبة تاريخية عرفت فيها الأغنية المغربية ازدهارا كبيرا وانتشارا واسعا، بلغ أوجه بعيد الاستعمار رغبة في تثبيت الهوية المغربية، حيث بزغ في سماء الإبداع ملحنون وكتاب كلمات..أسسوا لموسيقى خالدة جعلت الجمهور يتجاذب معها، إذ رغم تفشي الأمية إلا أن المخيال الشعبي كان يحفظ ما جادت به قرائح الشعراء والزجالين وما ترنمت به أصوات المغنيين من الأغاني الوطنية والقومية وحتى أغاني الغزل..وكان للتجربة المشرقية آنذاك أثرها البارز في ارتقاء الذوق الفني وزيادة رهافة الأذن الموسيقية. وبرزت في الميدان لاحقا أغاني شعبية ذات حمولة ثقافية وسياسية تهافت عليها الجمهور المغربي لأنها حاولت أن تعكس صورا سياسية واقتصادية واجتماعية..محتقنة في سنوات الرصاص، وتمت «مخزنة الأغنية المغربية»عبر نوع من «الانتشاء الإيقاعي»على حد توصيف محمد الساسي، فسيطرت في نهاية السبعينيات ظاهرة المجموعات مثل ناس الغيوان وجيل جيلالة ولمشاهب..واستمر في كل فترة ظهور أغاني تختلف عن سابقتها قلبا وقالبا، لم تبرح عتبة خلق جدال وانقسام في المجتمع بين مؤيد ومعارض لها بسبب تضمن بعضها لمضامين «لا أخلاقية». يذهب الدكتور عبد الكريم برشيد، المؤلف المسرحي والمهتم بالمجال الفني، في أحد تصريحاته إلى أن «الفن الجميل» لا يمكن أن يكون إلا أخلاقيا بالضرورة، وأن نظيره الساقط إنما يدخل في خانة سياسة تروم إلهاء الشعوب بما هو سطحي ورخيص، وأن الشعب يساهم في تزكية هذه السياسة، وذلك من خلال أميته الفنية وانسياقه وراء التيارات المنحرفة والمحرفة في الفن. من المهتمين بالحقل الفني من يذهب إلى أن هذه الأغاني التي تحمل صورا خادشة للحياء ليست وليدة اليوم، إذ لا يزال عالقا بذاكرة الجيل القديم، ما انضوت عليه وقتها أغاني»الزمن الجميل»من إشارات وإيحاءات مباشرة وغير مباشرة عنوانها التغزل بتفاصيل جسد المرأة، وعلاقتها مع الرجل وأشياء أخرى أشد حرجا من صور صادمة تجافي الذوق العام وتستثير النزوات المدفونة..ومع ذلك حققت شعبية واسعة، لأن الضرر حسب أولئك كان أقل وطئا بخلاف الزمن الراهن، حيث الزحف المهول للأغنية المبتذلة بفعل تأثير فضائيات البترو دولار، والرغبة الجامحة في الحصول على أرباح خيالية وإن على حساب قيم وعادات وتقاليد أصيلة، في ظل انتشار كاسح لليوتوب ومواقع التواصل الاجتماعي.. ومنهم من يتهم الأغاني الحالية تحديدا بنسف الهوية المغربية عن سبق إصرار وترصد، الأغاني التي عدد منها سار في طريق صحيح وأعداد أخرى حادت عن السبيل ولم تنفك قط عن الثورة وتخطي قامات الفن المغربي «الأصيل» حتى خارج بوتقة «الزمن الجميل». أغاني في عنق الزجاجة لاشك أن هناك انحدارا خطيرا تعرفه الأغنية المغربية في الوقت الراهن بشهادة كثير من الأطراف التي استضفناها في الملف، إذ باتت تفتقر من جهة إلى فكرة ومن جهة أخرى إلى رسالة مرتبة القسمات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل الوضع راجع ل»رداء الرداءة» الذي تلبسه من كلمات وألحان وأصوات، ليهوى بها من عل ويغرقها في مستنقع «الابتذال»؟ أم السبب هو تدني الذوق العام وقبله عدم توفر الوجدان، أم إحجام الإعلام وإسهامه في طمس معالمها؟ أم ثمة دواعي أخرى تتطلب منا أكثر من جرة قلم؟ فأن يفوز مغني شاب في استفتاء أثيري على الدكتور «المهدي المنجرة» يجعلنا أمام اعتراف قوي بأن الأغنية الشبابية بكل انفلاتاتها، تحاول جاهدة سحب البساط من تحت أرجل قيمنا وأخلاقنا وتقاليدنا، حتى نصل إلى ترديد أغاني فارغة بلا شكل ولا مضمون، يتماهى معها الجمهور وخاصة الناشئ منه، معلنا الثورة على أفكار وقوالب جمالية وأخلاقية حرص على تسليمها من جيل إلى جيل. عن رأيها في الوضع المقلق الذي تعيشه الأغنية المغربية، تقول «باتول المرواني» إن ما ينتشر ببلادنا في الفترة الأخيرة من أغاني هابطة بكلمات ساقطة وألحان ركيكة هو أمر مؤسف للغاية، ساعد عليه انحدار الذوق العام في ظل غياب إنتاج ذي جودة على مستوى الكلمات واللحن، كما أن طغيان هذا النوع من «الغناء» على الساحة الفنية له عدة أسباب لخصتها الفنانة الصحراوية الحسانية في ما اعتبرته انتشار مجموعة من المتطفلين (أنصاف موهوبين) في مجال الفن والموسيقى، حيث يسعون من وراء ذلك للبحث عن المال والشهرة بشتى الطرق، رغم كونهم شخصيات دخيلة تنقصها المعرفة العلمية والذهنية والفنية الواعية والحس المرهف، وتفشي التقنيات الحديثة في مجال تسجيل وتسويق الأغاني بطريقة سهلة ومتوفرة للجميع وبأقل تكلفة،علاوة على تراجع المستوى الأخلاقي. أغاني منها من يخاطب الغرائز ويوصف ب»العهر»، ويعتمد الإثارة وبعثرة أوراقنا الثقافية والاجتماعية..ومع ذلك تحصد نجاحا تلو النجاح على حجم الإساءة إلى هويتنا ولهجتنا المغربية، تحت طائلة الانفتاح ومسميات أخرى يأنفها الذوق السليم، ممن نصبوا أنفسهم «سفراء»للأغنية المغربية. الأمر ينسحب على الانقسام الواسع الذي أثارته أغنية «تلاح» لمريام فارس، ونظيرتها «الساطة» لمواطنها عاصي الحلاني في صفوف المتتبعين الذين رأوا فيها انزلاقا يسيء لدارجتنا وإهانة للمرأة المغربية، وكذلك أغنية «دمدومة» لجميلة البداوي التي قال عنها الموزع الموسيقي المغربي حميد الداوسي على حسابه في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، إنها لا تنتمي إلى الموسيقى المغربية مرجعا رداءة الأغنية لكاتبها وملحنها. وأيضا الاستنكار الأوسع الذي خلفته أغاني اعتمدت المزج بين الإيقاع المغربي وإيقاعات أخرى مثل الغربي والخليجي..أغاني حققت نسب تتبع عالية أقلها على الشبكة العنكبوتية لأن هدفها الأول والأخير لم يعدو محاولة الترويج للفنان، والرفع من أسهمه في بورصة السوق الفنية، والزيادة من نسب الجدل حول أغنيته. فأغنية «إنتي باغية واحد» لسعد المجرد أشعل طرحها مواقع التواصل الاجتماعي، بل ثمة من الفنانين العرب من أعاد ترديدها، وذهب بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى وضع الأغنية في قالب أنواع موسيقية مغربية أخرى منها الطرب الأندلسي والموسيقى الأمازيغية واللون الشعبي المغربي..وتعرضت لانتقادات من المغرب وخارجه حيث خرجت جمعيات حقوقية تعنى بالدفاع عن المرأة مطالبة بتوقيف الأغنية ل»حملها إساءات للمرأة»لكون كلماتها تنقص من قيمتها وتعتبرها مكرسة للصورة الدونية التي دائما ما يحاول الإعلام إظهارها بها. وأغنية «اعطيني صاكي» للمغنية الشعبية «هند الحنوني»، الملقبة بزينة الداودية، بدورها خلفت جدلا لا يزال إلى اليوم،لأنها في نظر المهتمين والمتتبعين تخطت الخطوط الحمراء، لأنه تم اعتبارها أغنية هابطة تشجع على التحرش والفساد، بل إن مجموعة من المواطنين تقدموا بعريضة تظلمية وشكاية رسمية إلا أن المحكمة رفضت الدعوة. الأمر ذاته الذي ينطلي على «الفيديو الكليب» الخاص بها الذي نشرته المغنية على قناتها الخاصة على موقع «اليوتيوب»، الذي قيل عنه إنه «مصور في الخليج وموجه للخليج»، والذي من المتوقع أن يزيد من الجدل المنتشر حول الأغنية، إذ يخلو من أي تميز أو أبداع، ويعتمد تقنيا على مشاهد بسيطة مع تكرار اللازمة. عموما ما يلزم الانتباه إليه في ظل هذا الوضع المتشنج، والرهين بظهور أغنية واختفاء أخرى، هو التأثير السلبي لهذه الأغاني على المراهقين والأطفال، الذين باتوا حسب بعض رجال التربية والتعليم، يقلدونها ويرددونها دون تردد داخل المدارس وخارجها وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي و»اليوتوب»، رغم كونها وفقهم لا تحفل بأي مضمون تربوي وتعمل على تدمير أحاسيسهم وسلوكياتهم، وتكتفي بدغدغة المشاعر بصور إباحية بفعل كلماتها وألحانها. في انتظار ربيع الغناء المغربي عندما تتحول الأغنية إلى تقليعة وسط صفوف الشباب ونموذجا يحتذى به من قبل الأطفال والنساء ومختلف شرائح المجتمع، فإننا نصبح أمام كارثة حقيقية عنوانها الكبير التهتك القيمي. يقول الملحن شكيب العاصمي إن صنفا من الأغاني المنحلة بدأت بالانتشار، وفي حال عدم المعالجة وإيجاد الحلول الجذرية فإنها ستصبح معضلة كبيرة، والأمر يتطلب قوانين فنية صارمة على المغني وعلى كتاب مثل هذه الكلمات وعلى شركات الإنتاج والتسجيل التي همها الأرباح والمبيعات. هذا وثمة انتقادات لاذعة توجه للمغنيين الذين يتفاخرون بهز عرش الفن وخاصة الشعبي منه، وإن على حساب رسائل تقدم للجمهور كلها تجاوزات أخلاقية، تتجاوز كلماتها حدود التغني بالجسد إلى الانتشاء به بجرأة، تروم إعادة نشر غسيل المغامرات الجنسية والانتكاسات العاطفية والإخفاقات الاجتماعية، وتوظيف ذلك لرفع نسب رواج الأقراص المدمجة، بل الترويج له في الشبكة العنكبوتية وحتى في الملاهي الليلية والسهرات تحت مسمى الفن، ليضحي أمامها «الطابو» يجالس من يسحل منظومة قيمه في عقر داره. مهتمون بالحقل السوسيولوجي يفسرون تناول مثل هذه الأغاني بما تحمل من إيحاءات، وتعاطي شرائح مجتمعية واسعة معها بمثابة تصريف كبت جنسي دفين، سيما مع وجود أخلاقيات لا يمكن القفز عليها. وفي تصريح له ل»المساء» حول الموضوع أفاد الفنان الشعبي «حجيب» أن الأذواق تختلف، ولا يمكن لأحد ما التحكم في ذوق الآخر، لأن المتلقي إنما يلجأ في واقع الأمر إلى ما يعجبه ليسمعه، ولكل «زمان أصحابه» ولا يمكن فرض لون غنائي معين على جيل ما ليقبل عليه. وأنه عبر الأغنية الشعبية والعيطة تحديدا تم تقريب التراث للشباب، ليضيف:»لا أعتقد أنه ثمة كلام ساقط أو خادش للحياء في الأغاني التراثية التي لا تتكلم إلا على الغزوات والحروب.. فقط، وكل ما هنالك أن الناس قد لا تميز بعض الكلمات في «قصائد العيوط»، فتكون الكلمة لها اتجاه معين ويجعلون لها اتجاها آخر، ودورنا لا يعدو المحافظة على التراث، ومن يفترض أن العيطة تتضمن كلاما ساقطا فالأفضل أن لا يستمع لها». الانتقادات تسلط أيضا على أغاني الشباب من «الراب و»الهيب هوب «من حيث طبيعة الكلمات المرافقة للإيقاع الراقص، والتي يرى فيها النقاد أنها غير مفهومة ودخيلة على البنية المجتمعية أحيانا، وأحايين أخرى متجاوزة للخطوط الحمراء ومسيئة للذوق العام وتشكل «انحرافا فنيا»، رؤية يخالفها رأي شباب مشتغلين في المجال اتصلت بهم «المساء»، اعتبروا أن لا ضير من تضمن الهيب هوب لكلمات غير أخلاقية لأنه أصلا فن مستورد، مادامت الغاية توعية المجتمع وإبلاغ رسالة معينة. غير قليل من الأغاني كما سبقت الإشارة، أثارت ضجة واسعة في المجتمع وأشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما تضمنته من كلمات غريبة، وما اعتبر تحرشا ودعوة إلى زرع انحلال أخلاقي، لنضحي أمام مغنيين يتراشقون الاتهامات فيما بينهم، إذ تجد الواحد منهم مغرقا في الرداءة ويصف عملا غنائيا لفنان آخر بالرداءة، حتى بات هذا المفهوم منزاحا عن معناه الحقيقي، ولكن ورغم كل ذلك لا تزال هذه الأعمال تجني الجماهيرية الواسعة أبسطها ممن انتابه فضول التعرف على كلماتها التي أثارت الجدل، كلمات غريبة تنهل من حقل الطبخ واللباس والإكسسوار..حجتها أنها متداولة في أروقة العيش اليومي، لكن الخطير هو لما تصبح «موديلا» لدى الشباب والنساء والمراهقين. والأنكى أنه من الأغاني التي كانت تأثر في شرائح واسعة من المستمعين، واستمتعوا بها وبكل ما تحفل به مضامينها وإيحاءاتها في لحظة من اللحظات، ما أصبح في خانة المحظور الذي يأبى الفنان الاعتراف به ويتبرأ من شكله ومضمونه، كما هو حال أحد مغنيي الأغنية الشبابية الذي طالب جمهوره بالتوقف عن سماع الأغاني وخاصة ألبوماته واصفا الموسيقى ب»المستنقع»، على غراره اختار آخرون لمعوا في أضواء الشهرة وضع حد لمسيرة ناهزت عقودا من الزمان تحت الأضواء الباهرة. وبعد.. إن انتشال الأغنية المغربية من الأزمة الحقيقية التي تتخبط فيها حيث تعوزها مقومات الارتقاء بالحس الإنساني، رهين بالرفع من شأنها وإعادة النظر في ترتيب بيتها الداخلي، فضلا عن ضرورة توفر استراتيجية شاملة للنهوض بقطاع الموسيقى وبالقطاعات الفنية، عن طريق التأسيس لشراكات بين الدولة وكل الفاعلين المعنيين من هاكا وفنانين وإعلاميين ونقابات فنية..الأخيرة التي يعود لها الأمر برمته، ويلزمها أن تفرض قيودا على شركات الإنتاج ومعالجة مواطن الخلل بغية الحفاظ على هويتنا الثقافية والحضارية. ولن تخرج الأغنية من هذه الأزمة ما لم تتحمل كل الجهات مسؤوليتها في تخليقها والاهتمام بمضامينها وترتقي بمتطلبات وأذواق دافعي الضرائب.
التهافت على الأرباح دفع البعض إلى تشجيع الأغاني التافهة محمود الإدريسي في أولى أيامنا بالإذاعة والتلفزة الوطنية، وجدنا هذا المنبر هو الذي يتبنى الفن، حيث كان الجوق الوطني وأجواق أخرى وفنانين آخرين، متابعين بلجنة تراقب الكلمات والألحان والأصوات، وممنوع منعا كليا أن يكون ثمة ما يخدش الحياء، غير أنه لما تخلت الإذاعة والتلفزة الوطنية عن الأجواق، وأصبحت الشركة الوطنية، اندثرت لجنة الكلمات والألحان وأضحت «السيبة» بحيث كل يفعل ما يشاء بلا وازع ولا رادع، ولهذا انتشرت الرداءة في الأغنية المغربية عوض أن تظل هادفة تربي المجتمع من خلال مواضيعها الاجتماعية ورسائلها الأخلاقية والتربوية. وصار من يمررون الأغاني داخل الإذاعات يبحثون عن الابتذال، بدعوى «التقرب من الشعب» ويجلبون الكلام الساقط واللحن الرديء، واحتكر المجال بعض مشجعي الإباحيات في تهافت على الأرباح، ولكن الخطير في الأمر هو أننا أصبحنا نزكي ما يروج عن المغرب بأنه «بلد دعارة بالأغاني». إن الإعلام هو من ربى المجتمع للإقبال على هذه النوعية من الأغاني التافهة، وأحدث قطيعة بين الماضي والحاضر في الغناء، كما عود الجمهور المستمع وهيأه مسبقا لتقبل كل ذلك، واستساغة ما تنضوي عليه من رسائل فوضى وعنف في علاقة الآباء بأبنائهم وانعدم الحياء..وخاصة الناشئ منه الذي أرى أن لا ذنب له حين وجد فطرته وجها لوجه أمام هذه الأغاني، وهو الإشكال الذي لم يكن واردا قديما، لأن الأغنية آنذاك كانت تربي المجتمع بكلمات الملحون والإيقاع الشعري الوازن..والناس وقتها كانوا يرفضون ما يجافي الذوق العام، إذ لا مكان إلا للموشحات والأغاني التي استحقت بحق اسم أغاني «الزمن الجميل». اليوم نجدنا في حيرة من أنفسنا ونحن نرقب ظواهر غنائية غير صحية تبعث على الفتور، وكأننا في «سوق» نتفرج على ما يجري فيها من تحولات، أو بالأحرى وسط بحر لا نستطيع في غوره تغيير مجرى التيار، ويبقى الأفضل هو الخروج من هذا البحر والبقاء على الشاطئ. إننا كنقابيين ندافع عن الأغنية المغربية الهادفة التي فيها موضوع ورسالة فنية وأخلاقية، ولا نقبل بأي شكل من الأشكال أن لا تحترم الإذاعة والتلفزة المغربية والإذاعات الخاصة..دفتر التحملات، وهي دعوة ضمنية إلى بث الأغنية المغربية الأصيلة بنسبة تتجاوز النصف، ونستنكر في ذات الآن الأشياء غير الأخلاقية وغير الهادفة في الإذاعات الموجهة للشعب، التي يلزم أن تحترم هذا «الشعب العظيم» الذي فيه رجال ووطنين دافعوا عن البلاد..وأن تقدر تراثنا وحضارتنا التي تركها لنا أجدادنا. رأيي أن يكون على رأس الإعلام ذوو الاختصاص في الموسيقى بحيث لا يمررون شيئا للمجتمع دون تنقيته، ولو أنه في نظري لا جدوى من إصلاح الوضع الفني الراهن، لأن المفسدين كونوا طوقا على المسائل الفارغة، ولأن الفساد لما يستمر يصبح صلاحا.
كل واحد حر في التوجه الفني الذي يختاره حمزة الماليكي يقول حمزة الماليكي إن أغنية « حك لي نفي» لمجموعة «باربابابا» ليست سوى ترجمة سمعية ساخرة، من كليب مشهور هو «شيكيني» للثنائي النيجيري «بي سكوار»، وقد خلقت «البوز» وتجاوزت نسبة مشاهدتها الأغنية الأصلية حيث وصلت إلى ما يربو على 17 مليون مشاهد، وهي تدخل في خانة فن «البارودي» وهو مصطلح يعني إعادة عمل فني بطريقة كوميدية ساخرة ومسلية. وقال إنها كلمات بلا معنى تروم إضحاك كل من يستمع إليها، وذلك في قالب عصري تم فيه تقديم فلكلور الأمازيغ بطريقة جديدة، لأن هدف الفرقة الشابة التي توحد طاقات فتية من الرسم إلى السينما، هو تبليغ رسالة مفادها أنه ثمة:» مغربي واحد وليس هناك فرق بين الأجناس»، فضلا عن التعريف بالموسيقى المغربية التي قلما يهتم بها الجيل الحالي، وإيصال أصالة وتقاليد وتراث المغاربة عبر الفلكلور القديم إلى المغاربة وإلى العالمية، الفرقة تنطلق من ثقافة المغرب الموسيقية وفلكلوره المتنوع، وتحاول التنسيق بين الأذواق حتى تروق الفئات العمرية الثلاث التي يمثلها كل من الأب والصديق والأخ الصغير. وبخصوص الجدل الذي أصبحت تطرحه بعض الإنتاجات، يعتبر حمزة الماليكي أن كل واحد حر في التوجه الفني الذي اختاره حيث أن كل مغني لديه جمهوره الخاص به وبلونه الغنائي، وإن زاغ يوما عن هذه الثوابت فمن الأرجح توجيهه بدل قمعه، وذكر أن هذا الجدل «المفتعل» ليس بالضرورة في شيء، خاصة وأن من المغاربة من ينصت لأغاني مغرقة في الإباحية يظهر فيها الجسد عار، ويتقبلها ويتتبع موسيقاها لا لشيء سوى، لأنها غربية ومستوردة من دول أخرى. وعن رأيه في الابتذال الذي يطال الأغنية نفى عضو فرقة «باربابابا» أن يكون ذلك، داعيا إلى تلافي استنساخ الأساليب الموسيقية بين المغنين بعضهم البعض، محملا المسؤولية فيما يقع إلى «أنا» كل مغني على حدة، ليردف:» الأغنية ليس فيها ابتذال فعبر الإنترنيت يراني الآخر وأوصل له ثقافتي، ومن يرى الابتذال فهو يرى برؤية قاصرة موسيقاه فقط، إذن لا ينبغي حصر الأشياء في إطار ضيق، الأصل ضرورة التوفر على تاريخ فني ومعرفة بالثقافة المغربية لإيصال الصوت».
الأغنية المغربية بخير لوجود من يحب الفن المغربي المتميز فاطمة تحيحيت ما نراه حاليا لم يكن سابقا لأن الأداء كان جيدا والكلمات كانت تحترم الإنسان وتجذبه لها بصدقها، درجة أنك تعتبرها واقعا معاشا، اليوم لا أعرف ما وقع للأغنية لتصبح في هذه الحالة، ولنضحي أمام أغاني لا تحترم العائلة المغربية والتقاليد والقيم..علما أن هذه العائلة إن حصل وسمعت لفظا غير أخلاقي ينفض اجتماعها، والسؤال الذي يراودني هو: هل الجمهور من يطلبها أم هي محض اختيار الفنان؟ وهل من الضرورة أن نقتدي بهذه الموجة لتنجح إنتاجاتنا الغنائية؟ الظاهر هو أن الأغنية إن كانت غير محترمة على مستوى الكلمات وخادشة للحياء تجد المنتج والعكس صحيح، نحن كنا قديما في الأغنية الأمازيغية نوظف الرموز، فإذا ما أردنا أن نتكلم عن المرأة مثلا أشرنا لذلك بلفظ الشجرة، وقلما نستعمل كلمات الحب والحبيب. الآن أصبحت كل هذه الأمور متجاوزة إلى أن طال الابتذال حتى الأغنية الأمازيغية بدورها. الحل هو أن يراجع الفنان حساباته وينتقي كلمات في المستوى، تليق بالشعب الذي يعشق الأصالة في الأغنية المغربية بما فيها الأمازيغية، التي تستمتع وتستفيد منها في الوقت ذاته، لأن فيها بناء قصصيا ونصائح وتوجيهات لتعامل الأبناء مع آبائهم والعكس. هذه الصفعات التي توجه للأغنية المغربية أظنها لن تؤثر فيها لأنه لا يزال لديها جمهور، ومن واجب كل واحد اختار صنفا معينا وحاد عن أصالة الأغنية المغربية أن يتراجع، لأنه لن يتبعه سوى من لا يفهم معاني الحياة العميقة، عموما الأغنية المغربية بخير ولن تموت، لوجود من يحب الفن المغربي المتميز.
لا داعي أن نصنع من «الحبة قبة» والكلام الفصيح لا يوفر «طرف الخبز» حاتم ادار معلوم أن الجمهور المغربي ذواق ومنفتح على جميع الأنماط الغنائية، وأن الواقع الغنائي الحالي ليس كذي قبل بحيث يمكن لمن شاء أن يفعل ما يشاء، لنصبح في النهاية أمام أغاني دون المستوى، تفضي إلى تلويث المجتمع وإلى «دعارة فنية» لا مجال لتداولها خاصة أمام الأطفال، لكي لا يشبعوا بهذه النوع، والرهان هو أن نوقف نزيف الرداءة ليس إلا. ثمة أصوات جميلة فوجئت بها من خلال مسابقة تقدمت بها على صفحتي في «الفايس بوك»، وحاولت أن أقدم لها بعض أشكال الدعم، أعتقد فقط أنه ينبغي أن تكون صرامة ورقابة فنية لها علاقة بالشبكة العنكبوتية حتى يتم التمييز في عملية تسويق الأغاني الجميلة من التي تفسد الأخلاق، وأيضا شراكة بين الفنانين وكل المتدخلين في الحقل الفني والدولة لمتابعة كل من يخل بالحياء بحجة الفن، من الضروري أن نجتمع جميعا كفنانين لأن الأمر يمسنا تحديدا، ونتفق على يوم عالمي للفنان لحل المشاكل التي باتت تشهدها الساحة الفنية. بالنسبة لي كمغني شاب أرى أن أغاني جيلي الحالية في المستوى، ولا تثير أي جدال لأن لكل بصمته في اللحن والأداء..فلا داعي أن نصنع « من الحبة قبة»، هي أغاني خالية من الكلام القبيح، وبم أن الموسيقى لغة الشعوب فلا ضير من توظيف إيقاع خليجي أو هندي مادامت الغاية إيصال الرسالة والتواصل مع الآخر، والاختلاف في الأنغام جميل جدا، هذه الأغاني بشكلها الراهن منها من سوق بكثير للأغنية المغربية، إذ لما يغني الواحد منا بالدارجة المغربية يكون قد حقق تواصلا أكثر، على شبكة قنواتنا الفضائية..الكلام الفصيح لا يوفر لنا»طرف خبز» لأننا في مجتمع يتكلم ويتفاعل الدارجة، نحن إنما يشهرنا الشعب المغربي ويطلبنا لأعراسه وحفلاته، والأصوات الشابة أسماء عندها تجربة لا يمكن أن تقدم على مغامرة تنهي مشوارها الفني، وتبقى أصواتا غنت بالدارجة وأزالت القيود لتوصيل صوتها.
الفن الغنائي وصل إلى «الدعارة» الفنية أس3ئلة ل: نعمان لحلو .ما هو توصيفكم لواقع الأغنية المغربية في المرحلة الحالية؟ { في المطلق الأغنية هي تعبير عن المجتمع، تعكس ثقافته وظروفه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأنا أشبه واقعها كمن يرى نفسه في المرآة، ويرى شيئا قبيحا ثم ما يلبث أن يتهم المرآة، بينما المشكل في الأصل ليس في الانعكاس، فاليوم لدينا عاهات تطل علينا عبر القنوات بكلام مبتذل بحجة الواقعية. أما الفن فالمفروض أنه يجمل الحياة ويغذي الروح ويسمو بالأخلاق والقيم، وهذا ما لم نعد نسمعه أو نشاهده في العقدين الأخيرين. .أين يمكن رصد مظاهر الابتذال الذي تكلمتم عنه؟ إن ما وصل إليه الفن الغنائي أنا أسميه ب»الدعارة» الفنية، ابتدأت بالاعتماد على المفاتن والعري ووصلت إلى الكلام النابي، أما بالنسبة للأغاني الإباحية في الماضي فقد كانت خاصة ونسمعها في الأعراس وليس في القنوات، حيث أخذنا فنون الشارع وأدخلناها للإذاعات وقنوات التلفزة. وأشبه موضوع الشهرة كمن يحمل بين يديه قنبلة، ويلزم أن يكون في مستوى المسؤولية قبل السماح له أو لها بحمل تلك القنبلة. إن الشهرة خطيرة جدا لمن لا يعي مسؤولية الدخول إلى عقر دار الأسر المغربية بدون استئذان عبر الإذاعة أو التلفزيون، اليوم أصبح عنصر الاستفزاز هو ذاته عنصر النجاح الإعلامي، وأصبحت الكلمة المبتذلة هي أول مؤشر للنجاح، وإعلامنا يداهن ويساير إلا من رحم ربك. وإذا ما تجرأ أحد من الفنانين وانتقد الوضع، يتهمونه بالوقوف ضد حرية الإبداع ومعاداة النجاح، ويسمونه متخلف عن العصر ولا يشجع الشباب والمواهب الجديدة. . إذن من يتحمل مسؤولية إنقاذ الأغنية مما تعيشه؟ أنا أحمل المسؤولية ل»الهاكا» التي لا تشترط على الإذاعات الخاصة، إنشاء لجنة للكلمات لكي تلائم قيم المجتمع، لأن الفضاء السمعي البصري فضاء عام يجتمع فيه الأب والأم مع أبنائهم، ومع الآباء والأمهات والأجداد ويجب أن تسوده القيم. أرجع وأقول أن «الهاكا» ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها، وهي لا تفعل ذلك اتجاه ألإعلام الخاص فيما يخص نصوص أغاني الإبتذال، بل حتى في أقل الشروط القانونية ومنها إجبار الإذاعات الخاصة على دفع حقوق المؤلفين، حيث لا زال جلهم يؤثثون برامجهم بأعمال المبدعين ولا يدفعون مستحقاتهم، وبالطبع المبدعون والمغنيون هم مسؤولون أيضا ويجب محاسبتهم، ولكن إذا ما كانت هناك لجنة للكلمات مفروضة من الهاكا لن يستطيع المرتزقة وأنصاف الفنانين أن يجدوا لهم مكانا في الفضاء السمعي البصري.
مستقبل وطننا يكمن في حماية هويتنا من اختراق الكلمات السوقية أس3ئلة ل: سعيد الإمام – .كيف تفسرون السباق المحموم نحو فن بمواصفات مبتذلة؟ { كنت و ما زلت ممن يرون أن أي تقدم ناجح لا يكتمل في أي مجتمع دون الاهتمام بما تفتقر إليه العقول والسلوكيات والأذواق، ودون الحفاظ على الهوية مع تجديد الرؤية وفلسفة العمل بها بما ينفع الناس ويرقى بمستوى تفكيرهم وطريقة عيشهم. ومع كامل الأسف أن أرى اليوم من ينساق – من أشباه الفنانين – إلى الركوب على قاطرة «خالف تعرف «، ليصبح رقما في «البوز» وينضاف إلى الأسباب المباشرة التي تشكل عراقيل مصطنعة تعاني منها ثقافتنا الوطنية، فما الذي يقدمه المهرولون نحو الشهرة اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ غير ما أعلنوه بأنفسهم في أغانيهم، وأثار سخط الشارع الثقافي والفكري والفني المغربي واستهجانه وما زال يثيره حتى الآن. إن الفن المغربي والهوية المغربية والحضارة المغربية العريقة تهان يوميا باسم الفن المبتذل، وباسم الكلام السوقي الساقط وباسم قلة الحياء الممولة بفتات «البترودولار»، وصدقات من يتلاعبون بهوية وشرف الشعوب وفق مزاجهم الخاص وأمراضهم النفسية. .كيف السبيل للخروج من هذا الوضع الذي أتى على اللحن والكلمة..؟ ولكي تطمئن القلوب أؤكد لكم بأن من يلعبون خارج الصندوق لا يمثلون الأطياف الرئيسية والفاعلة في مشهدنا الفني والثقافي، فحضارتنا وهويتنا وتاريخنا أكبر من أن تعبث بها أيادي العابثين والمهرولين نحو الشهرة الزائفة، فالصفوة من فناني هذا الوطن قادرة على طرح البديل الذي يمثل الوعي بالسلوك القويم والفن الجميل البعيد عن السوقية وسفاسف القول، فبالرغم مما يجري في مشهدنا الفني الهش والمنهار من دعوات إلى التغريب وتشجيع الرداءة، عبر صفحات بعض الجرائد الوطنية وأمواج الإذاعات الوطنية والخاصة وقنواتنا التلفزيونية، فالفن الحقيقي كان ولا زال دائما – مهما سارعوا وتفننوا في حجبه وتهميشه -يخرج من رماده جديدا لامعا ليستمر في حياته ويلعب دوره الطلائعي، في تنوير وتثقيف الشعب وإسعاده وكتابة تاريخه وترسيخ هويته. .هل معناه أن الشعلة الفنية من الممكن أن تخبو جراء ما ذكرتم؟ إن ثقتي كبيرة في شبابنا الذي تحمل مشاق الحفاظ على الشعلة الفنية لأجدادنا من الرواد أن يحملوا المشعل نفسه بوعي بناء، وأن يعترضوا كل ما من شأنه الدفع بهم إلى الانحدار الفاضح والترهل الفكري المبطن بالضحالة الفكرية..لأن مستقبل وطننا يكمن في حماية هويتنا من اختراق الكلمات السوقية النابية.