حصدت الغضبة الملكية على المشروع الوطني لتجارة القرب أول الضحايا. إذ علمت «المساء» من مصادر متطابقة تجميد مهام مكلف بالتنمية البشرية على مستوى ولاية الرباط، في الوقت الذي انكشفت عدد من التفاصيل التي أحاطت بطريقة تدبير هذا المشروع، الذي حول أزيد من 144 «فراشا» بالعاصمة الرباط من مستفيدين إلى ضحايا مهددين بالتشرد والضياع. المتضررون من المشروع لم يترددوا أول أمس في اقتحام قاعة الاجتماعات، وتوقيف أشغال المجلس الجماعي لمدينة الرباط، مرددين شعارات تتهم مسؤولي العاصمة بالفساد والنصب عليهم، بعد أن ضاع مصدر رزقهم، وتم سحقه تحت جرافات السلطة استعدادا لتغيير معالم المنطقة واستقبال الملك. واكتفى كل من العمدة فتح الله ولعلو وممثل والي الرباط بالصمت المطبق، وهم يواجهون سيلا من الاتهامات من طرف الباعة، الذين كشفوا تفاصيل مثيرة حول كيفية تعامل السلطات معهم قبل الزيارة الملكية للمكان، قبل أن يدخل بعض المستشارين في موجة غضب، ويعلنوا أن معظمهم ظل خارج التغطية، وأخطر بضرورة الانتقال لحي النهضة ليكون في استقبال الملك دون إعلامهم بطبيعة النشاط الذي سيتم هناك. وحسب ما كشفته مصادر مطلعة، فإن طبيعة المشروع، الذي كان من المفترض إنجازه بحي النهضة، تعد أحد الأسباب الأساسية لتوقيف البرنامج الوطني لتجارة القرب وإلغاء النشاط الملكي، بعد أن اتضح، من خلال ما أكدته مصادر جمعوية، أن المشروع تضمن إحداث «هنكار» مغطى بسقف قصديري، عوض التصور الذي تم التسويق له في وقت سابق عن إحداث بناية تضم محلات تجارية. وقال مصدر جمعوي على علاقة بالملف إن الملك أنقذ الباعة من مشروع هزيل، كان عبارة عن نسخة لسوق دوار الكورة القديم، وهو ما اتضح من خلال «الماكيط» الذي كان موضوعا على أساس تقديمه للملك. وأضاف بأن السلطات كانت تعتزم سحب الباعة من الشارع ونقلهم إلى محتجز حقيقي. بشكل أثار الكثير من الاستغراب، لم يمتنع أو يعارض أي مكوأوضح المصدر ذاته أن والي الرباط حضر الأحد الماضي بمعية الباشا إلى سوق النهضة في حدود الساعة الخامسة مساء، وطلب من 144 بائعا يمارسون أنشطة مختلفة من بيع للخضر والمتلاشيات في «براريك قصديرية» إفراغ المكان في ظرف 24 ساعة. وأضاف أنه رغم إلحاح الباعة وممثليهم على منحهم مزيدا من الوقت لنقل سلعهم التي تتراوح قيمتها ما بين 50 ألفا و100 ألف درهم، فإن آخر جملة قالها الوالي كانت «24 ساعة هي 24 ساعة» قبل أن يغادر المكان. وأكد عدد من الباعة ل»المساء» أن جرافات السلطة حضرت في اليوم الموالي في حدود الساعة الثامنة صباحا، وشرعت في تدمير المكان، مما ألحق خسائر بممتلكات عدد من الباعة، منهم ضحية فقد حوالي 5 ملايين سنتيم من السلع، قبل أن تحضر بعد ذلك شاحنات من الوزن الثقيل وثلاث شركات للتدبير المفضوض في النظافة بشاحناتها وعمالها، إضافة إلى معدات ومواد تابعة للمكتب الصحي، وهو الأسطول الذي استنفر من طرف الولاية لتغيير معالم المنطقة بالكامل، بما في ذلك الكلاب والقطط التي اختفت فجأة بعد أن تم طردها من المكان. وكان عدد من الفاعلين الجمعويين قد تدخلوا لتهدئة الوضع، الذي أعقب تدمير 144 «براكة» كانت بالسوق، على أساس أن المشروع يتطلب بعض التضحية، خاصة بعد أن أخطرتهم السلطات بأنها ستخصص لهم مكانا بحي النهضة لممارسة نشاطهم إلى حين انتهاء المشروع قبل أن يتضح أن الأمر مجرد وعود تبخرت بسرعة مباشرة بعد الغضبة الملكية، وتوقف البرنامج الوطني المخصص للباعة المتجولين ليتركوا في مواجهة المجهول. ووفق المصادر ذاتها، فإن السلطات عمدت، ساعات قبل الموعد المقرر لاستقبال الملك بحي النهضة، إلى نقل المستفيدين المفترضين من المشروع، الذين تجاوز عددهم 600 بائع يوم الأربعاء الماضي، إلى مكان معزول، بعيد عن الخيمة المنصوبة لحفل التدشين حتى لا يصل صدى احتجاجهم إلى الملك، فيما وضع مئات الأشخاص، الذين تم جلبهم بواسطة «الطوبسيات» من يعقوب المنصور وتيفلت وسلا، بالقرب من الخيمة لوأد أي احتجاج للمتضررين، الذين ظلوا يتأرجحون أزيد من 18 سنة بين وعود بإنجاز هدا السوق، الذي تحول إلى ورقة انتخابية بيد عدد من الأسماء. وأكد عدد من الباعة الذين اقتحموا أول أمس مقر بلدية الربط وأوفقوا أشغال الدورة أنهم سينظمون وقفة احتجاجية بحي النهضة يوم الاثنين المقبل ل»شكر الملك» الذي أوقف، حسب قولهم، «مشروعا مهزلة» وفضح الطريقة الترقيعية التي يتعاطى بها المسؤولون مع مشاكل المغاربة. وكان الملك قد ألغى في آخر لحظة، وفي سابقة من نوعها بالعاصمة، حضور إطلاق المشروع الوطني لتجارة القرب الذي كان مقررا أن يحتضنه مقر ولاية الرباط. وظل عدد من الوزراء والبرلمانيين، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين، ينتظرون حوالي أربع ساعات، بعد اتخاذ كافة الترتيبات لاستقبال الملك، قبل أن يصل وزير الداخلية ويتوجه إلى المنصة بملامح متهجمة، ويعلن إلغاء النشاط بسب غضبة ملكية على طبيعة المشروع.