تميز الملتقى المخصص للحكامة الدولية بتأكيد الملك محمد السادس في كلمته التي تلاها المستشار محمد معتصم على أن المغرب كان في طليعة الدول القلائل التي استعدت لمواجهة الأزمة المالية العالمية وعملت، قدر استطاعتها، على معالجة القضايا المصيرية التي طرحتها. وأضاف الملك محمد السادس، أول أمس السبت، خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الثانية لمؤتمر «السياسة الدولية»، أنه على الرغم من كون المغرب اعتمد مبكرا نظام الاقتصاد الليبرالي المنفتح فإنه يحرص دوما على عدم الانسياق وراء تجاوزات الليبرالية في شكلها المتوحش، الذي لا ينبغي أن يكون مدعاة لإنكار الدور التاريخي لليبرالية في تحرير وتقدم الإنسانية. ودعا الملك في رسالة للملتقى إلى «كونية جديدة، عادلة وتشاركية وأكثر إنسانية، تعيد التوازن إلى العالم، وتتيح مصالحته مع ذاته، وذلك بإعطاء معنى لتوجهاته، وإذكاء روح الثقة فيه». وقال الملك بالمناسبة إنه «يتعين العمل على جعل هذا التحدي مسؤولية جماعية، وقضية كل الدول، ومختلف الفاعلين، كيفما كان وزنهم، وذلك للدفع قدما بمشروع متجدد وغير مسبوق»، حدده في «مشروع مجتمع كوني»، يمكن العالم من مد الجسور مع روح عصر الأنوار، كما جسده إيمانويل كانط، ومع عصر ابن خلدون، أول منظر للتاريخ العالمي للحضارات. كما دعا الملك الحاضرين إلى تعميق التفكير والنقاش لإغناء هذا النهج العالمي وتعزيزه بأبعاد إنسانية وروحية، وكذا الأخذ بعين الاعتبار التحديات المعقدة والمتداخلة التي تواجه البشرية». وحذر الرئيس المؤسس ل«مؤتمر السياسة الدولية»، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، تيري دو مونتبريال، من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية، التي تشكل في نظره بداية لمسلسل أزمات أكثر خطورة، مشيرا إلى أنه «لا يمكن لأي أحد التكهن بعدد السنوات التي تلزمنا لإعادة وضع النظام الاقتصادي على المسار الصحيح». ودعا تيري دو مونتبريال كافة الدول إلى تنسيق جهودها وخلق علاقات تعاون مثمر بينها، من أجل مواجهة الإكراهات وتحقيق الازدهار لكل شعوب العالم. مؤكدا على ضرورة توحيد الجهود حتى تتمكن العولمة من مواصلة التقدم بشكل متناغم، مسجلا أنه «إذا لم نعمل على تحسين الحكامة الدولية فإن عالم الغد سيكون مأساويا». وفي رسالة صوتية للمؤتمر، أوضح كوفي عنان، الأمين العام السابق لمنظمة الأممالمتحدة أن الأحداث التي يجتازها العالم حاليا تبرز «مدى تداخل أنظمتنا، مما يحتم على كافة الدول القيام بمبادرات مشتركة من أجل رفع التحديات التي تطرحها العولمة»، مضيفا أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية تتطلب بالضرورة تحقيق إصلاحات عميقة على جميع المستويات، معتبرا أن «المؤسسات الدولية القائمة حاليا ليست مؤهلة بالقدر الكافي لحل كل الإشكاليات». وقد حضر الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر كل من الطيب الفاسي الفهري، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، ووزير الداخلية، شكيب بنموسى، محمد اليازغي، وزير الدولة، وخالد الناصري، وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، ووزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، ووزير تحديث القطاعات العامة محمد عبو، ورئيس مجلس المستشارين محمد الشيخ بيد الله. ويناقش المشاركون في هذا المؤتمر، المنظم على مدى يومين بمبادرة من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، سبعة مواضيع تهم قضايا «الحكامة السياسية» و«القانون الدولي» و«الحكامة الاقتصادية والمالية» و«حركات الهجرة» و«الطاقة والمناخ» و»الصحة والبيئة» ثم «الماء والزراعة والتغذية».