قبل بضعة أيام، كان شخص يسير في شارع مولاي عبد العزيز بطنجة حوالي العاشرة ليلا.. لم يكن الشارع مقفرا ولم يكن مليئا أيضا.. اقترب شاب من الشخص وسأله عن مكان يعرفه الجميع. أحس المار بغرابة السؤال، ثم رأى شخصين آخرين يقتربان منه. أحس بأنه أمام عملية سطو واضحة، فتحرك بسرعة وابتعد إلى مكان شبه آمن. أحس اللصوص بالغبن وقال له أحدهم: ياكْ.. هربتي؟ حشومة عليك.. إيوا اعْقل عليها. اللصوص شعروا بالإهانة لأن الضحية هرب منهم قبل أن يفرغوا جيوبه و«يشرّطوا» له وجهه. كان عليه أن يتوجه نحوهم ويقبّلهم ويفرغ جيوبه من أجلهم، ويعطيهم خده لتشريطه حتى «يبقوا على خاطرهم». الغريب أن كل قطاع الطرق في المغرب أصبحوا يحسون هذه الأيام بقوة غير مسبوقة، ولذلك اشتعلت كثير من المدن المغربية بحوادث السرقة والإجرام، وانتفض الناس ضد عهد السيبة الجديد. قطاع الطرق يحسون بالفخر لأنهم أقوياء أكثر من ذي قبل، اللصوص الذين يخطفون الهواتف المحمولة يتركون الهواتف المسروقة «مشتعلة» لكي يتصل الضحايا ويتفاوضوا من أجل شراء الهواتف التي سرقت منهم. يقول اللص للضحية: «إيلا بغيتي تلفونك حط ليا الفلوس عند واحد فمحطة الطوبيس لابس قميجة صفرا»، وأحيانا تنجح المفاوضات وأحيانا يخسر الضحية التلفون والمال معا. هناك لصوص يتصيدون أسرا بكاملها ويضعون سيوفهم على عنق الزوجة أو الابنة ويطلبون من الأب أن يفرغ ما في جيبه، وإلا فإن النتيجة معروفة سلفا. هناك لصوص يتصيدون نساء حوامل ويضعون سيوفهم على بطن المرأة والنتيجة ستكون، في حال رفض مطالبهم، أن يلحق الأذى الزوجة والجنين معا. إنها نذالة لم يسبق أن مر بها المغرب من قبل. والمشكلة أن الذين يلتقطون صورا للصوص الذين يتم تطويفهم في الشارع أو يتعرضون للضرب لا يلتقطون صور أولئك اللصوص وهم يضعون سيوفهم على بطون الحوامل أو أعناق النساء.. الذين التقطوا صور اللصوص وهم يتعرضون «للإهانة» من طرف الأمن لم يلتقطوا صورا فظيعة للصوص وهم يوجهون إهانات فظيعة إلى مواطنين مسالمين.. لم يلتقطوا صورا لامرأة حامل ترى سيفا يدغدغ بطنها، ولا لرجل يحمل رضيعه ويهدده قاطع طريق بذبح ولده قبله.. ولم يلتقطوا صورا لشرطي يتدخل بشهامة لإنقاذ مواطن من مجرم ويتعرض للطعن ويموت. المشكلة، إذن، مشكلة صور فقط. اللصوص لا يمارسون في الشوارع المغربية مشاهد من سجن أبو غريب فقط، بل يمارسون لقطات من كل شيء، من أبو غريب ومن المعسكرات النازية ومن مذابح البوسنة والهرسك ومذابح غزة.. إنهم فصيلة جديدة من المجرمين ضد الإنسانية. صحيح أنهم ضحايا سياسات اجتماعية خرقاء، لكن هناك ملايين المغاربة يعانون الفقر والفاقة ولم يتوجهوا إلى الشوارع لقطع الطرقات، والضحايا الذين يتعرضون للنشل والضرب هم بدورهم ضحايا السياسات الحكومية. لماذا، إذن، يجب أن نعطف على قطاع الطرق وكأنهم لوحدهم الضحايا. لقد وصل سلوك اللصوص وقطاع الطرق في المغرب إلى حد من الصعب فهمه. وهناك قاطع طريق توجه يوما نحو فتاة كانت تسير وحيدة ودعاها إليه بفظاظة.. فاقتربت منه مذعورة فأخرج يده من جيبه و»شرّط» لها خدها بشفرة حلاقة ثم أعاد يده إلى جيبه وانصرف في هدوء وترك الفتاة مذهولة تمسك بخدها الذي يسيل دما. لم يسرقها ولم يعطها سببا لما فعله. كان معصّبْ وبْغا يشوف الدم.. هذا ما كانْ. والمشكلة أنه إذا تم الإمساك به وتطويفه في الشارع فإن الجمعيات الحقوقية موجودة للدفاع عن كرامته. هل يستطيع أحد أن يشرح ما يجري. لا أحد يمكنه ذلك لأن البقر تشابه علينا، ولم يعد ممكنا سوى أن نردد ما نردده دائما في الأيام العصيبة والملتبسة.. لا حول ولا قوة إلا بالله.