لا تكاد تجد في صفوف اليساريين الجذريين أو المخضرمين بين الجذرية والإصلاحية، مثل الأستاذ الساسي، مثقفين يتصفون بقدر من الموضوعية كما يتصف به الأستاذ الساسي، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بأي شأن أو نازلة يستلزم تحليلُها الاستنادَ إلى مرجعية معينة فإن أخانا «يتلف له الحساب» ويغوص في استدلالات فاسدة (بالمعنى المنطقي للفساد وليس بمفهومه الأخلاقي)؛ وهو ما وقع للرجل في مقالين تناول فيهما الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي وعلاقته بحادثة محاولة الإفطار الجماعي الذي حاول القيام به بضعة شباب بمدينة المحمدية في شهر رمضان الفارط. وفي هذا الشأن، فإن صاحب المقالين سقط في عدة مزالق نذكر منها: - التلبيس، حيث يريد إفهامنا أنه مع الشرع الإسلامي ومقتضياته بنفس القدر الذي يتبنى به المرجعية «الكونية» لحقوق الإنسان رغم تعارضهما الصريح في العديد من القضايا والنوازل، والحال أنه «ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه»! - الانتقائية في استدعاء ما يسميه المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، فقد أراد إفهامنا أن المجاهرة بالإفطار في مجتمع مسلم يقدس شهر رمضان، مثل المجتمع المغربي، يجب تفهمها واعتبارها حقا من حقوق الإنسان، في حين أن التعري في مجتمعات غربية لا تأبه لما يلبسه الناس يعد مخالفا لحقوق الإنسان! - الشكلانية في فهم دلالة حقوق الإنسان، حيث تصبح نزوات قلة مجهرية من المجتمع أولى من حقوق المجتمع ككل. - مساندة خرق القانون عوض المطالبة بتغييره، وهنا لا يلتفت الكاتب إلى أن ما أقدم عليه «وكالين رمضان مجاهرة» لا يندرج في إطار المطالبة بتغيير القوانين وإنما عمدوا إلى خرق ذلك القانون ابتداء. - التغليط، فخصوصية النازلة تكمن في كون المقدمين على الإفطار العلني لا يواجهون بفعلهم الدولة ومؤسساتها، وإنما يواجهون المجتمع، ولذلك فإن رد الفعل الحقيقي والأعنف سيكون من المجتمع وليس من الدولة. ولو أن هذه الأخيرة يسوؤها أن يُجهَر بخرق فريضة أو إتيان محرم لوقفت في وجه آلاف المغاربة المسلمين الذين يشربون الخمر في الحانات وخارجها؛ ولو أن الدولة فعلت ما فعلته في منع حركة «مالهم» فقط من أجل تطبيق القانون لعملت على تطبيقه في شأن الخمر وما يسببه من مآسٍ من باب أولى. ومن أوجه التغليط كذلك أن الكاتب لم يميز بين الحق في الإفطار، من جهة، والمجاهرة بالإفطار، من جهة ثانية. فأما الإفطار في حد ذاته فلا يمكن أن يحتج عليه عاقل مهما كان حبه لدينه إذا قام المفطر بفعله داخل بيته أو في مكان غير عمومي، والإسلام لم يطلب منا يوما أن نتجسس على الناس حتى نعلم إن كانوا صائمين أم لا، أما الإقدام على المجاهرة بالإفطار في مجتمع مسلم تربطه علاقة خاصة جدا بالصيام وشهر رمضان، فإن ذلك يسبب ضررا مباشرا ل«حق الناس» في مجتمع آمن روحيا، ويعتبر اعتداء مباشرا على مشاعر مجتمع بكامله. ولنسأل أنفسنا والسيد الساسي معنا: ما الضرر الذي كان سيلحق بأعضاء «مالهم» لو أنهم أكلوا وشربوا وشبعوا في دارهم أو في مقرات عملهم كما يفعل العديد من إخواننا اليساريين الملتزمين في مقرات الجرائد وغرف الدراسة الجامعية؟