مَنْ مِن المغاربة لا يعرف «يا المسرارة» و«يا بنت المدينة»؟ مَنْ مِن عاشقي الفن الأصيل لم يستمتع بألحان وكلمات أغنية «كان قلبي هاني»؟ هي بعض من الروائع التي خلفها صاحبها بعد رحيله وأغنى بها خزانة الأغنية المغربية، إنه المعطي بنقاسم الذي شدا ذات زمن بعيد: «علاش يا غزالي، مشيتي فحالك كيفاش النوم يحلا لي، علاش يا اللايم خليتني هايم في جروحي، حبك يا الظالم قاهر وحاكم، ساكن فضلوعي، كويتني وعاديتيني قلْ لي علاش، مشيتي وخليتيني قلْ لي علاش، قولي علاش النوم ما حلاش...». إنه فقيد الساحة الفنية المغربية الذي غنى وأوصل عشقه إلى المتلقي الذي ظل يتغنى بقطعه دون أن يصيبه الملل من تردادها، ولم يرحل إلا وقد ترك تراثا غنائيا زاخرا يشهد على مروره عبر التاريخ الفني، إنه بنقاسم الذي يتذكر له محبوه أغنية «الكاويني»، تلك الأغنية ذات الأسرار الفنية الخاصة، أسرار يقول عنها عبد النبي الحافظي، ابن الفنان المعطي بنقاسم، في تصريح ل«المساء»: «كل الأغاني التي أداها والدي كان يؤديها بحب شديد؛ أغنية «يا بنت المدينة»، مثلا، تغنى بها والدي عن المرأة ابنة المدينة بالتزامن مع زواجه من والدتي، كما كان لأغنية «المسرارة» وقع خاص في حياته الفنية، إلا أن أغنية «الكاويني» لها دلالة سياسية وقصة تميزها، إذ إن والدي خاطب بها سيدنا مولاي محمد الخامس بعد نفيه من المغرب، إذ بعدما أحس المغاربة بأن ملكهم غيّب، كان على الفنانين أن يعبروا عن رفضهم للوضعية من خلال التعبير عن حسرتهم على افتقاد الملك؛ ولو تأملت كلمات هذه الأغنية جيدا، لاتضح لك أنها تتكلم عن حرقة البعد وتعبر عن الاستعداد للتضحية، إذ قال الطيب لعلج في كلمات هذه الأغنية: «يا الكاويني، يا الجافيني، حرام عليك تخليني في محاني راه عيونك، راه خدودك، معذباني ومجرحاني روحي وحياتي بين ايديك، تحلف ليك حتى تموت عليك رحمني بنظرة من عينيك، حن علي، نبوس إيديك».. هي كلمات تعبر عن التعلق بمحمد الخامس والموت في سبيل عودته إلى العرش. وقد تم اللجوء إلى التمليح لتضليل الخونة والمتعاملين مع المستعمر الفرنسي، إذ لم يكن ممكنا أن يصرح بهذه القضايا، ولاسيما أنه عاش فترة الاستعمار وعرف وحشيته في التعامل مع الوطنيين». ويواصل الحافظي النبش في ذكريات المطرب المغربي الراحل المعطي بنقاسم، قائلا: «ما وجبت الإشارة إليه في مسار والدي أنه دخل المجال الفني وعمره لم يتجاوز السابعة عشرة، وأنه تعامل مع الفنان الراحل عبد القادر الراشدي في أولى تجاربه، من قبيل أغنية «يا غزالي، يا بعيدا عن عيني»، كما عرف باشتغاله الطويل مع الملحن الراحل عبد الرحيم السقاط ومحمد بنعبد السلام. ومن الأشياء المميزة في مساره الفني أنه كان ضمن اللجنة التي عهد إليها، في فترة ما بعد الاستقلال، بالتنقيب عن الأصوات، وقد كان أصغر عضو في هذه اللجنة الإذاعية. ومحاولة مني لحفظ ذاكرته الفنية، سجلت 8 من أغانيه بصوتي، وهي الآن في الأسواق، من بينها: «يا بنت المدينة» و«المسرارة» و«الكاويني» و«علاش يا غزالي».. أعتقد أن شهرة المعطي بنقاسم وصل مداها إلى الدول العربية، إذ في السهرات التي يحييها الفنانون المغاربة في تونس والجزائر وأوربا يطلب الجمهور دائما أن تغنى لهم أغاني والدي، لهذا اقتصر فؤاد الزبادي، أثناء مشاركته في مهرجان تونس، مؤخرا، على أداء أغاني المعطي بنقاسم، كما سجل الفنان الكبير لطفي بوشناق أغنية «يا بنت المدينة «بصوته». وحول بدايته الفنية، أضاف ابنه الحافظي: «انطلق مسار والدي الفني من خلال التمرس بالأغنية الأندلسية والملحون اللذين كانا مدرسة لتعلم الإيقاع في تلك الفترة، هذا بالإضافة إلى تعلمه أصول تجويد القرآن. والتحق والدي رفقة محمد بنعبد السلام في جوق «الاتحاد السلاوي» في الأربعينيات من القرن الماضي، وبدأ يحيي السهرات الفنية على أثير «راديو ماروك»، عازفا على الكونطروباس». ودشن الفنان، الذي رحل سنة 2001، مسارا آخر بانتمائه إلى جوق «بوزوبع» وجوق «محمد العروسي» وجوق «إذاعة فاس الجهوية»، إلى أن تقاعد.