وحدها الحوادث ذات الدلالة الاستثنائية هي التي تلهب حماس المحلل السياسي حتى لو لم تحتل واجهة المشهد الإعلامي، وعندما تتجسس (إسرائيل) على أمريكا فمن الضروري أن نتوقف ونحاول فهم دلالات الموقف الذي يفترض ألا يحدث في ضوء المقولات السائدة في الخطاب السياسي العربي عن العلاقة بين أمريكا (وإسرائيل) والتي تتراوح بين الترويج الأعمى لمقولة أن (إسرائيل) تحكم أمريكا، والترديد الببغائي لخرافة أن العلاقة بينهما هي «العروة الأوثق» التي لا ثغرات فيها ولا مسافات ولا خلافات حيث «إسرائيل هي أمريكا» و«أمريكا هي إسرائيل»! كان هناك دمار ورعب في مانهاتن، ولكن عبر نهر هدسون في نيوجيرسي كان حفنة من الرجال يرقصون، وبينما كان مركز التجارة العالمي يحترق ويتحول إلى دمار احتفل الرجال الخمسة وصوروا أسوأ وحشية على الإطلاق تم ارتكابها على أرض أمريكية بينما كانت تحدث أمام أعينهم. من تعتقدون كان هؤلاء الرجال؟ فلسطينيون.... سعوديون....عراقيون حتى...أم بالتأكيد الحتمي الذي تبين لنا بأنهم رجال أسامة بن لادن ورجال القاعدة؟ لكن جميع هذه الاحتمالات خاطئة، لقد كانوا إسرائيليين وعلى الأقل اثنان منهم كانا عميلي استخبارات إسرائيليين يعملان لصالح الموساد، أي ما يعادل جهاز الاستخبارات العسكرية البريطانية MI6 أو وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA. هكذا روت السيدة الأمريكية التي عرفت باسم «ماريا» ربة المنزل المقيمة بجوار برج التجارة العالمي بنيويورك. ليس مفاجئاً أن ترغب ربة المنزل من نيوجيرسي التي كانت أول من شاهد الإسرائيليين الخمسة في الحفاظ على سرية شخصيتها فقد أصرت على أن تتم الإشارة إليها باسم «ماريا» فقط، اتصلت بها إحدى جاراتها في المبنى مباشرة بعد الضربة الأولى على أبراج مركز التجارة، فتناولت ماريا زوجاً من المناظير المقربة وبدأت تتفرج على مسلسل رعب ذلك اليوم مثل الملايين في كافة أنحاء العالم. وبينما كانت تحدق في الأبراج الملتهبة لاحظت مجموعة من الرجال جالسين على ركبهم على ظهر شاحنة (فان) بيضاء في موقف السيارات الخاص بها، وتتذكر ماريا ذلك الموقف قائلة «كان يبدو وكأنهم يصورون فيلماً.. كانوا سعداء لم تكن تبدو عليهم الصدمة، اعتقدت أن الأمر كان غريباً». سجلت ماريا رقم لوحة السيارة واتصلت بالشرطة وتم إخطار مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI وتم إصدار تعميم فوراً لجميع نقاط الولاية لتوقيف السيارة مع ركابها، وتفحص رجال الشرطة رقم السيارة فوجدوا أنها كانت لشركة اسمها «إيربان موفينج». وعلق رئيس الشرطة «جون شميديج» على ذلك بالقول «تلقينا تبليغاً لنبحث عن شيفروليه بيضاء من نوع (فان) تحمل لوحة صادرة في نيوجيرسي وكتابات على جوانبها، فقد شوهد ثلاثة أشخاص يحتفلون في حديقة «ليبرال ستيت» بعد الضربة، قالوا إن ثلاثة أشخاص كانوا يقفزون فرحاً». وبحلول الساعة الرابعة من بعد ظهر 11 شتنبر، تمت مشاهدة سيارة الفان قرب ملعب نيوجيرسي جيانتس، أوقفتها دورية للشرطة وكان بداخلها خمسة رجال في العشرينات من عمرهم، تم إخراجهم من السيارة والمسدسات مصوبة إلى رؤوسهم ووضعت القيود في أيديهم.