لم يجد المهاجرون السريون المغاربة بإيطاليا إلا قنصلية المملكة بميلانو للحصول منها على جواز السفر، بعد أن أغلقت القنصليات المغربية الأخرى بإيطاليا الباب في وجوههم رافضة منحهم «الباسبور الأخضر» ووثائق أخرى تدل على انتمائهم إلى المملكة المغربية. لهفة «إلكلانديستيني» المغاربة للحصول على جواز السفر مردها إلى التسوية الجديدة لأوضاع المهاجرين السريين التي تنوي وزارتا الداخلية والعمل الإيطاليتان البدء بقبول طلباتها في الأول من شهر سبتمبر المقبل. فإذا كان بعض المهاجرين المغاربة غير الشرعيين الذين يتوفرون على عمل وعلى أموال قد تمكنوا من الحصول على جواز السفر بطرق ملتوية، فإن آخرين رفضوا أية مساومة للحصول عليه ليعتبروه حقا من حقوقهم كمغاربة وليهاجروا من أجله من جنوب ووسط إيطاليا نحو مدينتي ميلانو بعد أن قيل لهم إن قنصلية المملكة هناك هي الوحيدة بإيطاليا التي تتفهم أوضاع المهاجرين السريين ويمكنها أن تسلمهم هذه الوثيقة. فعلى مدى أسبوع كامل، ظلت قنصلية ميلانو تعرف تجمهرا غير عاديّ أمام أبوابها، تجمهرٌ صنعه أبناء المغرب غير الشرعيين بأوربا، فهناك من قدم من روما وبولونيا ونابولي، فيما قدم آخرون من مدن صغيرة نائية بالجنوب الإيطالي، وهناك أيضا نسبة قليلة جاءت حتى من خارج إيطاليا، من إسبانيا وفرنسا ودول أخرى أوربية. بين الواقفين في انتظار الدور للدخول إلى القنصلية، كان يحوم مغاربة استغلوا الوضع لتحقيق أرباح مالية مهمة، كانوا يقتربون منك ليهمسوا في أذنيك قائلين: «هل تريد الدخول بسرعة إلى القنصلية؟ وهل تريد الحصول بشكل أسرع على جواز السفر منها؟»، في حين كانت خدمات آخرين تخرج عن إطار استخراج جواز السفر ليهتموا بإيجاد مشغل للمهاجر السري إن كان لا يتوفر عليه حتى يتمكن من دفع طلبه للحصول على رخصة الإقامة. وقد وصل مبلغ الحصول على عقد عمل ببيوت الإيطاليين إلى أكثر من 6 آلاف يورو، وهو مبلغ كان «البزنازة المغاربة» يحصلون منه على النصف في حالة إتمام الصفقة بين المهاجر السري والمشغل الجديد. غالبية إلكلانديستيني كانوا في حيرة وخوف وترقب، فهم من جهة يريدون الحصول على رخصة الإقامة حتى لا تضيع عليهم هذه الفرصة، ومن جهة أخرى يخشون أن يسقطوا في أيادي النصابين، لهذا فقد كانوا يكررون السؤال التالي: «واش مضمون هاذ شي؟» وعلامات الحيلة و«الحكرة» مرسومة على وجوههم، «كيفاش أخويا ماي حكروناش... فسلطات بلدنا بإيطاليا ترفض أن تعترف بنا فما بالك بالسلطات الإيطالية التي تحتقر الأجانب الشرعيين... أما نحن فلسنا بآدميين في نظرهم»، يشكو أحد المهاجرين السريين المغاربة حاله في وقت تمارس فيه حكومة سيلفيو برلسكوني اليمينية مزيدا من التضييق على «إلكلانديستيني». فقبل أيام، تجاهلت وزارة الداخلية الإيطالية، التي يتحكم فيها حزب عصبة الشمال، صرخات واستغاثات مهاجرين سريين من القرن الإفريقي ظلوا أكثر من 20 يوما بالمياه الدولية بين إيطاليا ومالطا، ليفارق الحياة منهم، جوعا وعطشا وغرقا، أكثر من 73 شخصا، قبل أن تتحرك البحرية الإيطالية، تحت ضغط الرأي العام الإيطالي والأوربي، لإنقاذ خمسة من الباقين منهم كشفوا عن المستور ليؤكدوا أن إيطاليا، والغرب بصفة عامة، أصبحت أكثر عنصرية وانعداما لروح الإنسانية. تبادل التهم بين مالطا وإيطاليا حول الموضوع جعل منظمات حقوقية أوربية ومعها اليسار الإيطالي والفاتيكان تشبه السلطات الإيطالية اليمينية ب«النظامين الفاشي والنازي». كل هذا الجدل لم يمنع نجل أمبيرتو بوسي، زعيم حزب عصبة الشمال اليميني المتطرف، وقادة من الحزب نفسه من تأسيس موقع إلكتروني استفزازي يتضمن ألعابا تحتقر الأجانب وتعادي المهاجرين السريين، يختبر فيها ذكاء أتباع الحزب اليميني. ` أحد هذه الألعاب الإلكترونية تلزم المشارك فيها بمنع أكبر عدد ممكن من القوارب المحملة بالمهاجرين السريين من الاقتراب من السواحل الإيطالية بالنقر فوقها لإغراقها.