في واحتها الصيفية تعود «المساء» إلى أرشيف الأغنية المغربية لتنبش في ذكرياتها، وتكشف بعضا من المستور في لحظة إنتاج هذه الأغاني، من خلال شهادات شعراء وملحنين ومطربين ومهتمين كانوا شاهدين على مرحلة الولادة، شهادات تحمل لحظات النشوى والإمتاع في الزمن الجميل للأغنية، وأخرى تحرك جراح البعض الذين يصرون على البوح للقارئ رغم جرأة البوح وألمه في بعض الأحيان. يكاد لا يخلو فرح مغربي من الأغنية الشهيرة «ألف هنية وهنية يا لالة» التي تؤدى احتفالا بعقد القران، ويتغنى بها على إيقاعات عدة، إلا أن قليلا ممن يغنيها أو يستمع إليها يعلمون أن للأغنية ذكريات خاصة تعود إلى أواسط الثمانينيات التي غنى فيها القطعة -أول مرة- كل من الفنان محمد الغاوي وفاطمة مقدادي في القصر الملكي بمراكش في احتفال ملكي خاص. عن هذه الأغنية، يقول الفنان محمد الغاوي في تصريح ل«المساء»:» هي أغنية كتبها الزجال فتح الله المغاري ولحنها الحاج العربي الكواكبي وغنيتها رفقة المطربة فاطمة مقدادي وعزفها الجوق الملكي برئاسة عبد السلام خشان، هي أغنية مفعمة بالصور تقول كلماتها: «بسم الله ندكو لخيام، نسرجو خيول الكادا نقيمو النزايه سبع ايام هاكدا جرات العادة يا حليمة جيبي الكوال وخرجي لوسط الكارة هاد الليل لازم يطوال يفرح فيه جار وجارة وأنت يا عويشة غني، ردو وجاوبو يا البنات هاعريسنا اليوم محني وعروستو علينا ضوات ألف هنية وهنية لالة في العمارية والتمر في الطباق هديا والحناني صحراوية آسيادي مصابح ضوات،ها لالة أسماء برزات صايلة بالهمة والنخوة العلوية....» ويضيف الغاوي في نبشه لذكريات هذه الأغنية، بالقول:«أثناء التداريب على الأغنية، كان الملك الحسن الثاني يسير فرقة الجوق الملكي، وحينما كنت أنظر إلى الملك، كنت أرتجف، وكم أدهشتني قدرته على ضبط الكلمات والإيقاع، فالملك الحسن الثاني رحمه الله كان ملما بالموسيقى، وهنا تحضرني حادثة كانت قد وقعت لي سنة 1985 حينما قرر أن أغني أمامه قصيدة مطولة بعنوان» محمد الإمام»، أتذكر أنه قبل الاتجاه إلى القصر، قال لي الملحن عبد الله عصامي:» عنداك ورد بالك راه الملك فنان كبير، وعنداك تشوف فيه، راه إلى بقيتي تشوف فيه غادي طيح الميزان»، وحينما وقفت أمامه بدأت أرتجف من شدة الخوف، وكنت أتجنب النظر إليه، مخافة أن يقع أي طارئ، وحينما انتهيت، اقتربت منه، وطلبت منه أن يدعو لي، فرد رحمه الله:«سير يا ولدي مايكون غير الخير، وهذا ما تحقق، إذ أحسست أن أبواب النجاح قد فتحت لي». ويضيف الغاوي عن ذكريات «ألف هنية وهنية»، بالقول:«من طرائف هذه الأغنية أن الحسن الثاني كان يتوجه إلى أحد العازفين ليقول له «ساوي آلاتك راه مامساوياش، وحينما يبحث يجد أن آلته فعلا غير مضبوطة وهذا يدل على خبرة الحسن وضبطه للإيقاعات بشكل قوي». واعتبر محمد الغاوي أن أغنية»ألف هنية وهنية» تعد من الأغاني القليلة التي أمكن أن يطلع عليها الجمهور، إذ أن غالبية الأغاني التي كانت تؤدى في القصر، لا يطلع عليها أي أحد، و»أتذكر أن في زفاف إحدى الأميرات الذي أقيم بمدينة فاس، أشرف الممثل حسن الجندي على ملحمة جمعت الأغنية بالتمثيل والشعر، وشارك فيها العديد من الفنانين والعازفين المغاربة، وكانت مناسبة للبعض لأخذ صور مع الملك الراحل الذي أعجب بهذه الملحمة». وفي ارتباط بالملاحم التي كانت ترتبط بالمناسبات الوطنية، أضاف محمد الغاوي: «بعدما أدينا ملحمة العهد أمام الجمهور المغربي، خصص لنا الملك الحسن الثاني طائرة خاصة جمعت العديد من المطربين والممثلين(عبد الهادي بلخياط، محمود الإدريسي،أمل عبد القادر، حياة الإدريسي،رجاء بلمليح، نعيمة سميح، المعطي بنقاسم، اسماعيل أحمد والغاوي وأعضاء فرقة المسرح الوطني..، وشاركنا بأمر من الملك في افتتاح دار أوبرا، ولاقى هذا العرض المسرحي والغنائي تجاوبا كبيرا من لدن جمهور دار الأوبرا التي شهدت حضور وزير الثقافة المصري وممثلي الهيئات الديبلوماسية الأجنبية في مصر، وخلال هذا العرض أديت أغنية «مغربي من الصحراء» التي كتب كلماتها حسن الجندي ولحنها محمد بلخياط، وأعتقد أن الأعياد الوطنية كانت مناسبة للإنتاج والتنافس الشريف على إنتاج الأغاني المغربية، ومن الأشياء التي ترتبط بهذه الأغاني الوطنية أن أغلبها كان ينتج في زمن قياسي في بعض الأحيان لا يتجاوز اليوم أو اليومين، لكن في مقابل ذلك، كانت هذه الأغاني تتدفق عاطفة وطنية». بسم الله ندكو لخيام، نسرجو خيول الكادا نقيمو النزايه سبع ايام هاكدا جرات العادة يا حليمة جيبي الكوال وخرجي لوسط الكارة هاد الليل لازم يطوال يفرح فيه جار وجارة وأنت يا عويشة غني، ردو وجاوبو يا البنات هاعريسنا اليوم محني وعروستو علينا ضوات ألف هنية وهنية لالة في العمارية والتمر في الطباق هديا والحناني صحراوية آسيادي مصابح ضوات،ها لالة أسماء برزات صايلة بالهمة والنخوة العلوية....»