«مساحة بيضاء».. ذلك هو الوصف الذي كان امحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، قد اختاره للحديث خلال لقاء إعلامي عن المرحلة التي فصلت بين مطالبة حزبه بعرض حكومي يلائم حجم الحزب بعيد انتخابات 7 شتنبر 2007 وبين كشف عباس الفاسي عن لائحته الحكومية التي وضعت حزب العنصر «فجأة» في صف المعارضة. سنتان بعد ذلك، «سيفاجأ» الرأي العام الوطني بالإعلان عن دخول العنصر إلى حكومة عباس الفاسي، شهران بعد خروج حزب الأصالة والمعاصرة لمؤسسه فؤاد عالي الهمة إلى المعارضة على الرغم من أن عرض 2007 كان الأهم والأفضل. كل شيء تطور يوم 30 ماي 2009 عندما «فاجأ» الهمة بدوره المغاربة بإعلانه الخروج إلى المعارضة ليجد الوزير الأول عباس الفاسي حكومته بدون أغلبية. وبالرغم من رسالة التطمين التي وصلته من ملك البلاد محمد السادس بداية يونيو 2009، وهي الرسالة التي جعلت الفاسي يعبر في تصريح للقناة التلفزية الأولى «عن عميق اعتزازه بالثقة الملكية التي وضعها فيه الملك محمد السادس مجددا، لمواصلة ومضاعفة الجهود للنهوض بالإصلاحات والأوراش الكبرى، والانكباب على حسن خدمة المصالح العليا للوطن والمواطنين»، فإن مطلب البحث عن ملء الثغرة التي تركها الهمة ورفاقه كان ضروريا. وقد توجهت الأنظار كلها صوب الحركة الشعبية، خاصة بعد التصريحات الإعلامية التي تحدثت عن وجود اتصالات بين الفاسي والعنصر للدخول إلى الحكومة، تم الكشف خلالها عن احتمال حدوث ما وصف بأنه «تعديل جزئي» على حكومة الفاسي تتمثل في دخول الحركة الشعبية وضمان أغلبية أسابيع قليلة قبل الدخول السياسي والنيابي الجديد. وما كان مجرد استنتاجات وتسريبات إعلامية، تحقق يوم الأربعاء 29 يوليوز 2009 عندما استقبل الملك محمد السادس كلا من العنصر الذي أسندت إليه حقيبة «وزير دولة» وبنسالم حميش وزير الثقافة الجديد، ومنصف بلخياط الذي خلف نوال المتوكل على رأس وزارة الشبيبة والرياضة، فيما تم اختيار محمد أوزين لشغل منصب كاتب الدولة في الخارجية خلفا لأحمد الخريف الذي أقيل من منصبه على خلفية الضجة التي أحدثها توفره على جنسية إسبانية. ويشرح الدكتور سعيد خمري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض كلية آسفي أن دخول الحركة الشعبية إلى الحكومة يعيد إلى واجهة النقاش قضية الأحزاب السياسية ومدى توفرها والتزامها ببرنامج محدد تؤسس بناء عليه مواقفها وسياساتها. وأضاف خمري في اتصال مع «المساء» أن الحركة الشعبية وبعد أن وجدت نفسها في المعارضة صوتت ضد العديد من القوانين والمشاريع الحكومية كان آخرها قانون المالية للسنة الجارية. «هذه المواقف، يوضح خمري، تؤكد أن حزب العنصر لا يمكنه المشاركة في هذه الحكومة التي ينتقدها ويرفض برامجها إلى حين تغييرها». ومن الأمثلة على ذلك الانتقادات التي وجهها العنصر إلى التصريح الحكومي الذي أدلى به عباس الفاسي يوم 24 أكتوبر الماضي حيث علق عليه قائلا، خلال لقاء المنتدى الأسبوعي «90 دقيقة من أجل الإقناع» الذي تنظمه مجموعة «ماروك سوار» مع ناشطين سياسيين واقتصاديين وجمعويين «الأمر يتعلق بمجرد أمنيات، أتمنى أن تتحقق على أرض الواقع». وأضاف خلال اللقاء نفسه أن التصريح الحكومي «جاء فقط بحصيلة ما أنجزته الحكومة السابقة، وكنت أتمنى أن يأتي ببعض الإجراءات العملية، ويحدد آجالا لتطبيقها». الأمر نفسه ينطبق على حزب الأصالة والمعاصرة الذي تأسس بشكل رسمي يوم 7 غشت 2008، في وقت كان فيه الهمة قد نجح في تكوين فريق نيابي من 36 نائبا في البرلمان، وهو الفريق الذي دعم بقوة حكومة الفاسي في وجه الانتقادات التي كانت تتلقاها من طرف المعارضة، ومن طرف فريق الاتحاد الاشتراكي الذي كان يمارس ما يسميه «المساندة النقدية». وقد صوت هذا الفريق ودعم المشاريع الحكومية كلها، غير أن ذلك لم يمنعه من الإعلان عن الخروج من الحكومة عقب النزاع الذي نشب بينه وبين وزارة الداخلية بخصوص المادة 5 من قانون الأحزاب، التي تمنع ترشح أعضاء نيابيين ضمن لوائح أحزاب أخرى غير تلك التي نجحوا في كسب ثقة المواطن تحت لوائها، والتي اعتبرها الهمة ورفاقه موجهة ضد حزبهم. ويعلق سعيد خمري على هذه «الليونة» في الدخول والخروج من الحكومة بأنها دليل على غياب استراتيجية عمل واضحة لدى الأحزاب «على الرغم من أنه من الناحية القانونية ليس هناك أدنى مشكل في إجراء التعديلات الحكومية بحسب ما تمليه الظروف». ويضيف خمري في حديثه ل «المساء» أنه «من المفترض أن تنبني تنافسية الهيئات الحزبية على برامج متنوعة تهدف إلى خدمة مصالح البلاد والعباد، وليس على برنامج واحد». ويوضح ذلك قائلا «المنطق يفترض أن يشعر الباحث السياسي وهو يتتبع حركية المشهد السياسي بأن هناك انسجاما في عمل الأحزاب وتناغما في قراراتها وبرنامجها السياسي، بمعنى إذا تحول أحد الأحزاب إلى المعارضة فالجميع يعرف الأسباب، والعكس صحيح في حالة ما إذا دخل إلى الحكومة. لكن أن يغيب هذا المنطق، فالأكيد أن لذلك تداعيات سياسية ليست هينة». ويشرح خمري أن في مقدمة تلك التداعيات التأثير سلبا على الصورة التي لدى المواطن عن الأحزاب الوطنية التي تبدو له في صورة جديدة لا تعكس بالضرورة طموحاته وآماله. لكن بالنسبة إلى الحركة الشعبية على الأقل فالتداعيات تجاوزت صورة الحزب لدى المواطن، حيث أثير جدل كبير داخل الحزب وقد صرح عبد الواحد درويش، عن تيار المشروعية الديمقراطية داخل الحركة، ل «المساء» بأن المشاركة في الحكومة «مخجلة» وبأنها أقرب إلى «الإهانة». وقال «في الوقت الذي تم فيه رفض عرض يليق بوزن وتاريخ الحركة سنة 2007 نفاجأ الآن بعد سنتين من المسير في صحراء قاحلة بقبول عرض وزير دولة بدون حقيبة وكاتب دولة»، معبرا عن «تخوفه» من أن تتطور الأحداث وتجعل مصير العنصر «شبيها بمصير محمد اليازغي حينما قبل بمنصب وزير دولة بدون حقيبة، وما استتبع ذلك من أحداث في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، علما أن الدعوات لعقد مؤتمر وطني استثنائي بدأت تتنامى داخل الحركيين في الوقت الذي حاول فيه العنصر طمأنة قياديي حزبه من خلال التأكيد على أن الأمر يتعلق بتعديل جزئي سيليه تعديل مهم يراعي حجم الحزب.