عادة ما يرتاح المغاربة وهم يقرنون الازدحام والتدافع بما يحدث في الحمام الشعبي، وبأكادير تحول الشاطئ المنبسط أفقيا على أقدام مياه المحيط إلى ما يشبه الحمام التقليدي، فلا فرق في العدد بين من يطأ بأقدامه الرمال في الساعات الأولى من بزوغ شمس الصباح وبين من يلج البحر قبل وبعد الظهيرة. إذا كان الناس يتوحدون في الذهاب إلى الحمام بغاية الاغتسال رغم الازدحام الذي يعرفه، فإن المغاربة يزحفون على بطونهم فوق رمال شاطئ أكادير عاملين بشعار «لكل غايته، المهم أننا في البحر وفي أكادير بالخصوص»، فكل من تقابله هنا، سواء في السادسة صباحا أو في الثانية ظهرا، له مقصد من نزوله البحر.. مقصد ليس دائما هو السباحة وأخذ حمام شمس أو الاسترخاء. هناك من تراهم يلهثون وراء سراب الجري والتمارين الرياضية حاملين معهم على أجسادهم سنوات من السمنة وبقايا «المرقة والغنمي والبغرير والكرعين»، تراهم يصارعون أجسادهم التي خانتها الرشاقة، يعتقدون أن سبعة أيام من رياضة الصيف كافية لتدخل بطونهم المنتفخة وترجعهم إلى أيام المجد وسنوات الصبا. بأكادير وبشاطئه على الخصوص، يستمر الصراع الطبقي ويأخذ هو الآخر قسطه من الصيف، فترى نساء ثريات يصطحبن معهن كلابهن أو سائقيهن الخصوصيين الذين تجدهم يلهثون هم الآخرين من بعيد وراء سيداتهم اللاتي يضعن أجهزة «إم بي 4» على آذانهن، فيما تراهن يبتعدن كلما اقتربت سيدة بسيطة منهن واضعة الحجاب على رأسها، فحتى محاربة السمنة وممارسة الرياضة تخضع هي الأخرى لقانون تساوي الطبقات الاجتماعية بالرغم من أنهن يحاربن سمنة واحدة. «في السابق، كنا نشتري اللحم والخضر والسمك والفواكه بالصناديق، أما اليوم فنشتريها بالكيلوغرام أو نصف الكيلوغرام»، هكذا علق صاحب مطعم مشهور بأكادير على ركود الحركة التجارية المرتبطة بالسياحة، قبل أن يضيف أن أغلب أرباب المطاعم المصنفة سرحوا نصف مستخدميهم، وأن من تبقوا أصبحوا مرغمين على تسول زبائن المقاهي بعد أن كانت الفواتير ترتفع إلى ما فوق ال500 درهم للطاولة، أضحت اليوم بضعة دراهم مقابل فنجاة قهوة أو عصير هي السائدة بكل حسرة وأسى. غريب أن تلفت انتباهك، وأنت تتجول راجلا بالشوارع السياحية بأكادير وأمام أبواب أكبر الفنادق، أعداد كبيرة من سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة مركونة على اليمين فيما أبوابها الأمامية مفتوحة تنفلت من وسطها أرجل وأيدي السائقين وهي مسترخية لساعات في لعبة لم يعتادوها مع الملل والقنوط، أما مستخدمو البازارات فتحولوا إلى لوحات تشكيلية جامدة بأجساد أعياها القعود فوق كراسي «الدوم» التقليدية. السائح الأجنبي لأكادير لم يعد يحمل معه سوى جواز سفره، أما الأكل وما جاوره من متع فيجدها بالمجان بالفنادق التي يسدد مصاريف إقامته بها في بلده، وحدها مدينة فاتنة خرجت من رماد الزلزال قبل قرابة 50 سنة تقاوم التنفس بعيدا عن جيوب حكومة عباس الفاسي التي تخصصت، في آخر أيام عمرها، في دعم «الموناضا».