لم يجد العالم الأنثروبولوجي الإيطالي الشهير أمبيرتو إيكو للتعليق على العنصرية المتزايدة في إيطاليا ضد الأجانب، وحتى بين الإيطاليين أنفسهم، إلا اختراع كلمة «أور فاشيسم» ( الفاشية الخالدة ) ليؤكد أن الفكر الفاشي العنصري في إيطاليا وفي الغرب بصفة عامة لن ينتهي وسيعود إلى مجتمعاته بأشكال ومظاهر مختلفة، خصوصا أثناء حدوث أزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية. بمدينة صغيرة تدعى غرينسانو (70 كلم شمال غرب ميلانو)، قررت الإدارة البلدية هناك وقبل أيام الدخول في حرب معلنة ضد الأجانب، بعد أن طالب عمدتها ورئيس شرطتها المحلية، المنتميين إلى حزب عصبة الشمال اليميني المتطرف، السكان بعدم منح منازلهم لكل شخص له لون أو جنسية أو لغة أو ثقافة مختلفة عن الثقافة الإيطالية، معتبرين ذلك استراتيجية ناجعة لوقف ما أسمياه ب«زحف الأجانب على مدينتهم الصغيرة وعلى مدن شمال إيطاليا». المسؤولان رغم أنهما كانا يعلمان بأن مواقفهما وتصريحاتهما ستدخلهما في مساءلة قانونية، فإنهما استمرا في التعبير عنها وتكرارها دون خوف أو خجل إلى حد قيامهما بنشر إعلانات عنها علقت بمقر الإدارة البلدية وبجميع أنحاء المدينة قالا فيها: «من يحب مدينة غرينسانو فهو مطالب بعدم تأجير أو بيع منزله للأجانب الذين لا ينتمون إلى الاتحاد الأوربي، وإلا سنجد مدينتنا مستعمرة من قبل أولئك المهاجرين القادمين من دول العالم الثالث وسنجد أنفسنا نعيش في خوف كبير وغير قادرين حتى على الخروج من منازلنا للقيام بنزهة بسيطة». موقف المسؤولين لقي ترحيبا من لدن إدارة البلدية التي ينتمي كل مستشاريها وأعضائها إلى حزب عصبة الشمال قبل أن تصفق له ساكنة المدينة التي اعتبرته موقفا وطنيا ودفاعا عن الثقافة والهوية الإيطالية وقبل أن يطالب حزب عصبة الشمال المشارك في حكومة برلسكوني من بلديات المدن الإيطالية التي يسيطر عليها بالاقتداء بمبادرة المسؤولين عن مدينة غراتسيانو والتصدي للأجانب، خصوصا منهم القادمين من دول الجنوب والمسلمين. فقد أحدثت حكومة برلسكوني، تصديا منها للعنصرية، وزارة أطلقت عليها اسم «تكافؤ الفرص» ومكاتب وأرقاما خضراء لتقديم شكاوى أو رفع دعاوى قضائية ضد أي ممارسة غير حضارية تميز بين بني البشر، لكنها في الوقت نفسه صنعت وصادقت في السابق على قانون بوسي فيني الذي يستعبد المهاجرين ويحولهم من شرعيين إلى سريين قبل طردهم إلى بلدانهم الأصلية، وصادقت على قانون أمني جديد سيزيد، بعد تطبيقه في الأشهر المقبلة، من تضييق الخناق عليهم وسيمكن المدنيين العنصريين، بالتالي، من تأسيس جماعات أطلق عليها اسم «روندي» من أجل القيام بدوريات بالمدن الإيطالية للتبليغ عن المجرمين الذين لن يكونوا إلا المهاجرين السريين. فقد وصل تسامح حكومة برلسكوني مع العنصرية إلى حد قيام رجال أمن سابقين بتأسيس جماعة، بفكر وزي عسكري فاشي، هدفها التصدي للمهاجرين بإيطاليا ومساعدة رجال الأمن في محاربة الهجرة السرية، التسامح نفسه جعل قياديا بحزب عصبة الشمال يطالب بتخصيص مقطورات بمترو الأنفاق للإيطاليين فقط، ويعتبر إيطاليي الشمال أرقى وأعلى مستوى من أبناء جنوب شبه الجزيرة الإيطالية الذين وصفهم ب«القذرين والجهلة». أومبيرتو إيكو، الذي يشعر بالحزن على واقع إيطاليا الجديد، لم يتوقف عند حد كلمة «أور فاشيسم» للتعبير عن عودة العنصرية والفكر الفاشي إلى المجتمع الإيطالي، والغربي ككل، بل ذهب أبعد من ذلك حين قال إن من جلبوا الفكر الفاشي إلى إيطاليا هم الإيطاليون أنفسهم الذين ناضلوا من أجل الحرية للقضاء على بينيتو موسوليني قبل أن ينتخبوا اسم سيلفيو برلسكوني معلنين، حسب تعبيره، عن ولادة فاشية جديدة ومعاصرة أقوى من سابقتها.