حتى المحجبات ينلن نصيبهن الوافر من موجة الموضة الجارفة الشبيهة بالإعصار. والغريب أن كثيرا من المحجبات يرتدين ملابس يمكن اعتبارها مخلة بالحياء بشكل من الأشكال، وهن يفعلن ذلك لكي لا يحرمن أنفسهن مما تستفيد منه قريناتهن، وكي لا يكون حجابهن حاجزا أمام إبراز أنوثتهن. عندما تقودك قدماك إلى الشوارع الكبرى في مختلف مدن المغرب، فإن أول ما تقع عليه عيناك هو فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و35 سنة اخترن الاحتفاء بأنفسهن والابتهاج بارتداء مزيج من الأصالة والمعاصرة، أي مزيج بين الحجاب، أو بالأحرى غطاء للرأس يختلف شكله هو الآخر بين شكل الوردة والفراشة، وملابس صيفية معاصرة تكون أحيانا أشبه بملابس النوم، أو تنورات قصيرة وسراويل ضيقة. وأحيانا يمزجن غطاء الرأس بملابس رأين «مادونا» ترتديها في أيامها الخوالي، وأخرى تغنت بها «ماريا كاري» في كليباتها ونالت مكانا في خزانات المتحجبات. تنقسم الآراء حول هذه الملابس المعروضة في السوق، بين مؤيد ومعارض. يبرر المعارضون موقفهم السلبي من هذه الملابس بكونها تقضي على التقاليد والحشمة، إذ يقول أنس (مقيم ببلجيكا، 25 سنة) « أنتمي إلى عائلة محافظة، وفي ظل الموضة الجارفة التي تشهدها أسواقنا، لا يمكن أن أسمح لأختي بأن تخرج بملابس مماثلة. إنها نصف ملابس وليست ملابس بمعنى الكلمة، وهي لا تمت بصلة إلى لباس المحجبة». أما هشام (27 سنة) فيقول «لو كنت فتاة لاخترت إحدى الطريقين، إما أن أتبع الموضة بحذافيرها، وإما أن ألتزم في طريقة لباسي، لا وجود لحل وسط، لأننا في هذه الحالة نحصل على ما يمكن تسميته بالدارجة «شلاطة»، يعني تشوه يجمع بين الموضة والالتزام». البعض يربطون الملابس بالدين وبما تربوا عليه من حشمة ووقار. وتقول أسماء «أعتقد أننا مسلمون قبل كل شيء، وعلينا أن نتحكم في الموضة لا العكس». ويأتي رأي عتيقة ليعزز رأي أسماء إذ تقول «من المخزي اليوم أن نرى هذا النوع الجديد من المحجبات». في حين يعتقد البعض أن كل ما نراه اليوم ما هو إلا طريقة في اللباس قد تتغير هي الأخرى، كما هو الحال بالنسبة إلى مهدي (مصلح هواتف) الذي يقول «كل شيء يتغير وحتى اللباس الذي نراه اليوم فاضحا سيصبح محتشما مقارنة مع ما سيكون في المستقبل». الكثيرون يرون أن موجة الملابس الفاضحة مردها إلى كون ثمن هذه الملابس غالبا ما يكون في المتناول، وهذا ما أدى على تشويه صورة الحجاب، أو بالأحرى تشويه صورة المحجبات». هناك من يلقي باللوم على الآباء ويحملهم المسؤولية، تقول مريم «على الآباء مراقبة بناتهم، ومن المؤسف أن بعض العائلات تربت على استعمال الملابس الفاضحة من دون أي حرج»، وتضيف، مقترحة حلا للوضع «ما يباع في السوق يمكن لبسه في المنزل وليس بالضرورة في الشارع». أما المؤيدون لهذه الموضة فهم كثيرون أيضا، ويعتبرون أن لكل فتاة أسبابها التي تدفعها لنهج هذه الطريقة المعاصرة في اللباس. تقول بثينة «أظن أن هذه الملابس مستجدة وتزيل الروتين عن الحجاب، فيبدو أكثر شبابيا و»كول» وأعتقد أنه حان الوقت للرقي بهذا النوع من اللباس». وتعزز سهام هذا الرأي، بقولها «إنها ملابس تساير الموضة، فتزيل عن المرأة طابع النمطية والكلاسيكية، كما تساعدها على تغيير طريقتها في اللباس مع الحفاظ على قناعاتها». هناك أيضا مشاهد ملفتة لفتيات محجبات ولكن بشكل جزئي، وذلك حين يبرزن جزءا من شعرهن. وهنا يبرز التساؤل حول ما إذا كانت المعنية بالأمر تحاول إبراز أنها ليست صلعاء، أم هي دعوة مفادها «نعم أنا متحجبة، ولكن انظروا إلى جمال شعري». تربط سعاد سبب اختيار هذا الأسلوب بالحرية الشخصية، قائلة «كل شخص حر في ما يرتديه، فلا أحب أن يكون الحجاب شيئا تقليديا. أحب أن أظهر جمالي وأنوثتي، وأحب أن أظهر الحجاب في أبهى حلة». أما فاطمة الزهراء (عاملة) فتختصر رأيها في جملة واحدة «من أجل الموضة أتحمل أي شيء». هناك أيضا مشاهد غريبة لبعض السيدات المتزوجات اللواتي ما فتئت هذه الموجة تجرفهن، ففعلت بهن أكثر مما فعلته بالعازبات. أجسام ضخمة تحتفي بملابس يمكن أن يقال عنها إنها ملابس قزمية لا تلائم لا سنهن ولا قوامهن. وتقول زينب، مفسرة سبب ارتدائها لهذا النوع من الملابس «كنت ملتزمة في طريقة لباسي، لكنني بدأت أشك في تصرفات زوجي مع بعض البنات، فقررت نهج طريقة جديدة في اللباس لكي لا يُسرق مني زوجي على مرأى من عيني وكي أبدو جميلة في عينيه دائما، حتى في الشارع». ونظرا إلى هذه الموجة الجديدة من الموضة، فإن بعضا من أصحاب المتاجر التي تروج للملابس المحتشمة تعاني الكساد بسبب ذلك، لكن المفْضّل، وهو صاحب متجر ملابس محتشمة، له رأي مخالف، إذ يقول «زبوناتي سيدات وفتيات محترمات ومحتشمات، من كل المستويات الاجتماعية، بينهن العاملة وربة البيت والطالبة. وكل من يظن أنه لا يوجد إقبال على هذا النوع من الملابس هو مخطئ». وبشأن المنافسة التي تعاني منها الملابس المحتشمة بسبب هيمنة الملابس الفاضحة على السوق، يعترف قائلا: «لا أنكر وجود المنافسة خصوصا مع هيمنة المنتوجات الصينية على السوق، لكن البائع الذكي هو الذي يحاول إحضار ما هو جديد كل مرة، فيحقق الربح لنفسه مع الحفاظ على عناصر الحشمة والالتزام».