غالبا ما يجهل جمهور النّاس أساليب وطرق تلقين فن التقليد للقردة المبتدئين. ففي طقس يومي يتكرر بوتيرة تصاعدية، اعتاد القرّاد، اللّي كيلعّب لقرودة، تنظيم جلسة تعذيب يذيق فيها كل أصناف التنكيل ل«معزة» يأمرها بأن تقلّد جلسة «القايد» ومشية الجنرال الواثق من نفسه وصراخ البرلماني والمستشار تحت قبة ما يسمى البرلمان، ونعسة اللصوص الكبار وبُكاء المظلوم ونشوة الظالم بظلمه واللائحة طويلة. وكان القراد، الذي لا علاقة له بولد قَرَّدْ الضّاحك، يُصِرُّ على إحضار قرده، الذي هو في عمر الزهور، من أجل متابعة أطوار جلسات التعذيب بصفته متفرجا «محايدا». وكان القرد الفتي يدرك ببداهته أن «المعزة» المسكينة عاجزة تمام العجز عن أداء الأدوار التي يطالب بها القرّاد، حتى ولو أخرج أمعاءها وسلخ جلدها عن عظمها، كما أدرك أن جلسات التعذيب ليست سوى رسائل مشفرة موجهة إليه هو بالأساس، وأن القَرّاد عينه فيه، وما «المعزة» سوى وسيلة من «وسائل الإيضاح»، وقد أعطت دروس الرعب ثمارها إن كان صحَّ أن يكون للرعب ثمار، لأن القرّاد فعلا كان يعرف أن «المعزة» عاجزة عن التقليد، ولكن أمام القرد الشاب عديم التجربة، فجر القَرَّاد غضبه على «المعزة» قائلا لها: ترفضين تنفيذ ما أطلبه منك، غادي نوريك أ «المعزة»، ثم ذبحها وسلخها وقطعها أطرافا أمام عيني القرد، الذي بدأ على التو وب«الزربة» تقمص كل الأدوار، وأبدع أدوارا أخرى لم يطالبه بها أحد، مخافة أن يلقى مصير «المعزة» الذي أدمى قلبه وكاد يُخرج مقلتيه من محجريهما. وبناء على ذلك، مَنَعَ القرد نفسه من حق الحلم بعالم لا قرّادة به ولا قِرَدة تُسْلَبُ منها «شخصياتها» الحقيقية وتعوض بشخصيات تعيد إنتاج واقع ممسوخ وظالم يهيمن عليه التسلط المتعطش لكل شيء، وتسيطر سلطة المال القذر ومنطق الهراوة الغليظة لمن عصى، وحتّى لمن لم يعص، المهم الهراوة تخدم ما تبقاش مُعطّلة. ومع ذلك، كان القرد يختلس لحظات ثمينة يطلق فيها العنان لمخيلته التي تُزْهِر فيها أحلام محرّمة ويبيح فيها المحظورات بعيدا عن أعين القرّاد وسطوته الدموية، آملا أن يكون الحلم غير المباح الخطوة الأولى نحو الانعتاق، ومن حسن الحظ أن هناك فصيلة من القردة قادرة على التمرد والصمود وتحدي القرّاد وأساليبه.