عندما صرح الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي مولاي الزين الزاهدي، الموجود بالبرتغال هربا من متابعة القضاء المغربي له، للصحافة بأنه كان يتلقى الأوامر من جهات عليا، لم يذكر منها بالاسم إلا وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، من أجل تحويل أموال إلى أشخاص معينين، كان بذلك يشير إلى وجود أخطبوط لنهب المال العام، وهو ما يصعب من مهمة القضاء، إذا ما تم تحريك ملفات الفساد ذات يوم، للوصول إلى المستفيدين من تبديد أموال الشعب، مما يجعل استقلالية القضاء على محك حقيقي، وكذلك كفاءة القضاة الموجودين بمحاكمنا بكثرة، إذا تركتهم «التعليمات» يحتكمون إلى ضمائرهم المهنية. إشارة الزاهدي إلى استفادة مسؤولين من أموال «السياش» المبددة وضرورة متابعة كل متورط، ألمحت إليها كذلك هيئة دفاع المتابعين في الملف، عندما التمست من النيابة العامة إحضار مجموعة من الوثائق، التي توبع على أساسها موكلوها، معتبرة أن العديد من الوقائع المتضمنة في قرار الإحالة لا تطابق الحقيقة وتفتقر إلى السند القانوني، متهمة النيابة العامة ب«التقصير والتماطل» في إحضار الوثائق اللازمة، التي تؤكد تورط موكليهم في الملف وعدم قول الحقيقة»، وهو ما رفضه ممثل النيابة العامة، خلال المرحلة الابتدائية، والذي أكد أن الوثائق موجودة داخل الملف. ملف «السياش» الذي قال عضو الدفاع فيه، خالد السفياني، إنه «ملف عادي» وتسير فيه المحاكمة بكيفية طبيعية على غرار باقي الملفات الموضوعة بيد القضاء، وصلت فيه قيمة الأموال المختلسة إلى 8 مليارات درهم، تم تبديدها عن طريق منح القروض لزبناء معينين، دون أن يكونوا سددوا قروضا سابقة حل أجلها أو دون الأخذ بعين الاعتبار السلفات الممنوحة لهم سابقا، كما جاء في تقرير لجنة تقصي حقائق برلمانية أو دون تقرير الضمانات أو دون تغطيتها بضمانات عينية كافية أو قبل استيفاء كل الشروط المطلوبة من طرف لجنة القرض أو استعملها الزبناء في غير الأغراض التي منحت لهم من أجلها. كما سجل التقرير أيضا أن بعض الشركات أو المجموعات حصلت على قروض وعمليات توطين، رغم أنها لا تتوفر لديها الرغبة أو القدرة على تسديدها. وحسب تقرير اللجنة نفسها، الذي تلي مضمونه في جلسة عمومية بمجلس النواب في 17يناير 2001، فإن المدراء العامين الذين تولوا مهامهم قبل 1998، وزعوا «أرباحا وهمية» على المساهمين مع كل ما تنطوي عليه هذه العملية من مخاطر وعقوبات مترتبة عنها، ليحال الملف بعد ذلك على الغرفة الجنائية بمحكمة الدارالبيضاء، بعد إلغاء العمل بمحكمة العدل الخاصة، وليتابع فيه 18 متهما، منهم رؤساء ومدراء وموظفون سابقون، بتهم «اختلاس وتبديد أموال عمومية والرشوة واستغلال النفوذ والغدر والتزوير واستعماله وخيانة الأمانة». بيد أن إثارة الدولة لموضوع ملف من حجم ملف صندوق القرض العقاري والسياحي، الذي أشار بخصوصه الرئيس المدير العام السابق الزاهدي إلى وجود أطراف مسؤولة من خارجه، كانت تصدر أوامر للاستفادة من أمواله عبر منح قروض لأشخاص ومؤسسات تابعة لها، يجب أن تتم مقاربته بالشجاعة والجرأة الكافيتين، يقول عبد العزيز النويضي المحامي لدى المجلس الأعلى ورئيس جمعية عدالة، وفسح المجال للقاضي ليحتكم إلى ضميره دون التدخل في المحاكمات من طرف جهات غريبة عن جهاز العدالة. ويبدو أن إثبات ما وصل إليه تقرير لجنة تقصي الحقائق النيابية، الذي سجل وجود خروقات في تسيير المؤسسة على مدى عقود من الزمن، يحتاج إلى مزيد من الحياد والابتعاد أكثر عما هو سياسي، وإن كان هذا العامل السياسي يعتبر أحيانا محفزا ومساعدا على إثارة ملفات فساد من حجم ملف «السياش»، يقول النويضي في حديثه إلى «المساء»، قبل أن يضيف أن المغرب يتوفر على قضاة أكفاء بإمكانهم السير بعيدا وبنزاهة في ملفات الفساد الكبرى ك«السياش» وصندوق الضمان الاجتماعي وغيرهما، لكن بشرط أن يحتفظ بالمسافة الواجب اتخاذها بين القاضي والمؤسسة التنفيذية وباقي الجهات الأخرى وبعيدا عن منطق التعليمات، وبعبارة موجزة، يدعو رئيس جمعية عدالة إلى التحلي بالمسؤولية من قبل المسؤولين وترك جهاز القضاء يتمتع باستقلاليته اللازمة، مؤكدا في نفس السياق أن ممثلي المجتمع المدني بما في ذلك ترانسبارنسي لا يمكنهم إلا أن يرحبوا بتحريك ملفات الفساد الكبرى ومعالجتها في إطار احترام القانون وقواعد العدالة.