شكل المشرعون الفرنسيون يوم أول أمس الأربعاء، لجنة لبحث ظاهرة انتشار النقاب والبرقع بين المسلمات في فرنسا، على أن ترفع تقريرها إلى الحكومة الفرنسية بحلول نهاية هذه السنة. وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الشهر الماضي، إن النقاب غير مرحب به في فرنسا، لأنه رمز لإخضاع المرأة. وأن «هذا النقاب ليس موضع ترحيب في أراضي الجمهورية»، معتبرا أنه «ليس رمزا دينيا بل رمزا لاستعباد المرأة». وبعد قانون منع الحجاب في المدارس، يُمهدُ لمنعِ النقاب في الشارع، ويُخشى أن يتحول ذلك إلى منعِ الحجاب أيضا. وكما نرى، فإن الموضوع خرج من كونه مادة إعلامية، أو مسألة اجتماعية وثقافية في فرنسا، إلى حيز معركة سياسية. وكان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هدد بالانتقام من فرنسا بعد أن أعلن ساركوزي أن البرقع ليس موضع ترحيب في بلاده، بحسب ما ذكر موقع «سايت» الأمريكي نقلا عن مواقع إسلامية متشددة. وقال برنار اكوييه، رئيس الجمعية الوطنية الفرنسة للصحفيين، إن «التهديدات لن تغير من تصميمنا على أداء عملنا، مع احترام الحقوق والتسامح». وتتألف اللجنة من 32 عضوا في الجمعية الوطنية من أحزاب اليمين واليسار. وفرنسا هي الدولة الأوربية الوحيدة التي سنت قانونا في 2004 يحظر ارتداء الحجاب في المدارس بعد نقاش محتدم بهذا الشأن، وتم حظر الحجاب في إطار حظر «الرموز الدينية التفاخرية في المؤسسات التعليمية». وقال لوك شاتيل، المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، اليوم الجمعة في تصريحات تلفزيونية، إن البرلمان سيتخذ الإجراءات اللازمة إذا ثبت أن ارتداء البرقع جاء على عكس رغبة السيدة. ويشمل هذا القرار النقاب الذي يغطي الوجه دون منطقة العين، وأيضا «البوركة» الذي يغطي الجسم كله من الرأس حتى القدمين. أما وزير الهجرة الفرنسي إريك بيسون، المولود في المغرب، فيرى أنه «من غير الملائم إيقاظ الإشكالية الخاصة بالرموز الدينية من جديد»، مشددا على أهمية عدم تعريض «التوازن الذي تم التوصل إليه للخطر». ويقول الباحثون الإسلاميون إن كثيرا من المسلمات في فرنسا يرتدين عادة الملابس التي تغطي الجسم كله، بناء على رغبة شخصية نابعة من العقيدة الدينية، ويشيرون إلى أن من بين هؤلاء النساء أيضا فرنسيات أسلمنا. ونقلت صحيفة «لوباريزيان»، عن أحد أساتذة الحضارة العربية- قوله إن بعض الفتيات في الأحياء التي يقطنها المهاجرون تلجأن إلى هذا النوع من الحجاب لتجنب النظرات العديدة التي تلاحقهن. وموازاة مع وجود جهود رسمية لحظر النقاب، إلا أن اللافت هو انكفاء المعارضة العلنية للخطوة حتى في الأوساط الإسلامية، بخلاف ما كان الحال عليه خلال منع الحجاب في المدارس، بل إن بعض خبراء الملف الإسلامي أشادوا بالقرار باعتبار أنه يضعف التيارات السلفية. ويقول أندريه غيرين، النائب عن الحزب الشيوعي: «اليوم نحن أمام تحدي وجود نساء مسلمات يرتدين البرقع (النقاب) الذي يغطي كامل الرأس والجسم وكأنه سجن متحرك». وقد سبق لغيرين أن وقع مع 57 نائبا آخر على عريضة تطالب مجلس النواب بإصدار تشريع يحظر ارتداء النقاب. ويؤاخذ خصوم هذا الطرح على النواب اندفاعهم للسير بهذا الأمر رغم أن عدد المنقبات في فرنسا محدود، كما أن السلطات لم تتمكن من تحديد رقم رسمي لهن، إلا أن غيرين يقول إن الأعداد: «تتزايد باستمرار، ليس في المدن الكبرى فحسب، بل وفي المناطق النائية أيضاً»، مشدداً على وجوب «كسر الصمت» حيال الأمر على حد تعبيره. وتعتبر خطوة النواب، هذه، التحرك الأحدث ضد النقاب، بعد أن قامت المحكمة الإدارية الفرنسية العليا العام الماضي برفض طلب تجنيس امرأة مغربية ترتدي النقاب باعتبار أن الأخير «يتعارض والطابع العلماني للدولة». يشار إلى أن فرنسا ليست الدولة الأوربية الوحيدة التي عبرت عن رغبتها في حظر النقاب، فقد سبقتها هولندا عام 2006، ما أثار الكثير من الاحتجاجات آنذاك. ويحتاج إقرار تشريع ضد النقاب في فرنسا إلى موافقة هذه اللجنة الخاصة حيث ستقوم بدراسة النقاب وأسباب وضعه وتقدم توصياتها في هذا الإطار، وقد يستغرق هذا الأمر عدة أشهر سيتصاعد خلالها الجدل في فرنسا حول الخطوة.