برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية لجامعة ابن طفيل، استضاف مختبر المسرح والمدينة الكاتب الكبير والمخرج البارز جواد الأسدي وذلك يومه 26 يونيو 2009. استهل جلسة الافتتاح الدكتور سعيد الناجي، حيث رحب بجواد الأسدي وقدم الشكر والامتنان لرئيس مختبر المسرح والمدينة لجهوده المبذولة باستمرار لاحتضان مثل هذه الأنشطة، التي تروم خلق تواصل معرفي يتيح للطلبة الباحثين اكتساب أسرار الممارسة المسرحية. بعد ذلك، أخذ الكلمة مدير مركز الدكتوراه، الذي أشاد بجواد الأسدي وببصماته الإخراجية الخالدة، إذ راكم تجربة غنية ورائدة تأليفا وإخراجا، فأضحى شخصية فنية متميزة وهرما من أهرام المسرح. أما الدكتور حكمت داوود الملحق الثقافي بالسفارة العراقية بالمغرب، فقد قدم شكره للجامعة على هذه المبادرة الرائدة التي تندرج في سياق التواصل مع تجربة جواد الأسدي الثرية، بوصفه مؤسسا لذات المسرح العراقي ومبدعا نحت تصورا خاصا سواء على مستوى النص أو فضاء الركح. وقد جدد رئيس مختبر المسرح والمدينة الدكتور أحمد الغازي شكره لجواد الأسدي على تلبيته للدعوة وتجاوبه التلقائي، معتبرا حضوره برحاب الكلية مفخرة عظمى، مهيبا بالطلبة الباحثين ضرورة التفاعل مع هذه المخيلة الخصبة ذات الزخم الاستعاري الواسع. وباسم أساتذة وحدة التكوين في الدكتوراه المسرح وفنون العرض وسلك الماستر في الدراسات المسرحية، اعتبر الدكتور حسن يوسفي تواجد الأسدي بالكلية لحظة استثنائية ذاتيا وموضوعيا. ذاتيا لأنه احتفى به شخصيا في كتاباته، كما هو الحال في كتابه الأخير الموسوم ب «المسرح والحداثة». وموضوعيا بالنظر إلى أهمية هذا الحضور للطلبة الباحثين والأساتذة، لأن جواد الأسدي مخرج كبير وكاتب من طينة خاصة. فهو تجربة غير مألوفة تمارس التشابك والمشاكسة وتؤسس لجمالية جديدة. وفي ختام الجلسة الافتتاحية عبر جواد الأسدي عن سعادته بهذا اللقاء الحميمي والثقافي في آن. ثم حدد بعض ملامح تجربته الإخراجية الطافحة بالمرارة والمفعمة بالألم، بفعل المنفى والتمزق السياسي الذي حول العراق إلى موقد ناري يحترق بشكل يومي. وبدون مجاملة -يؤكد الأسدي- أن الثقافة المغربية ضاربة في عمق الوجدان العربي مستحضرا في هذا السياق أسماء لامعة في الكتابة والممارسة المسرحية من قبيل: عبد الكريم برشيد، الطيب الصديقي، أحمد الطيب العلج، ثريا جبران، وعبد الرحمن بن زيدان. بالإضافة إلى الدكتور حسن يوسفي حيث أشاد بكتاباته النقدية. وقد حدد جواد الأسدي جمالية عروضه المسرحية في : الوجدان العميق بتحويله إلى نص يحمل إمكانية التواصل. الانزياح بالعرض المسرحي من المنطقة الثابتة نحو جمالية متفجرة. إعادة كتابة الممثل لبلورة ممثل معاصر وحداثي غير مسكون بالنجومية الفارغة. أما الجلسة الثانية فقد استهلت بمداخلة الطالب الباحث أحمد شرجي سدخان، الذي رام التعريف بالكاتب والمخرج جواد الأسدي من خلال «صانع المطر يحمل العالم على راحته» وهو أول عمل إخراجي أنجزه جواد الأسدي. وبعد طرح الطلبة الباحثين لأسئلتهم التي تروم تقريب بعيد وتبسيط غامض هذه التجربة الخصبة والثرية، بدءا بالحضور المكثف لقضية السياسة ومفهوم السلطة، مرورا بمقاربة قلق الراهن وحرقة الحاضر والتقاط سخونة اللحظة التاريخية خاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق، انبرى المخرج جواد الأسدي إلى الكثافة في الإجابة معولا على الطاقة الخلاقة في التلقي. وفي هذا الإطار حدد مسارين لتجربته الإبداعية: الأولى: اصطياد بعض النصوص التي شكل معها منطقة تماس ناري/ جمري، من قبيل «العنبر رقم 6» لأنطوان تشيكوف، و«الخادمات» لجان جينيه، و«هاملت» لشكسبير... والعمل على إعادة صياغتها وفق نزواته الإخراجية، التي تستحضر السياق الثقافي العربي. مشيرا إلى أن الانزياح عن النص الأصلي والإطاحة بالنصوص الخالدة في الذاكرة المسرحية الغربية تفرضه طبيعة الشخصية الدائمة التشظي والاحتراق والانفجار. وبذلك يؤكد جواد الأسدي أنه يرفض الولاء للنصوص، ومولع ب«قلب طاولة» النصوص التي قام بإخراجها. وهو ولع يتعدى فكرة اللعب بالإرث والمنجز المبجل في عرف الآخرين، إلى ممارسة التشابك ومشاكسة النصوص المحتشدة برغبات وشهوات مسكوت عنها. الثانية: الكتابات الصافية الأصيلة المنبثقة من وحي الواقع، والتي تشكل ردة فعل موجعة لمرارة وألم العراقيين، كما هو الشأن في مسرحيتي «حمام بغدادي» و«سنوات مرت بدونك»، وهو الأمر الذي جعل مسرحياته قريبة من الوجدان ومنخرطة في التخوم النفسية والاجتماعية للإنسان العربي. و في الختام، قدم الحضور شكره الجزيل وامتنانه العظيم للكاتب الكبير والمخرج البارز جواد الأسدي.