سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجديدي: الحسن الثاني أمر بنقل مدير جريدة «إيل باييس» إلى مدريد في طائرته الخاصة فاعتقدوا أن هناك انقلابا الملك الراحل قال لمستجوبه: يمكنك أن تكتب عني ما تريده، لكني أطلب فقط وضع عنوان جيد
سعيد الجديدي هو أحد أبرز الوجوه الإعلامية في المغرب. وقد عرفه المشاهدون، خاصة، وجها مركزيا في النشرات الإخبارية باللغة الإسبانية في التلفزة المغربية طيلة عقود. وخلف وجهه الإعلامي، يخفي سعيد وجها آخر هو وجه المثقف والروائي. في الحلقات التالية، نجوب معه في مساراته المتعددة عبر أبرز المحطات في المغرب، التي واكبها إعلاميا عن قرب، من المحاولتين الانقلابيتين عامي 1971 و 1972 إلى إذاعة طرفاية مرورا بتجربته في الحقل الإعلامي الإسباني، إلى أهم ذكرياته في المجال الإعلامي الوطني. - لديك ذكريات مع الملك الراحل الحسن الثاني، إذ كنت مترجما له في العديد من المناسبات، ماذا تحفظ ذاكرتك عن الملك الراحل؟ < لدي ذكريات جميلة جدا مع الحسن الثاني رحمه الله. وفي الحقيقة، في لقاءاتي معه كنت ألاحظ أن لديه احتراما عميقا وخاصا للأشخاص، وكان دائما يدعوني «السي سعيد»، وهو قليلا ما كان يفعل ذلك مع الذين يقابلهم. - خلال اللقاء الذي أجراه مدير يومية «إيل باييس» مع الملك الراحل وكنت حاضرا فيه، ما هي أهم ذكرياتك عن ذلك اللقاء؟ < استغرق اللقاء أكثر من ثلاث ساعات. والحقيقة أنك كنت تشعر، في حضرة الملك الراحل، وكأنه والدك، إذ لاحظت كيف أن حركاته مليئة بالأدب والاحترام. وأنا دائما كنت ألتقي بشخصيات معجبة بالملك الراحل وبعبقريته على الخصوص. وخلال اللقاء مع خواكيمي ستيفانيا، مدير «إيل باييس»، كنت أركز جيدا على الترجمة فقط بين الملك وستيفانيا، ولا أفكر مطلقا في أي شيء آخر. ولكن في لحظة معينة، سألني الملك الراحل: «كم من مدرسة للغة الإسبانية كانت في مدينة تطوان؟»، فحصل لي نوع من الارتباك، لأنني في تلك اللحظة لم أعرف من هو المعني بالسؤال، وهل هو موجه إلى ستيفانيا، فقلت له بسرعة بديهية: «الله يبارك في عمر سيدي؟»، فرفع يده بتؤدة طالبا مني المحافظة على هدوئي وعدم الارتباك، بإشارة مؤدبة ونبيلة جدا، ومنحني بضع ثوان للتفكير، وردد نفس السؤال علي، ولما أجبته قال لستيفانيا: «لست أنا الذي أغلقت تلك المدارس بل إسبانيا هي التي أغلقتها». وفي كل لقاء مع الحسن الثاني، كنت أزداد إعجابا به. - خلال تلك المقابلة الشهيرة، هل رفض الملك الراحل، مثلا، الإجابة عن سؤال معين؟ < عندما كنا نازلين في الفندق بمدينة مراكش، في انتظار أن يتم الإذن لنا بالدخول على الملك الراحل وإجراء المقابلة الصحافية معه، أعد ستيفانيا بضعة أسئلة، لأنه كان يتوقع أن يطلب منه الاطلاع على الأسئلة مقدما. وعندما وصلنا إلى القصر الملكي واستقبلنا الملك الراحل، مد إليه ستيفانيا الأسئلة مكتوبة، فرد عليه الملك بإشارة من يده: «لا، اسأل ما تريد». ومن الغريب أن الحسن الثاني كان يقدر خطورة الإعلام، وكانت لديه حاسة إعلامية كبيرة جدا، إذ بعد انتهاء المقابلة قال لستيفانيا: «يمكنك أن تكتب عني ما تريده، لكني أطلب فقط وضع عنوان جيد، ويمكنك في الداخل أن تكتب ما تشاء». - هل كان الملك الراحل يتحدث اللغة الإسبانية ويرفض الحديث بها؟ < ما اكتشفته خلال تلك المقابلة أن الملك الراحل الحسن الثاني يعرف الكثير من اللغة الإسبانية، لكنه كان يرفض أن يكون هناك من يتحدثها أحسن منه، ولكنني اكتشفت أنه يعرف الكثير من الكلمات الإسبانية، لأنه خلال المقابلة قال كلمة «التريكة» باللهجة العامية، فترجمتها فوريا بهذه الكلمة إلى الإسبانية Herecia فقال لي: لا، بل Legado وهي كلمة لا يمكن أن تخطر في بال شخص لا يعرف الإسبانية بشكل دقيق جدا، بل حتى الأشخاص الذين يعرفون اللغة الإسبانية جيدا لا يمكنهم التمييز بين الكلمتين أو الدراية بمتى يجوز استخدام كل واحدة منهما في السياق. وحتى اليوم، عندما يتصل بي ستيفانيا يذكرني بذلك اللقاء، لأنه خرج منه معجبا بعبقرية الحسن الثاني ولطفه. ومن طرائف ذلك اللقاء أن الحسن الثاني سأل ستيفانيا، قبل بدء المقابلة الصحافية، عما يريد أن يشربه، فقال له ستيفانيا: لا شيء. وبعد ختام المقابلة، بدأ ستيفانيا يشكر الملك، فقال له الحسن الثاني: أنت الآن في داري، وهنا لا أحد يعصي لي أمرا، ففوجئ استيفانيا، فذكره الملك برفضه تناول أي مشروب في بداية اللقاء، فأدرك ستيفانيا خطأه وعدم تأدبه، فاعتذر إلى الملك، لكن الحسن الثاني قال له: لا أقبل اعتذارك، وعليك أن تدفع الثمن، فقال ستيفانيا: أنا مستعد. فأخذنا الملك إلى قاعة طويلة مدت فوقها عدة مشروبات وحلويات، وقال له: عليك أن تذوق من كل واحد من هذه المشروبات، فناولني ستيفانيا ما كان بيده وتوجه نحو الطاولة وهم بأن يبدأ، فتوجه الملك إلي وقال لي ضاحكا: قل له لقد جاءك العفو الملكي، فذهبت إليه وقلت له ذلك، فأعجب ستيفانيا بذلك الإخراج الجميل. ومن طرائف ذلك اللقاء، ولكن من أكثرها أهمية، أن المقابلة الصحافية انتهت حوالي الواحدة والنصف ليلا، وكان استيفانيا يريد العودة إلى مدريد في تلك الساعة، وطلب ذلك من الملك، فأمر الحسن الثاني بأن يتم نقله إلى مدريد على متن طائرته الملكية الخاصة. وعندما نزلت الطائرة في مطار باراخاس في مدريد في تلك الساعة المتأخرة من الليل، صودف أن أحد رجال المخابرات الإسبانية كان متواجدا بعين المكان، فرأى الطائرة الملكية وعرفها، فاتصل بمديره وقال له إن هناك انقلابا في المغرب وإن الطائرة الملكية موجودة في المطار، وانتقل الخبر درجة درجة حتى وصل إلى الملك خوان كارلوس الذي تم إيقاظه في تلك الساعة المتأخرة من الليل لإعلامه بالخبر، فاتصل خوان كارلوس بالملك الحسن الثاني وسأله: أين أنت؟ فرد عليه الملك قائلا: أنا في قصري بمراكش، فأخبره بما سمعه، فحدثه الحسن الثاني بموضوع المقابلة وما جرى مع مدير«إيل باييس».