خرج عباس الفاسي عن صمته وهو يعلق على انسحاب حزب الأصالة والمعاصرة من الأغلبية الحكومية وهو مزهو ب«الثقة المولوية» بعد تزكية الملك لحكومته. قال الوزير الأول إن هناك من يخلط عمداً بين الانتخابات الجماعية والاستحقاقات التشريعية مضيفا أن الحكومة غير معنية بالانتخابات الجماعية وأن الخلط يرمي لإضعافها. يبدو أن هناك شيئين على الأقل فاتا عباس الفاسي في تحليله هذا. أولهما أن أي طرف في الأغلبية له الحق في مغادرتها عندما يرى أن خارطة الطريق المتفق عليها بين مكونات الأغلبية قد خُلخلت أو تم اتخاذ قرارات مصيرية خارج توافق الأغلبية. ممكن أن يحصل هذا بالانتخابات وبدونها وقد كان ممكن أن يحصل قبل شهور من طرف الاتحاد الاشتراكي لو بقي كاتبه الأول وفيا لوعده لقاعدة الحزب. ما فاته ثانيا هو كون «الثقة المولوية» هي عبارة عن «سيروم» موصل إلى جسم في قسم الإنعاش.. جسم يمثل الحكومة الحالية. فإذا كان للدعم الملكي رسائل موجهة لكافة الفرقاء السياسيين في هذه الفترة الانتخابية، فإن نفس الدعم لا يشكل شيكا على بياض لو سلمنا أننا نعيش في ديمقراطية أو مجرد بدايات ديمقراطية. بالطبع لن يصمد هذا الدعم إذا قرر غداً حزب العدالة والتنمية والحركة الشعبية إقناع حزب الأصالة والمعاصرة بوضع ملتمس للرقابة لحجب الثقة عن الحكومة. حسابياً ستسقط الحكومة لأنها أصبحت منذ أقل من أسبوع حكومة أقلية بدعم ملكي وهذه سابقة في الحياة السياسية المغربية، وإن كنت أشك أن ذلك سيحصل لأن المغرب كان ولا زال يتوفر دائماً على أحزاب مستعدة أن تقلب تحالفاتها رأسا على عقب من أجل كرسي وزارة «يفرح» به الزعيم. ثم ألا يمكن أن يحدث ما أصبح الشارع يتنبأ به قبل أيام من استحالة بلوغ حكومة عباس الاستحقاقات التشريعية لسنة 2012 وهي في وضع الموت الإكلينيكي.. فكم يا ترى سيصمد «سيروم» الثقة المولوية؟ وهل تكون الظرفية السياسية الحالية أرضية مواتية ليدك «التراكتور» الأخضر واليابس بما في ذلك كرسي الوزارة الأولى؟ والله كل شيء ممكن في زمن العبث السياسي المغربي... عبث منظمة غير حكومية (أو حركة) تصبح بين عشية وضحاها حزبا للشتات بطموحات أكبر من أحزاب عمرت نصف قرن وبشعارات يغار منها «شي غيفارا» عبث حكومة كل هم رئيسها هو أن يحظى بعطف وثقة الملك دون أن يفكر ولو للحظة لشرعيتها الدستورية وقاعدتها الشعبية وتاريخ نضال بعض مكوناتها. الكل يهون من أجل عيون كرسي الوزارة. عبث انتخابات جماعية، أبطالها أعيان وتجار انتخابات عنوانهم الأبرز، سكب الأموال في كؤوس أصوات الناخبين لامتصاص رحيق الميزانيات بعد ذلك، وتغيير مستمر للولاءات وغياب أدنى إحراج في التأرجح بين أحزاب اليمن واليسار وحتى بين حزب ذي مرجعية إسلامية وحزب ذي مرجعية ماركسية لينينية.. أهناك عبث أكبر من ذلك. ما وقع نهاية الأسبوع الفارط، كان رصاصة الرحمة التي أُطلقت على الممارسة السياسية بالمغرب وعلى النزر القليل مما تبقى من مصداقية الانتخابات. فاللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه. وإنا لله وإنا إليه راجعون.