جدد الملك محمد السادس، عشية إعلان حزب الأصالة والمعاصرة يوم الجمعة الماضي سحب مساندته للحكومة، ثقته في الوزير الأول عباس الفاسي، في الوقت الذي تلقى فيه عباس الفاسي خبر سحب حزب الهمة ثقته من حكومته بالعاصمة الليبية طرابلس، حيث يشارك في مؤتمر لدول الساحل والصحراء. ونقلت وكالة المغرب العربي للأنباء أول أمس، في قصاصة مختصرة، خبر اتصال هاتفي أجراه الملك محمد السادس، من مقر إقامته في العاصمة الفرنسية باريس، مع الوزير الأول، حيث أعرب الملك «عن الثقة الملكية السامية في الوزير الأول، السيد عباس الفاسي وفي حكومة جلالته، لمواصلة ومضاعفة جهودهم، للنهوض بالإصلاحات والأوراش الكبرى، والانكباب على حسن خدمة المصالح العليا للوطن والمواطنين، في ظل القيادة المولوية الحكيمة والتوجيهات الملكية السديدة». وأشارت القصاصة إلى أن الملك جدد التأكيد على توجيهات «لإجراء العمليات الانتخابية في نطاق من النزاهة وسيادة القانون». وجاء ذلك على إثر التكهنات، التي انطلقت إثر المبادرة المفاجئة لحزب الأصالة والمعاصرة نهاية الأسبوع الماضي بسحب ثقته في حكومة عباس الفاسي، باحتمال إحداث تعديل حكومي قريب في ضوء تلك الخطوة، بعدما أصبحت حكومة أمين عام حزب الاستقلال ذات أقلية عددية. وعلمت «المساء» بأن حزب الأصالة والمعاصرة سيعقد غدا الثلاثاء أول لقاء موسع لبرلمانييه في الغرفتين، مضافا إليهم برلمانيو التجمع الوطني للأحرار الذين يشكلون مع نظرائهم في حزب الجرار فريقا موحدا. وقالت مصادر مطلعة إن هذا اللقاء سيكون حاسما لأنه سينصب على تنسيق المواقف بخصوص المرحلة المقبلة. ولم تؤكد المصادر ما إن كان موضوع طرح ملتمس رقابة ضد حكومة عباس الفاسي سيكون على طاولة اللقاء. إلى ذلك، يتوقع أن يناقش حزب العدالة والتنمية، في اجتماع لأمانته العامة يومه الإثنين، قضية طرح ملتمس الرقابة لإقالة حكومة عباس الفاسي، وقطع الطريق أمام حزب الهمة لكي لا يكون اللاعب الوحيد في المرحلة الحالية في صف المعارضة. وقال لحسن الداودي، نائب الأمين العام للحزب في تصريحات ل«المساء» أمس إنه يقترح طرح ملتمس رقابة ضد الحكومة لأنها لم تعد تتوفر على الأغلبية في الوقت الحالي، وأصبحت «حكومة عرجاء»، مضيفا بأن الحكومة الحالية لم تعد قادرة على قيادة المغرب في ظل تبدل الخريطة السياسية، خصوصا إذا أفرزت الانتخابات الجماعية، ما بعد 12 يونيو الجاري، خريطة مختلفة عن الخريطة الحالية التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الأخيرة. وأوضح الداودي أنه في حالة ما اتفق الحزب على هذه الخطوة فإنه سيدخل في مفاوضات مع الأحزاب الأخرى في المعارضة من أجل جمع النصاب القانوني لطرح ملتمس الرقابة. وتنص المادة 76 من الدستور على أن ملتمس الرقابة لا يكون مقبولا إلا إذا وقعه على الأقل ربع الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، ولا تصح الموافقة عليه من لدن مجلس النواب إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، كما تنص المادة 77 من الدستور على نفس الشروط لقبول الملتمس من لدن مجلس المستشارين. من جانب آخر، توعد فؤاد عالي الهمة الحكومة الحالية بمعارضة شرسة تحدث قطيعة مع الماضي السياسي، وقال إن القرار الذي اتخذه الحزب بالانسحاب من الحكومة ستكون له فائدة كبيرة على المغرب والمغاربة. ودافع الهمة عن قرار حزب الأصالة والمعاصرة الانسحاب من الحكومة الحالية والالتحاق بالمعارضة خلال اللقاء، الذي عقد أول أمس بالعرجات ضواحي مدينة سلا، وقال: «لم نخسر شيئا بل تحررنا من وضع الإحراج الذي كنا فيه»، واتهم بعض الجهات بأنها كانت تحاول ممارسة ضغوطات على الحزب، وقال: «اليوم نحن متحررون من وضع تعرضنا فيه للضغوطات وتم استغلال حسن نيتنا وسذاجتنا الإيجابية». وقال الهمة الذي اختلط كلامه بدوي الأعيرة النارية بنادي الرماية بأن الحزب يريد أن يحدث بذلك قطيعة مع الماضي، ويرفع الوصاية عن المواطنين. وتوعد الحكومة بمعارضة قوية، وقال: «سنتحول إلى معارضة بناءة من حيث محتواها ومن حيث الجرأة في اتخاذ المواقف والشفافية». وأضاف الهمة، الذي كان يخاطب حوالي 900 شخص حضروا اللقاء، بأن الحزب يسعى إلى رد الاعتبار للمغاربة والحفاظ على كرامتهم، وقال: «سنسعى إلى مغرب فيه مواطنون عقلاء لا وصاية عليهم». وأضاف بأنه «لا ينبغي أن يبقى مغرب الغد محاصرا بالعقد». وأشار إلى أن المغرب يحتاج لأشياء أخرى لم يحددها، وليس فقط إلى الحلول السياسية، وأكد بأن هذا ما توصل إليه الحزب من خلال تواصله مع المواطنين. الهمة دعا الحضور إلى التمعن في ما اعتبره إشارات قوية، من بينها عدم قدرة بعض الأحزاب على تغطية جميع الدوائر، إذ قال: «لقد اتهمونا بأننا جئنا بأطر من عندهم ونحن نقول لا، بل جئنا بقيمة مضافة»، في إشارة إلى الضجة التي أحدثتها المادة الخامسة من قانون الأحزاب، مطالبة بعض المكونات السياسية بمنع النواب الرحل من الترشح. وتساءل الهمة أمام الحضور عن الصورة التي سيكون عليها المشهد السياسي لو لم يكن حزب الأصالة والمعاصرة موجودا، وأبدى تفاؤلا كبيرا بخصوص النتائج التي سيحققها الحزب خلال الانتخابات الجماعية، وأضاف بأن 67 في المائة من الذين ترشحوا باسم الحزب لم يمارسوا السياسة من قبل. من جهته، وصف الشيخ بيد الله، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، قرار الانسحاب ب«التاريخي»، وقال: «لأول مرة في تاريخ المملكة ينسحب حزب ويلتحق بالمعارضة».وأضاف بأن هذا القرار يبعث برسائل عدة، أهمها إضفاء الجدية والمسؤولية على العمل السياسي، والقطع مع ماضي كان يتسم بتوافقات ولقاءات تتم داخل الأبواب المغلقة، وتروج لخطاب مختلف أمام الرأي العام. وأضاف بأن القرار هو «قطيعة مع حالة الانفصام بما فيه الانفصام بالمعنى الطبي».