يكفي أن يتأمل المرء أسماء وألقاب من يصنعون الحدث هذه الأيام في المغرب لكي يتأكد من أن معايير الشهرة لم تعد مرتبطة بالتفوق والموهبة، بقدر ما أصبحت مرتبطة بالفضائح. أسماء من عيار «هيفاء»، «نونوسة»، «زعيريطة»، «شكيليطة» وغيرها من «وجوه الشرع» أصبحت تصنع الحدث وتزاحم أسماء السياسيين على الصفحات الأولى للجرائد. وطبعا، فالأسماء التي يختارها هؤلاء «الأبطال» هي أسماء مستعارة. «زعيريطة» يقول أمام المحكمة إن مزوده الرئيسي من الكوكايين هم ابن شباط عمدة فاس، وشباط يرى شبح المهدي بنبركة وراء هذا الاتهام. «هيفاء» يقول في محضر للشرطة إنه عاش مغامرات جنسية مع مسؤولين كبار في مراكش، وهؤلاء يردون بأن «هيفاء» مجنون وإن برلمانيا ينافس أحدهم في الانتخابات هو من يقف وراء هذه المؤامرة. وحتى في مجال «الفن» هناك صراع مرير على الأسماء وصل صداه إلى ردهات المحاكم. فقد انتهى مهرجان «موازين» ولم تنته مشاكله. وهاهو «الداودي» يتابع «الداودية» بتهمة السطو على اسمه. فتاء التأنيث الساكنة التي أضافتها الشابة «زينة» للقبها لم تشفع لها أمام «الداودي» وقرر هذا الأخير أن يجردها من اسمه وتاء تأنيثه الساكنة. وحسب «الداودي»، فالشابة «زينة» (وهذا اسمها الأصلي) ليست «داودية» وإنما «مزابية»، ولذلك فنجاحها وشعبيتها راجعة بنسبة تسعين في المائة إلى اسمه الذي استعارته وأضافت إليه تاء التأنيث الساكنة في آخره. فالجمهور حسب «الداودي» لا يشتري اللحن أو الكلمات وإنما يشتري الاسم. مع أن الداودي بنفسه ليس هذا هو اسمه الحقيقي، وإنما اسمه هو عبد الله مخلوف. وشخصيا، عشت هذه «التجربة» منذ اعتقال بارون المخدرات الملقب بالنيني. وكنت كل مرة أفتح فيها جريدة أعثر على عنوان كبير يقول «إيداع نيني في السجن بتهمة الاتجار الدولي في المخدرات». وكان بعضهم يختار عمدا إسقاط أداة التعريف ويكتب لقب بارون المخدرات مجردا من أل. وكثيرا ما توصلت بمكالمات ورسائل من قراء يتمنون لي الصبر على هذا المصاب الجلل، داعين لي بالفرج القريب. وكلهم يقولون إن هذه ليست سوى قضية أخرى ملفقة سأخرج منها بإذن الله منتصرا كما صنعت دائما. وقد ذهب الحماس ببعض هؤلاء الزملاء في «الأسبوع السياسي» مؤخرا إلى حد كتابة اسمي الكامل تحت صورة الوازاني الملقب بالنيني مع خبر صغير يتعلق بقبول دعواه في المحكمة الأوربية. وعوض أن يكتب مولاي مصطفى العلوي اسم المهرب الدولي كما هو معروف اختار أن يكتبه هكذا «رشيد نيني». شخصيا هذا الأمر لا يزعجني تماما، و«قشابتي» واسعة جدا. الألقاب والأسماء المستعارة عادة قديمة كان المعارضون يلجؤون إليها لإخفاء الهوية خوفا من الاعتقال والتعذيب، فكانوا يختارون حمل أسماء حركية يتداولونها في خلاياهم السرية، كما هو الحال مع عبد القادر لوديي الذي اختار لقب عبد القادر الشاوي واشتهر به في الأدب والسجن والسياسة. أما في الفن، فإن اختيار الفنانين لألقاب وأسماء مستعارة يتحكم فيه دافع السعي وراء تحقيق شهرة أوسع في مجال الفن، خصوصا إذا كان الاسم الحقيقي لا «يطنطن» في الأذن. تصوروا مثلا لو أن عبد الهادي بلخياط اقتحم عالم الغناء باسمه الحقيقي الذي هو عبد الهادي الزوكاري، فهل سيكون له نفس الحظ في الانتشار كما صنع بلقب بلخياط. الشيء نفسه صنعه زميله في الشهرة والمجد عبد الوهاب الدكالي عندما تخلى عن اسمه الأصلي الذي لا يكاد يعرفه أحد وهو العوني بوكرن، نسبة إلى منطقة «العونات» التي ينحدر منها. وحتى «الستاتي»، الذي يستطيع أن يجمع سبعين ألف متفرج في سهرة واحدة، لا يستطيع أكبر حزب سياسي في المغرب على جمع ربعه، كان ذكيا عندما فكر في تغيير اسمه من «العرباوي» إلى «الستاتي». ويبدو أن «الستاتي» اختار هذا اللقب تيمنا بالتسمية التي كانوا يطلقونها عليه منذ صغره بسبب توفره على ستة أصابع في كل يد عوض خمسة التي يتوفر عليها جميع عباد الله. فالمولود «الستاتي» في منطقة الشاوية تعتبر أقدامه «قدام الربح». (ولا أعرف لماذا لا تكون أصابعه «أصابع الربح»، مادام الأمر يتعلق بالأصابع وليس بالأقدام). ويبقى مجال الغناء الشعبي والعصري المجال الأكثر تداولا للأسماء المستعارة. فمصطفى «بوركون» مثلا اسمه الحقيقي هو مصطفى «السمرقندي»، نسبة إلى «سمرقند» في «آسيا الوسطى» والتي وصفها «ابن بطوطة» بقوله «إنها من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالا، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادي القصَّارين، وكانت تضم قصورًا عظيمة، وعمارة تُنْبِئ عن هِمَم أهلها». وربما من هناك جاء المسلمون الهاربون من «سمرقند»، بسبب بطش «تيمورلنك»، بتقاليد «القصارة» إلى أرض المغرب. ولعل أشهر الفنانين الذين غيروا أسماءهم الأصلية يبقى «السعدية قريطيف» التي اختارت لقب ثريا جبران، وعرفها الجمهور وأحبها بهذا اللقب القادم من أرض الأرز لبنان. وليست وحدها من سقطت في حب الأسماء اللبنانية المستعارة، فحتى الكاتب إدريس الكص صاحب «حزن في الرأس وفي القلب» وقع في هذا الحب الجارف، واختار تغيير اسمه من إدريس الكص إلى إدريس الخوري. مع أن الخوري في لبنان تعني رجل الدين في اللغة الكنسية الكاثوليكية. «شي حاجة بحال الفقيه عندنا». وإذا كان هناك من تأثر بالأسماء اللبنانية كجبران والخوري وغيرهما، فهناك أيضا مغنون تأثروا بالأسماء المصرية. فالبشير مثلا تخلى عن «البشير المكرد» لكي يشتهر باسم «البشير عبدو». ولا بد أن البشير قد يكون عانى مثلي من زملائه في الدراسة بترديد لازمة «آ المكرد كول وبرد»، فاسمي كان مثار سخرية الزملاء على طول المشوار الدراسي، وبمجرد ما ينطق المعلم اسمي حتى أسمع في الصفوف الخلفية، حيث يجلس الكسالى غالبا، لازمة «نيني يا مومو حتى يطيب عشانا». وهناك من تأثر أيضا بالأفلام المصرية وسمى أبناءه بأسماء أبطال هذه الأفلام، كوالد الجم الذي سماه عنترة تيمنا باسم عنترة ابن شداد العبسي. وهكذا فالاسم الأصلي لمحمد الجم هو محمد عنترة. مثلما هو الاسم الحقيقي لأمينة رشيد هو جميلة بن عمر. وإذا كانت هناك أسماء عائلية تجلب السخرية لأصحابها، فهناك أسماء أخرى يمكن أن تنتهي بك في قائمة الإرهاب. وهذا ما وقع لعازف العود الحاج يونس عندما وضع طلبا لدى القنصلية الأمريكية من أجل الحصول على تأشيرة تلبية لدعوة فنية من واشنطن. وبمجرد ما وضع الحاج يونس طلبه باسمه الحقيقي الذي هو «الإدريسي الرياحي مولاي محمد»، «طلع» هذا الاسم في لائحة الإرهابيين المبحوث عنهم على الصعيد الدولي. وعوض أن يطالب الحاج يونس بالتأشيرة الأمريكية أصبح يطلب «العار غير يرجعو ليه الباسبور ديالو» حتى لا ينتهي به المطاف في «غوانتانامو». فقد اكتشف أن الاسم الحقيقي الذي يليق به بعد هذه التهمة الخطيرة هو «الحاج التوهامي» وليس «الحاج يونس». ومن أغرب الأسباب التي تدفع البعض إلى تغيير أسمائهم ما قام به الشاعر الراحل أحمد المعداوي، صاحب ديوان «الفروسية»، عندما لقب نفسه بأحمد المجاطي، مع أن «أمجوط» بالشلحة تعني الأقرع. والسبب في لجوء الراحل صاحب القصائد الحداثية إلى تسمية نفسه بهذا اللقب هو الحرص على عدم خلط اسمه باسم الشاعر مصطفى المعداوي الذي كان يكتب شعرا مغرقا في التقليدية. وهكذا فضل الراحل أحمد المعداوي اسما غريبا فقط لكي لا يخلط قراؤه قصائده الحداثية بقصائد شاعر تقليدي. «اللهم ملقاك مع القروعية ولا مع الشعر القديم». وليس الراحل أحمد المعداوي هو المبدع المغربي الوحيد الذي غير اسمه، فهناك روائي درسنا جميعا مؤلفاته «رفقة السلاح والقمر» في أقسام الثانوي اسمه مبارك ربيع، قليلون هم الذين يعرفون أن اسمه الحقيقي هو مبارك المعاشي، وهناك محمد زفزاف صاحب رائعة «الديدان التي تنحني» واسمه الحقيقي هو محمد خصال، والناقد إدريس الناقوري اسمه الحقيقي هو إدريس الوادنوني، نسبة إلى وادي نون مسقط رأسه. أما نبيل الحلو فقليلون يعرفون أن اسمه الحقيقي هو عبد النبي الحلو، لكن على رأي الستاتي «كاينة ظروف»، وهي الظروف نفسها التي جعلت أحد الزملاء في مهنة المتاعب يغير اسمه من عبد الله دجاج إلى عبد الله نهاري، ووزيرا سابقا من بوثعلب إلى بوطالب. عندما نتأمل أسماءنا في المغرب نحمد الله كثيرا، لأن أشقاءنا في بعض دول الخليج لديهم أسماء يستحيل أن ننطق بها في المغرب. وأمامكم مثال النائبة التي نجحت قبل يومين في البرلمان الكويتي، واسمها «معصومة مبارك». الحاصول تغيير الأسماء لم يكن أبدا مشكلا، «المهم الواحد يبقا فصباغتو والسلام».