جوابا عن عمود سابق عنوانه «الوشائج الخطرة»، والذي تحدثت فيه عن تسلم صحافيين مغاربة لشيكات من يد الأمير مولاي هشام، من أجل اقتناء أسهم في مؤسسات إعلامية، صدر ردان نشرا في أسبوعية الأيام. الأول افتتاحية بقلم الزميل نور الدين مفتاح، والثانية مقالة في صفحة «ردود» بالأيام أيضا لحسين مجذوبي. أما توفيق بوعشرين فقد أرسل ردا عبر البريد الإلكتروني على شكل بيان. بالنسبة إلى الزميل نور الدين مفتاح، فقد نفى كونه تلقى أي أموال من الأمير مولاي هشام، وأن علاقته به لم تتعد لقاء واحدا من أجل إجراء حوار. وبذلك يكون مفتاح قد أزال كل لبس حول هذه العلاقة مع الأمير. وإذا كان الزميل مفتاح قد أحس بأن ما كتبته حوله وحول ظروف تأسيس جريدته تسبب له في أي متاعب فأنا أقدم إليه اعتذاري المشفوع بالمودة، وهو الاعتذار الذي لا يراودني شك في أنه سيقبله بصدر رحب. أما بالنسبة إلى حسين مجذوبي، الذي كتبت في عمود «الوشائج الخطرة» أنه تسلم من الأمير مولاي هشام شيكا قدره 95 مليون سنتيم مقابل وثيقة اسمها «تعهد بدين»، فقد أكد في رده المنشور في العدد الأخير من أسبوعية «الأيام» أنه فعلا تسلم قرضا من الأمير مولاي هشام عندما قال: «ولم يكن خافيا على أحد أنني حصلت على قرض من الأمير مولاي هشام سنة 2002 بهدف تطوير مشروع إعلامي في إسبانيا يعرفه جل الصحافيين، ويتعلق بوكالة تحمل اسم «أندلسيا برس» للأخبار، وتقوم بإنجاز أفلام وثائقية. وقيمة القرض دون المبلغ الذي ذكره نيني في مقاله، ولم يكن شيكا بل تحويلا من حساب بنكي إلى آخر تم تحت أنظار السلطات تفاديا لأي لبس وتأويل». أولا، عندما يقول مجذوبي إن تسلمه لقرض من حساب الأمير أمر لم يكن خافيا على أحد، فهو يجانب الحقيقة. فأنا شخصيا لم أعلم بهذا الأمر إلا مؤخرا مع صدور كتاب علي عمار «محمد السادس، سوء الفهم الكبير» وما رافق صدوره من ردود أفعال في الصحافة والصالونات. وأعتقد أن الأغلبية الساحقة من الصحافيين والقراء لم يكونوا أيضا على علم بالأمر. ثانيا، عندما يقول مجذوبي إن قيمة القرض أقل من الملايين الخمسة والتسعين التي ذكرتها وإن الأمير استرد أغلبه، فإنه لا يكلف نفسه، في إطار الشفافية التي تعود الصحافيون على مطالبة الآخرين بها، أن يقول لنا ما هي القيمة الحقيقية لهذا القرض. ثالثا، عندما يقول مجذوبي إن قيمة القرض خصصها لإنشاء مشروع إعلامي في إسبانيا لإنجاز أفلام وثائقية، وليس للدخول في رأسمال «الأيام»، فإنه لا يكلف نفسه إعطاءنا نبذة عن «إنجازات» هذه الوكالة. فأنا شخصيا لم ألاحظ أن وكالة باسم «أندلسيا برس» قدمت أفلاما وثائقية للتلفزيون أو السينما، اللهم فيلما وثائقيا واحدا من إخراج مجذوبي شارك به في مهرجان السينما بتطوان ولم يفز بأية جائزة. لأن هناك فرقا كبيرا بين هواية تصوير الطلبة التي مارسها مجذوبي أيام الجامعة وبيعهم الصور التذكارية، وبين تصوير أفلام وثائقية صالحة للعرض في المهرجانات. وعندما ينفي مجذوبي في رده كونه اقتنى بقيمة القرض، الذي لا يريد الإفصاح عن قدره، شقة في «ملغا»، فهو محق في نفيه. فمجذوبي لا يملك أي شقة باسمه في «ملغا». وأنا أشكره وأطلب منه المسامحة على هذا الخطأ...في العنوان. لأن البيت المقصود في مقالي لا يوجد في «ملغا» وإنما يوجد في غرناطة. ولعل ما نستخلصه من رد حسين مجذوبي هو أن هذا الأخير تسلم فعلا تحويلا ماليا من الأمير مولاي هشام. لكن ما أستغربه هو تسمية مجذوبي لهذا التعامل المالي عندما يتحدث عنه «تلقيه قرضا من الأمير»، أما عندما أتحدث أنا عن هذه العملية فإنه يسميها «اتهاما بتلقيه أموالا من الأمير». مع أن العملية برمتها ليس فيها أي اتهام لأي طرف، سواء الجهة المانحة أو الجهة المستفيدة. فقط كان يجب توخي شيء من الوضوح والشفافية في هذه العملية، بحكم الموقع الأميري للمانح والموقع الصحافي للمستفيد، وبسبب ما يمكن أن ينشأ عن هذه العلاقة المالية من تأويلات، خصوصا بالنظر إلى العلاقات المعقدة التي يربطها الأمير مولاي هشام ببعض مدراء الصحف والمجلات، والتي كشف علي عمار في كتابه عن بعض تفاصليها، مما كلفه ردا شاتما من الأمير فاجأ الجميع، نشر في «الأيام». بالنسبة إلى توفيق بوعشرين، فقد أرسل ردا يؤكد فيه هو الآخر أنه توصل بأموال من الأمير مولاي هشام. لكن الفرق بين مجذوبي وبوعشرين هو أن الأخير حدد قيمة المبلغ في ثلاثين مليون سنتيم. غير أن الفرق مرة أخرى بين «قرض» الأمير لمجذوبي وبين «قرض» الأمير لبوعشرين هو أن هذا الأخير يقول في رده إن الأمير لم يقرضه المال لكي يشتري أسهما في «الأيام» بل إن الأمير تكرم، قبل سبع سنوات، بدفع تكاليف علاج أحد أفراد أسرته عندما علم بأنه لم يكن يقدر على دفع 300000 درهم للعلاج، ولما تحفظ على هذه المبادرة، قال له أن يعتبر المبلغ سلفا في ذمته. وهو السلف الذي يقول بوعشرين إنه رده إلى الأمير كاملا وانتهت هذه القصة. طبعا في الرد الذي بعث به بوعشرين، تفاصيل لا علاقة لها بجوهر الموضوع، مثل ادعائه بأنني اتهمته بتلقي رشاوى من الأمير مولاي هشام. بالعودة إلى مقالي الأصلي سيكون مستحيلا العثور على أي أثر لهذا الاتهام. كما أنني لم أشكك في النزاهة المالية لأي أحد من الذين ذكرتهم، بل كل ما في الأمر أنني تحدثت عن منح الأمير مولاي هشام لأموال على شكل قروض لثلاثة صحافيين، واحد منهم هو مفتاح ثبت أنه لم يتلق أي درهم من الأمير، فيما اعترف الآخران بأنهما فعلا توصلا بقروض من الأمير، لكنهما ينفيان استغلالهما لهذه الأموال في شراء أسهم في «الأيام»، لأن الأسهم التي يملكانها اشترياها بأموالهما الخاصة (الأموال نفسها التي لم تكن مع أحدهم عندما أراد إنشاء مشروع في إسبانيا وكان محتاجا لأموال الأمير، والتي لم تكن مع الآخر لكي يساعد بها قريبه المريض ولجأ إلى مساعدة الأمير). ولذلك لم يكن بوعشرين محتاجا إلى أن يقول في رده إننا رفضنا عروضا مالية قدمت إلينا في «المساء» من طرف رجال أعمال كانت «المساء» تقلق راحتهم. فأنا شخصيا لم يعرض علي أي رجل أعمال أموالا طيلة إدارتي للجريدة، وإذا كان قد عرض عليه أحدهم أموالا فلا علم لي بالأمر. كل ما أعلمه أن بوعشرين أخبرنا يوما بأن صديقه الأمير مولاي هشام مستعد لدفع غرامة 600 مليون التي حكمت علينا بها المحكمة لصالح وكلاء الملك الأربعة في قضية القصر الكبير، فكان جوابنا في المجلس الإداري هو الرفض. وهو الرفض ذاته الذي تلقاه الأمير عندما اقترح على أبو بكر الجامعي التكفل بدفع غرامة 300 مليون التي حكمت بها المحكمة ضد «لوجورنال» في قضية «مونييكي». وإذا كان الصحافيان مجذوبي وبوعشرين قد أوردا روايتيهما للسياق الذي توصلا فيه بالقرضين الماليين، فإن الأمير مولاي هشام لديه أيضا روايته الخاصة. وهي الرواية التي نقرؤها في الحوار الذي أجراه معه إدريس بناني في مجلة «تيل كيل» سنة 2004 عدد 156/ 157 والذي يقول فيه جوابا عن سؤال بناني : - هل تمول «لوجورنال» ؟ - لا. - هل تمول «الأيام» ؟ - لا. - مع أنك أقرضت مساهمين في «الأيام» قرضا دخلا به كمساهمين في رأسمال الأسبوعية... - لقد حدث لي أن ساعدت مرارا مقاولين أرادوا الاستثمار في مشاريع. في هذه الحالة، فهذان الشخصان قالا لي إنهما ينويان إطلاق مشروع في إسبانيا. - وهل أعادا إليك المال ؟ - جزئيا». جواب الأمير بهذه الطريقة الغامضة، والتي لا يحدد فيها أسماء المعنيين بتلقي القروض، جعل التخمينات تذهب كل مذهب. فالمساهمون في «الأيام» عندما أعطى الأمير هذا التصريح كانوا أربعة صحافيين. وبما أن مفتاح أخلى ذمته من أي قرض أو شيك، وسمير شوقي لم تكن له في يوم من الأيام علاقة بالأمير، لا مالية ولا إنسانية، فإن الراجح أن من يقصدهما الأمير بكلامه هما مجذوبي وبوعشرين. نستخلص من جواب الأمير شيئين اثنين، أولا فهو لا يتحدث عن مساعدة إنسانية لشخص مريض في حالة بوعشرين، بل يتحدث عن قرض من أجل مشروع في إسبانيا. ثانيا، أجاب الأمير عن سؤال الصحافي حول ما إذا كان قد استعاد قيمة القروض بقوله «جزئيا». بمعنى أنه لم يستعدها كاملة. وهذا يكذب ما قاله الزميلان من كونهما أعادا قيمة القروض إلى صاحبها. في الحقيقة هناك رد رابع يجب أن يصدر لكي نضع نقطة النهاية لهذا الموضوع الشائك الذي لا يمكن الخوض فيه دون إثارة حساسية البعض، خصوصا وأنه يتعلق بأموال بالملايين. يتعلق الأمر بالرد الذي يجب أن يكتبه الأمير مولاي هشام والذي سيكشف فيه للرأي العام أسماء الصحافيين الذين أقرضهم أو تبرع عليهم بالمال، وكم هي قيمة القروض والتبرعات، وفي أية ظروف تم منح هذه الأموال للصحافيين. لقد استمعنا إلى ما قاله الصحافيون حول هذا الموضوع، ويهمنا كثيرا أن نسمع رواية الأمير مولاي هشام، حتى نستجمع أجزاء هذه الصورة الغامضة التي تجمع الأمير وبعض الصحافيين في إطار واحد.