تجربة المدارس الداخلية تكون ممتعة دوما، قاتلة في بعض الأحيان، مدمرة للمعدة على الأرجح. لا أذكر الكثير من التفاصيل الخاصة بأول مدرسة داخلية قطنت بها، لكنني حتما لن أنسى أدق التفاصيل الخاصة بالوجبات المقدمة هناك، على غرار هذه النوعية من المدارس في كل أنحاء البلاد. الأطعمة المقدمة تكون دوما على غرار: قطع خيار ديناصورية الحجم منقوعة في مياه محلاة.. وشرائح لحم بقري (مع قدر لا بأس به من الارتياب)، ذات سمك شبه منعدم، ملتصقة بشرائح جلد ذات سمك وصلابة لا بأس بهما بما يكفي للإيحاء بالكم.. والهدف من هذا تقوية أسنان الطلبة وعضلات أذرعهم عبر حركات الشد التي تهدف إلى تجزئة الشرائح لتيسير المضغ.. طريقة الاستعمال: ضع جزءا بين أسنانك، وامسك بكلتا يديك بالجزء المقابل.. ثم شد بكل قوتك نحو الأسفل.. حذار أن ينزلق الطرف من بين يديك لأن اللسعة التي سيستقبلها وجهك لن تكون محببة إلى النفس. وحين تصل يداك إلى أقصى اتساع لهما دون نتيجة، يمكنك حينها الاستعانة بقدميك لمواصلة الشد.. لذا ينصح بغسلهما مع اليدين قبل الدخول.. كما يمكنك أن تبتلع الشريحة قطعة واحدة لو كنت لا تملك الوقت لهذا الهراء، وتترك للمعدة إكمال البقية.. هناك قطع الدجاج التي تعد أفضل ما كان يقدم، فقط لو وجدت قطعة يتفوق فيها وزن اللحم على العظم.. فقط عليك أن تتجاهل مشهد صدر العامل المشعر الغارق في العرق، والذي يصر على إبرازه وهو ينحني ليحضر لك قطعة الدجاج المطلوبة.. اعتبر قطرات العرق هذه كنوع من التوابل أو المخللات لتحسين المذاق، واحمد ربك أنك لم تلتق بذلك الكهل الذي كره الدنيا وكرهك معها.. لو كنت فعلت فلا تحاول اختيار القطعة التي تروقك لو كنت من النوع المسالم، فهو يقدم لك ما يريد هو فقط، ويرميه في صفيحتك كأنه يقتطعه من لحمه الخاص.. ولا بأس بنظرة ازدراء عابرة لإتمام اللوحة.. في فترة من الفترات اختفى العجوز لمدة لا بأس بها.. فتساءل أحدهم عن مصيره. وحينما لم يجب أحد، قال الفتى إنه يشك في أن اللحم الذي يقدمونه لنا مؤخرا هو لحم الكهل لأنه هرم بالفعل. إن مادة الصودا عنصر أساسي في كل وجبة وذلك كي تطهى بسرعة، لكن الكمية التي يضعونها في (الحريرة) خرافية بالفعل.. وللصودا لمن لا يعرف تأثير منوم رهيب.. ففي المساء– ما إن تشربها - عليك أن تصعد إلى غرفتك بأقصى سرعة، وتحضر سريرك وتتمدد كي لا تسقط في غيبوبة النوم وأنت في الطريق.. وكما جرت العادة، لا بد أن تمتع أذنيك بدوي صوت سقوط العشرات من الصفائح الحديدية التي يوقعها عامل النظافة أرضا كنوع من التقاليد.. يمكننا بشيء من التسامح أن نشبهه بصوت قصف الرعد.. ماذا يفعل الرجل بالصفائح؟ طبعا يغسلها بالمياه الساخنة وبمكنسة.. نفس المكنسة طبعا هي التي يستعملها غالبا لكنس العنابر.. بالهناء والشفاء يا شباب!