على بعد أقل من شهر على موعد الانتخابات الجماعية المقبلة، تبدو طنجة موزعة على ثلاثة اختيارات حزبية أساسية، في الوقت الذي يخيم شبح المقاطعة من جديد على هذه المدينة التي حطمت كل الأرقام في انتخابات شتنبر 2007. وخلال التجمع الأخير الذي عقده في طنجة حزب «الأصالة والمعاصرة»، قال رجله القوي، فؤاد عالي الهمة، إنه متأكد من أن حزبه سيحصل على نتائج انتخابية هامة في المدينة، وتوقعه هذا راجع ربما إلى كونه يعرف جيدا أنه لن يتنافس سوى مع حزبين آخرين، هما حزب العدالة والتنمية، وحزب التجمع الوطني للأحرار. وبدا لافتا أن التنافس الحزبي في طنجة لم يعد مبنيا على الامتداد الشعبي والجماهيري، بل فقط على لغة الأرقام، وذلك حين يستطيع حزب معين جمع حوالي 2000 أو 3000 شخص في قاعة مقفلة، فيصبح هذا دليل قوة، لأن عهد التجمعات الجماهيرية الكبرى ولى إلى غير رجعة. وكانت قاعة الاجتماعات بنادي الكريكيت بطنجة تحولت إلى ترمومتر حقيقي لقياس قوة الأحزاب، على الرغم من أنها لا تستوعب أزيد من 2000 شخص في أقصى الحالات. وعقدت الحركة لكل الديمقراطيين، قبل أزيد من سنة، اجتماعا في هذا النادي، وامتلأت جنبات القاعة بأنصار الحركة أو من الذين جاؤوا للتقرب من “صديق الملك”، وهو الاجتماع الذي اعتبر وقتها كبيرا بالنظر إلى أن أقوى الأحزاب المغربية لم تعد اليوم قادرة على ملء قاعة متوسطة الحجم. وقبل بضعة أسابيع استعرض حزب التجمع الوطني للأحرار قوته مجددا في هذه القاعة، حيث بدا لافتا أن عدد الحضور فاق عدد الذين حضروا من قبل في تجمع الهمة، وهو ما اعتبره قياديو التجمع «دليلا على استمرار قوتهم الحزبية والانتخابية في المنطقة». ضيق قاعة الكريكيت دفع حزب “الأصالة والمعاصرة” في تجمعه الأخير في طنجة، إلى نصب خيمة في منطقة ملاباطا تتسع لحوالي 3000 شخص، وبذلك ظل معتدا بقوته. غير أنه يبدو ضروريا الإشارة إلى أن نسبة كبيرة، سواء من المتجمعين في قاعة الكريكيت أو في خيمة الهمة، يأتون من مدن مجاورة، مثل تطوان والقصر الكبير والعرائش وشفشاون، وهذا الاستقطاب يبدو ضروريا لأن الاعتماد على سكان طنجة فقط سيصيب الأحزاب بإحباط حقيقي، لأن سكان المدينة حطموا الرقم القياسي في نسبة المقاطعة خلال انتخابات 7 شتنبر 2007. في كل الأحوال فإن قوة هذه الأحزاب الثلاثة تختلف. فحزب العدالة والتنمية، ورغم أنه لم يعقد إلى حد الآن أي تجمع كبير في المدينة، فإنه يبدو وحده القادر على ملء قاعة كبيرة من دون الاستعانة بسكان المدن المجاورة. ويبقى مصدر قوة هذا الحزب ليس مرجعيته الإسلامية بالضرورة، بل ترشيحه لوجوه طنجوية بنسبة 100 في المائة تقريبا ومن أوساط شعبية، في الوقت الذي تعمل أحزاب أخرى على استقطاب وجوه مهاجرة أو من بين الأعيان والأغنياء. أما التجمع الوطني للأحرار فقد ظل وفيا لنهجه الأول، أي استقطاب رجال الأعمال والأعيان وذوي النفوذ، وأغلبهم من منطقة الريف، وكل مرشحيه تقريبا هم من الأغنياء وأصحاب ماض وتجربة في مجال الانتخابات، ويمكن اعتبارهم محترفي انتخابات بامتياز، وخبرتهم هذه تجعلهم يخرجون من تهم استعمال المال لشراء الأصوات كما تخرج الشعرة من العجين. أما حزب «الأصالة والمعاصرة» فلعب على ورقتين أساسيتين، الأولى استقطاب وجوه معروفة في المدينة، وهي ليست بالضرورة وجوها نظيفة جدا، والثانية «نظافة” الحزب، لأنه حديث النشأة وليس في ماضيه ما يمكن أن يشوه سمعته. وربما من نقاط ضعف «الأصالة والمعاصرة» أنه جعل على رأس لوائحه وجوها أمازيغية ريفية في مدينة غير أمازيغية. وباستثناء لائحة طنجة المدينة التي يترأسها سمير عبد المولى، فإن لوائحه الأخرى كلها لوائح ريفية بالكامل، وهو ما دفع عددا من الوجوه المعروفة في «الحركة من أجل الديمقراطيين» إلى الترشح في لوائح مستقلة. باقي الأحزاب هي في المنزلة بين المنزلتين مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الغارق في خلافاته الداخلية، وهيمنة تيار الدحمان الدرهم وتهميشه وجوها اتحادية معروفة في المدينة. هذا الحزب يمكن أن يجني نتائج كارثية أخرى بعد النتائج الكارثية لانتخابات شتنبر 2007. أما حزب الاستقلال فإنه فقد وجوهه المعروفة في المدينة، وربما سيلعب التسيير متدبدب لعباس الفاسي على رأس الحكومة وفضيحة الشذوذ بمقر الحزب بالعرائش دورا كبيرا في قصم ظهره.