لقد أصبنا بالهلع عندما اكتشفنا أن «الإرهاب» من المفاهيم التي تم توظيفها بقصد الاحتلال والسيطرة، بأنه مفهوم استغل غير ما مرة لأغراض استعمارية من المفاهيم الرائجة والدارجة على كل لسان في عصرنا هذا، يمكن أن نتوقف قليلا عند «الإرهاب» الذي أثار العديد من الأسئلة الحارقة من قبيل: كيف يحدد العربي المسلم مفهوم الإٍرهاب ؟ وهل هناك إجماع عربي إسلامي على تحديد معين لهذا المفهوم ؟ وكيف يعرف الغربي مفهوم الإرهاب؟ وهل هناك رؤية غربية موحدة لهذا المفهوم الذي أسال الكثير من المداد دون أن يتمكن من إيجاد تعريف دقيق وعلمي ومنصف له. لقد أصبنا بالهلع عندما اكتشفنا أن «الإرهاب» من المفاهيم التي تم توظيفها بقصد الاحتلال والسيطرة، ولأنه مفهوم استغل غير ما مرة لأغراض استعمارية فإن بعض القوى الإمبريالية لا تزال تمتطي صهوته بهدف حماية إسرائيل والسيطرة على الشرق الأوسط و«ضمان الأمن والأمان» للكيان الصهيوني الغاشم، ويوظف المفهوم نفسه من لدن نفس القوى الجشعة لكسر شوكة دولة «أحمدي نجاد» التي جعلت الدول العظمى ترتاب في فعالية إمكانياتها العسكرية والسياسية لكبح جماح إيران؛ بلاد فارس التي باتت تشكل «خطرا داهما» على وجود هذه الدول العظمى، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي باتت تفقد ريادتها في العالم يوما بعد يوم . وأصبنا بهلع أكبر حينما اتخذت جل الأنظمة العربية الحاكمة مفهوم «الإرهاب» مطية سهلة لإرهاب وتصفية معارضيها في الداخل وفي الخارج، وبذلك «تفوقت» هذه الأنظمة الاستبدادية على غيرها من الأنظمة الحاكمة في الغرب في توظيف مفهوم «الإرهاب» من أجل حماية نفسها من كل صوت يحاول إزعاجها . إن الإستراتيجية عند الفكر المقاول تبنى على أساس تحقيق الربح السريع بصرف النظر عن الوضع المادي والمهني المزري للفاعل الرئيسي المنتج لهذا الربح والذي هو الإنسان العامل، ويتكرس هذا المشهد «الفيودالي» لمقاولاتنا المغربية، مثلا، كلما احتج هذا الأخير من أجل تحسين وضعيته الإدارية والمادية والمعنوية حيث يهدد بالطرد أو التسريح بدعوى أن المقاولة تعيش وضعا ماليا صعبا بفعل الأزمة المالية العالمية أو بفعل الكوارث الطبيعية من زلازل أو فيضانات ...وهي الدعوى التي باتت تجد دعما من لدن النقابات والدولة على حد سواء ويمكن أن يلاحظ المتتبع للشأن السياسي والنقابي هذه الأيام رواج مفهوم «الإكراهات» بحدة زائدة والذي يوظف من أجل إخراس كل صوت يزعج الفكر المقاول الذي يجب أن «يتضامن» الجميع من أجل الحفاظ على ربحه السريع وعلى تكلفته الزهيدة. هذه الإستراتيجية نسخت نسخا حد المسخ وتم سحبها على المجال التعليمي والتربوي ومن ثم بدأنا نلمس خطابا سياسيا جديدا يركز على تعلم كل ما علمي على مستوى التدبير والتسيير وإقصاء كتحصيل حاصل تعلم كل ما يساعد المتعلم على ضمان الاستقرار الروحي والوجداني والتشبث بالأمل والحلم الذي لا يمكن تحقيقه إلا عبر منح الاهتمام المستحق للعلوم الإنسانية كالأدب والفلسفة والفنون وغيرها مما لا علاقة له بالتسيير أو التدبير، وبالتالي بات مطلوبا من المدرسة أن تحذو حذو المقاولة وتنتج بشرا لا يفقه إلا الربح والخسارة والعمل بكل الوسائل للحفاظ على الأول وتفادي الثانية والباقي لا يهم . وفي السياق نفسه يمكن الحديث عن مفهوم الديمقراطية، الذي لم يسلم من مكر السياسي، حيث أصبح مفهوم الديمقراطية كما حدده الإغريق يروج للاستهلاك السياسي ليس إلا، خاصة عند اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية أو التشريعية أو الجماعية، أما حينما يستنجد به في الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والحقوقي بعد هذه الانتخابات، فإنه يتخذ أقنعة متعددة تجعله يحيد عن محتواه ومبتغاه كما حددهما أهل أثينا في زمن سابق. فالسلطة السياسية الحاكمة تمارس حقها باسم دستور وضع في وقت ما وفي ظروف معينة وتحسب أن ممارستها هذه هي الديمقراطية بعينها، أما حينما يتجرأ المواطن على كتابة سطور أو الإدلاء بتصريح ينتقد فيه الدستور الذي وضعه الإنسان الذي لا يتصف كما هو معلوم بالكمال، مطالبا بتجاوز هذا الدستور أو تلك المادة منه لأن متغيرات كثيرة طرأت، وجرت مياه كثيرة تحت الجسر مما يتطلب معها استبدال هذا الدستور أو بعض مما يحتوي عليه من مواد تجاوز الزمن حمولتها المهينة والحاطة من كرامة المواطن، فإن هذا المواطن الجريء زيادة يعتبر فورا المسمى قيد حياته زيدا متهما تجاوز حدوده وعدوا للديمقراطية ومحرضا على البلبلة والفوضى ومخلا بالأمن العام ومن ثم يجب أن يعاقب حسب الفصول التي وضعت لتحمي أمن الدولة وممتلكات المواطنين وأرواحهم وعقيدتهم ولغتهم .. إن حديثنا المقارن لمفهوم الديمقراطية على مستوى المضمون النظري الأكاديمي وعلى مستوى التوظيف السياسي له، يفضي بنا إلى استنتاجات من قبيل: إن مؤشر تحديد المفهوم والتشبع بمضمونه العلمي الأكاديمي لدى البنية الذهنية للسلطة السياسية الحاكمة المتخلفة تحديدا يسير تناقصيا حينما يتعلق الأمر بالديمقراطية الداخلية لا الخارجية، ويسير تصاعديا إذا تعلق الأمر بتلميع الوجه خارجيا وهو المؤشر الذي تعتمد عليه أنظمة الدول المتخلفة للحصول على قروض أو معونات ومساعدات لتصحيح اختلالاتها الاقتصادية والاجتماعية... صمت الأكاديمي وعدم دفاعه عن الحمولة العلمية الصرفة للمفاهيم التي أنتجها لغرض نبيل ووظفت في أغراض استعمارية أو استبدادية تلبي الرغبة الجامحة للإيديولوجي أو السياسي، هذا الصمت العجيب الغريب كرس تبعية ما هو ثقافي وعلمي لرغبة السياسي والإيديولوجي، والحال أن العكس هو الصحيح، هذا إذا كانت لدينا رغبة في فهم الأشياء على حقيقتها وإرادة راسخة لاكتشاف لب المفهوم والعمل به في كل مستويات حياتنا وليس الاكتفاء بما هو سطحي وبما يلبي أنانية السياسي الحاكم المتضخمة، والذي لا يعترف إلا بما يخدم «سياسته» التي غالبا ما ترفض رأي الآخر المتحضر والمتمدن والمتفتح الذي قد نستفيد منه في إطار العملية التفاعلية بين الثقافات التي باتت حتمية وواقعا يفرض نفسه في عالم أصبح قرية صغيرة جدآ