يجمع علماء التربية على أن هناك عوامل متعددة تتظافر لتوقع الفتيات منذ نعومة أظافرهن في شرك التدخين، فمنهن من تدخن حبا في الظهور، ومنهن من تدخن هربا من المشاكل العائلية، والغالبية تقلد الصديقات أو تعتبر السيجارة «بريستيج» يرفع من مقام المرأة ويزيد من مكانتها، على اعتبار أن الفتاة التي لا تدخن ليست عصرية أو متحررة، والنتيجة يتحملها الآباء الذين تتحول حياتهم بسبب ذلك إلى كابوس لأنهم لا يعرفون كيف يتصرفون لمنع بناتهن من هذه الآفة التي تحرق أنوثتهن وتضيع مستقبلهن، وتؤثر على صحتهن وجمالهن. والمؤكد أنه عندما تغيب عناية الوالدين ومراقبتهم المستمرة لبناتهم في هذه الفترة الحرجة تتخذ المراهقات من المقاهي والمراحيض مأوى لتجريب متعة السيجارة الأولى... منهن من تختبئ خوفا من رؤية والدتها وهي تحمل سيجارة، ومنهن من تدخن علانية وتحاول إقناع الجميع بأن هذا الأمر يخصها ولا دخل لأحد في حياتها. تقول الدكتورة أمينة حكيم أخصائية الجهاز الهضمي بالجديدة وصاحبة كتاب «سيجارة واحدة تدمر حياة بأكملها: «التدخين عادة كريهة جدا تسبب العديد من الأمراض، وذلك بسبب تأثيرها السيئ على الغدد اللمفاوية والنخامية والمراكز العصبية، وكذا تأثيرها الضار على القلب وضغط الدم والجهاز التنفسي والمعدة والعضلات والعين، وهناك العديد من الأخصائيين الذين يربطون المرض العضوي دائما بالمرض النفسي، وفي هذه الحالة نجد ان الأمراض التي تسببها أول سيجارة تؤثر مباشرة على الصحة النفسية للمدخنين، حيث يؤكد الأطباء النفسيون أن المدخن في العادة يتميز بشخصية عصبية لا تتحمل المسؤولية، ولا يستطيع أن يركز لفترات طويلة، كما يعجز عن العمل لفترات متواصلة، ويحس بالإنهاك والتعب والإجهاد من أقل مجهود، والأهم من ذلك أن هذه الشخصية تعاني من العصبية والتوتر الدائم. وقد أصبح من المؤكد أن التدخين يقع في خانة الإدمان، حيث يعاني المدخن من نفس الأعراض التي يعانيها متعاطي المخدرات والكحول، فحينما يتوقف لساعات عن التدخين يشعر بالتعب والتوتر والإعياء والعصبية، وذلك نتيجة لتعود كيميائيات معينة في المخ على النيكوتين، وحين تقل هذه النسبة يشعر المدخن بصعوبة في التركيز ويعاني سرعة الانفعالات، فتزيد إفرازات العرق لديه ويكثر لعابه ويشعر بالدوار، وكل هذه الأعراض الجسدية تقابلها أعراض نفسية عديدة كالإحساس بالتوتر والقلق والاكتئاب، وتتوقف هذه الأعراض بعدما يشعل المدخن سيجارته الأولى، حيث يشعر بالراحة مع نفث دخانها، ولكن ذلك يستمر خلال فترة الدخان الأولى، ثم تعود مرة أخرى نفس الأعراض ليعيد من جديد إشعال سيجارة أخرى». وترجع الدكتورة والأخصائية النفسية أمينة مرابط أسباب لجوء الفتيات للتدخين إلى محاولتهن إثبات استقلاليتهن وعدم خضوعهن لأية سلطة ذكورية، بالإضافة إلى تأثير أصدقاء السوء على الفتيات المراهقات، خاصة إذا كان حضور الوالدين ضعيفا جدا، فيلجأن تحت وطأة الفراغ العاطفي إلى البحث عن لحظة متعة مع الصديقات عن طريق تدخين السجائر أو ما شابه ذلك، وأحيانا إلى تعاطي المخدرات، إضافة إلى حب الاستطلاع الذي يجعل الفتاة تجرب التدخين في محاولة لاكتشاف السعادة والمتعة التي يحسها المدخنون، فتقودها السيجارة الأولى إلى الثانية، ثم إلى الثالثة، ومع التكرار يصبح الأمر عادة وإدمانا يصعب التخلص منه. خطوات لا بد منها إذا أردت أن تعرفي حقيقة ابنتك، لا بد أن تعرفي من تصاحب، لأن الصديق كان ولا يزال، من أهم المحطات التي تترك في فكر وشخصية الأبناء تأثيراً كبيراً، قد يمتد لسنوات طويلة، ويصعب على الآباء والأمهات محوه، لهذا يجب على الأمهات أن يتعرفن على أصدقاء بناتهن، وأن يدركن أن هناك أسبابا عديدة تجعل الأبناء أكثر ميلا للتعلم من أصدقائهم، وتفضيل ما يتلقونه منهم على ما يتلقونه من آبائهم وأمهاتهم، وإن اختلفت القيم، وتعاكست الآراء، كما أن كثرة الوعي والإرشاد قد لا يتفيد الأبناء، وعلى الأخص الفتيات، لهذا لا بد من أن تصاحب الأم ابنتها وأن تجعلها تحس بأنها صديقتها وليست فقط أمها، كما على الآباء أن يساهموا في اختيار بعض الأصدقاء لأبنائهم وخصوصا لبناتهن، وعلى الأمهات أن يقمن بدعوة صديقات بناتهن إلى المنزل ومجالستهن لمعرفة مستوى تفكيرهن وطريقة تصرفاتهن، بالإضافة إلى التقرب من عائلات الصديقات اللواتي يترددن على بناتهن.