أثير كثير من "الضجيج الإعلامي" حول أغنية للفنانة الشعبية "زينة الداودية"، حققت نجاحا كبيرا بمفهومه التجاري عبر مسارها الفني، وقدرا كبيرا من النجومية في صفوف الجمهور العريض من عشاق هذا النمط من الغناء، إلى درجة أنها كادت تقود إلى أعمال شغب في إحدى سهراتها في الصيف الماضي. قادني فضولي للاطلاع على هذه الأغنية بعدما قرأت في إحدى اليوميات أن مجموعة من المواطنين تقدموا بعريضة تظلمية لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء ضدها وضد الأغنية المعنونة ب"اعطيني صاكي"، أي أعطني حقيبتي، حيث اعتبر موقعو العريضة أنها تحرض على "الدعارة والفساد". وإضافة إلى هذه الدعوى طلع المغني السابق، الذي صار يحمل لقب "الشيخ سار" عبر قناته في شبكة العنكبوت، يستهجن الأغنية ويعتبرها منحطة، متحدثا باسم الدين وباسم الذكورة، معتبرا الأغنية تشجع النساء على التبرج، والتبرج هو من يقود الرجال إلى التحرش، وهذا ما سبق ونادى به من خلال فيديو "المؤخرات" الذي جعله يتوارى إلى الخلف ويعتذر. ذكرتني دعوى المواطنين ضد هذه الأغنية - إن كان الأمر جديا- بالحالة المصرية والحرب التي خيضت ضد حرية التعبير وضد المفكرين المتنورين باسم "الحسبة"، فيما يبقى تحليل الشيخ سار سطحيا للغاية بربطه التحرش بالتبرج، ذلك أن أشهر وأول دولة عربية في التحرش هي مصر، التي يرتدي ثمانون في المائة من نسائها الحجاب، بما فيهن القبطيات، ومع ذلك لا يسلمن من هذه الظاهرة الذكورية الراسخة في نظرتنا للمرأة باعتبارها عضوا تناسليا ليس إلا. زرت الأغنية على موقع اليوتيوب، ووجدت أن نسبة الولوج إليها وصلت إلى ثلاثة ملايين وخمسة مائة ألف زائر إلى حدود كتابتي هذا العمود، ووجدت أن الأغنية من الناحية الفنية بسيطة، وهي من النمط الاستهلاكي العابر "الكاسكروط" ومركبة كلاما وتلحينا على تقنية الديجي، ولا تستحق كل هذا (الحراك الأخلاقي) الذي يخدمها في نهاية المطاف. أنا من عشاق موروثنا الشعبي بأصواته كلها وبألوانها المتعددة، وهو في حقيقة الأمر لا زال خاما ولم يأخذ حظه من العناية والدراسة والتثمين، لأنه لم يحدث أن كانت لمؤسسات الدولة في هذا الشأن أي سياسة ثقافية ما عدا الاستغلال السياحي الفج، ولا أيضا المؤسسات الثقافية البديلة، التي اتسم موقفها بنوع من الاستعلاء والتعالم واعتبرته كشأن عامي متروك لشعب "أمي و متخلف". إن أشباه الشيخ سار وموقعي عريضة الدعوى ليضعوننا في "الإشكالية الخطأ"، والتي هي إشكالية ثقافية بمفهومها الواقعي، وتتعلق بطبيعة نشأتنا في البيت والمدرسة والشارع، حيث ظلت مسألة التربية على الذوق والتذوق الفني على هامش حياتنا، سواء فيما مضى أو في المستقبل، لتظل الداودية والشيخ سار وجماعات المواطنين الذين سيرفعون الدعوى ضحايا غياب هذه الرؤية. عبد السلام الصروخ