خيوط الملف الذي تنشره «المساء» بين أيديكم جرى تتبع أولها انطلاقا من شريط مثير يرصد وجوه «بزناسة» بمنطقة «الهراويين المتوارية عن الأنظار، تجار مخدرات أبوا أن يحتموا بسترة الليل لترويج بضاعتهم المحظورة، وأعلنوا تمردهم على فرق مكافحة المخدرات وعرضوا قطع «الحشيش» في واضحة النهار بأماكن تعرف في قاموس تجار المخدرات باسم «الكروة» منهم من يدعي علاقاته المتشعبة برجال الأمن ويدعي نفوذه والحماية التي تعفيه من الاعتقال أو المداهمة، ومنهم من كشف عن ميولاته الإجرامية ببيعه الحشيش لطابور طويل يقف بشكل منتظم حتى يحين دور كل زبون لينال «طريفة» من مخدر العشبة السحرية التي تدخله عالم اللاوعي من بابه الواسع. بمنطقة الهراويين وتحديدا بدوار «أولاد ملوك» يبدو لك وكأن رجال الأمن لم يعودوا في حاجة لكلاب مدربة ولا لأجهزة رصد متطورة، ولا لمخبرين متخصصين، ولا لفرق أمنية خبيرة في تتبع المسالك السرية لتجارة المخدرات، لأن الأمر علني، ويمكنك أن تتكبد فقط عناء الانتقال إلى حي لالة مريم الذي يبعد عن حي الهراويين بكيلومترات معدودة لتجد دراجة صينية في انتظارك قرب مقهى معروف باسم «شلوخ» ودون أدنى جهد يمكن لصاحب الدراجة نقلك بأقل من 10 دراهم لتكتشف العالم الخفي لتجار مخدرات استأسدوا وأعلنوا احتلالهم للحي العشوائي الذي يوجد فيه بين كل تاجر مخدرات وتاجر مخدرات تاجر مخدرات ثالث. «المساء» انتحلت صفة زبون أعمته «البلية» ليبحث عن ما يسمى ب«المزيانة» في عالم الشيرا، فتفحصت وجوه «البزناسة» قبل الزبناء، والوسطاء قبل «البلانطوات»، هؤلاء الذين تقتصر مهمتهم على مراقبة رجال الأمن الذين يحفظون أسماءهم ورتبهم وحتى عدد المداهمات التي باشروها وألقاب «البزناسة» الذين سقطوا في شباكهم. خارطة تجارة المخدرات بالدارالبيضاء والنقط السوداء التي تعتبر حصنا لمروجيها يعرض فيها كل شيء بأسماء غريبة مثل «الزطلة» و«الحشيش» و«الحشة» و«الحنشلة» و«فليطوكسا» و«الغلغولة» و«عاشور» و«تيبيسلة» وأخيرا «القطعة» حتى أصبح مخدر الشيرا بالبيضاء ماركة مسجلة وسلعة شائعة لها آلاف الزبناء الذين لا يستسيغون اعتقال مزودهم الذي يعتبرونه دائما بطلا لا تجب محاسبته. ولضبط خارطة المخدرات بالدارالبيضاء لا بد من الإشارة إلى الأمنيين و«البركاكة» و«البزناسة» والوسطاء و«البلانطوات» وصولا إلى أباطرة غير معروفين يغرقون الأسواق بكميات مهمة من مخدر الشيرا كل أسبوع. ضمن الملف شهادات مخبر كان إلى وقت قريب من بين أعين الأمن التي لا تنام، وكان واحدا من العدسات المثبتة في كل مكان، شارك في عمليات مداهمات وصفت ب«الضخمة» وشارك في اعتقال تجار مخدرات وصفوا ب«الصيد الثمين»، يضبط لغة الأمنيين حتى تخاله أنه خريج المعهد الملكي للشرطة، ويتذكر أياما مضت كان يقود فيها فرقا أمنية مختلفة لوضع اليد على فوهة لبركان الجريمة وتوزيع المخدرات بالبيضاء، الآن أصبح مهددا ككثير ممن سبقوه للمهنة بالسجن بعد أن جرى الانتقام منه بمساطر مرجعية وراءها تجار مخدرات، وبعض من رجال الأمن الذين وضع ضدهم شكاية لدى الوكيل العام للملك، والذي أحاله بدوره على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للتحقيق في صحة ما يدعيه. «المساء» ترصد خارطة المخدرات ونقط انتشار «البزناسة» بالدارالبيضاء، وتكشف تفاصيل مثيرة عن تجار مخدرات تمردوا على فرق مكافحة المخدرات، واحتلوا أحياء بأكملها وحولوها إلى معاقل لترويج «الحشيش» وأشياء أخرى وتحكي قصص حسناوات احترفن التهريب الدولي للمخدرات عبر مطار محمد الخامس الدولي. أشهر شبكة لتهريب الحشيش من مطار محمد الخامس زعيمها يحمل الجنسيتين المغربية والهولندية ويستغل فتيات لتهريب الحشيش إلى أوربا مقابل 5 آلاف أورو أوقفت الشرطة القضائية العاملة بالمنطقة الأمنية لمطار محمد الخامس الدولي ثلاث هولنديات من أصل مغربي، إثر ضبط كميات مهمة من المخدرات في حقائب سفرهن بينما كن متوجهات إلى العاصمة الهولندية أمستردام، هذا الحادث كشف عن وجود شبكات منظمة لمافيات مغربية متخصصة في تهريب الحشيش المغربي عبر المطارات وخاصة مطار محمد الخامس، باستعمال فتيات مغربيات يحملن جنسيات دول أوربية مقابل مبالغ مالية محترمة. وأظهرت عمليات التفتيش لأمتعة الفتيات المغربيات التي خضعت لها بمصلحة فرز الأمتعة بمطار محمد الخامس، على اعتبار أنهن غيرن الطائرة التي أقلتهن من مطار فاس سايس من أجل الصعود إلى الطائرة المتوجهة إلى مطار أمستردام الهولندي، وأظهرت التحريات التي قامت بها المصالح الأمنية أن الفتيات نجحن من الإفلات من المراقبة على الأمتعة من مطار فاس سايس قبل أن يتم اكتشاف أزيد من 58 كيلوغرام من الحشيش ملفوفا داخل رزم بلاستيكية ملفوفة بعناية داخل حقائبهن. كما تبين من خلال التحقيقات أن الأمر يتعلق بعملية تهريب دولي للمخدرات خططت لها شبكة منظمة بكل من المغرب وهولندا، ويتزعمها مواطن مغربي يقطن بمدينة أمستردام هو من اتفق مع الفتيات الهولنديات من أصل مغربي على عملية التهريب بمقابل مادي، على أساس أن يحصلن على المخدرات من لدن أحد الأشخاص الذي أشرف على عملية استقرارهن بمدينة فاس بعد وصولهن إليها، حيث قطن في إحدى الشقق المفروشة الواقعة بإقامة الغزال بزنقة أبي حيان التوحيدي، إلى أن تم تزويدهن بالحقائب المليئة بالمخدرات من أجل نقلها إلى خارج المغرب مقابل مبلغ مالي تم الاتفاق عليه مع زعيم الشبكة داخل الأراضي الهولندية. ويقوم أفراد الشبكة باختيار الفتيات اللائي يجري توظيفهن في عمليات نقل المخدرات بين مطار محمد الخامس بالدارالبيضاء ومطار أمستردام الهولندي بعناية، حيث يشترط أن يكن شابات جميلات من غير أي سوابق قضائية لا داخل المغرب أو بهولندا واللائي يمتهن مهنا بسيطة ككاتبات على أساس أن يسافرن بشكل عادي إلى المغرب من أجل السياحة لعدة أيام ويعدن بالمخدرات اللائي يحملنها إلى داخل التراب الأوربي دون إثارة الانتباه. وأكدت التحريات أن زعيم الشبكة الذي يدعى فؤاد ويتحدر من ضواحي مدينة الحسيمة ويتوفر على الجنسية الهولندية إلى جانب جنسيته المغربية كان يقوم عن طريق مجموعة من الوسيطات بالبحث عن شابات مغربيات داخل أوساط الجالية المغربية المقيمة بهولندا، حيث يتعرف عليهن بشكل عادي قبل أن يقترح عليهن القيام بعمليات نقل المخدرات، بعد أن يتأكد من أوضاعهن الاجتماعية وحاجتهن للمال مقابل 5 آلاف أورو عن كل رحلة التي يؤكد لهن أنها ناجحة، وأنه اتخذ جميع الاحتياطات لنجاحها. وبدأت العملية التي انتهت بحجز 58 كيلوغرام من الحشيش من مطار أمستردام، حيث التقى فؤاد زعيم الشبكة بالفتيات الثلاث يوم 25 شتنبر 2013 وأكد لهن أن العملية ناجحة وعرف الفتيات الثلاث ببعضهن البعض، على اعتبار أنهن سيقمن بضعة أيام بشكل مشترك في المغرب، وأن العمليات السابقة جميعها تكللت بالنحاج قبل أن يزودهن برقم هاتفي لشخص يتحدر من مدينة فاس سيتولى تجهيز والإشراف على إقامتهن بالمغرب. وبالفعل وبمجرد وصول الفتيات إلى مطار فاس سايس وجدن الشخص المذكور الذي يحمل بدوره الجنسية الهولندية في انتظارهن بمجرد أن اتصلن به. أمضت الفتيات اللائي سيكتشفن أن ثلاث فتيات أخريات سيلتحقن بهن سبعة أيام تجولن خلالها داخل المدينة رفقة ثلاثة من أفراد الشبكة العاملين بالغرب، وتم تسليمهن مبالغ مالية كمصروف للجيب قبل أن يحين موعد المغادرة بعد أن عمل المكلف بهن داخل المغرب على حجز تذاكر السفر لهن من مطار فاس سايس إلى مطار محمد الخامس بالدارالبيضاء ومنه إلى مطار أمستردام، وأخذ الحقائب التي كانت بحوزتهن قبل أن يسلمهن حقائب معدة سلفا ويوضح لهن أن كل حقيبة تضم حوالي 18 كيلوغراما من مخدر الشيرا الذي سيعملن على تهريبه مدسوسا بعناية داخل الحقائب، وأن الحقائب لا يمكنهن فتحها لأنها تحتوي على رمز سري يتوفر عليه هو وزعيم الشبكة الذي ينتظر الحقائب بالعاصمة الهولندية أمستردام. كان على الفتيات اللائي وصلن إلى مطار محمد الخامس في وقت متأخر من الليل تغيير الطائرة واستقلال الطائرة المتجهة صوب مطار أمستردام، وهو ما فرض عليهن الانتظار لساعات، حيث تم اكتشاف كميات المخدرات المهمة التي كانت بحوزتهن، والتي كن ينوين تهريبها إلى خارج التراب الوطني عبر مطار محمد الخامس، هذا الأمر سيربك حسابات الجميع، على اعتبار أن ثلاث فتيات أخريات مازلن ينتظرن بالشقة المفروشة التي قطن بها بمدينة فاس دورهن في المغادرة، غير أن التحقيقات التي باشرتها فرقة مكافحة المخدرات بالتنسيق مع الشرطة القضائية بولاية أمن فاس، واعتمادا على تصريحات وأوصاف إحدى المتهمات اللائي انتقلت رفقة العناصر الأمنية إلى مدينة فاس، مكنت من تحديد مكان الشقة وتوقيف باقي الفتيات اللائي كن ينتظرن دورهن في المغادرة، لتتم عملية بحث ومطاردة لعناصر الشبكة الذين استقبلوهن داخل التراب الوطني داخل جميع الأماكن التي كانوا يترددون عليها، انطلاقا من نوع ولون وترقيم سيارة «بي إم» الهولندية التي كانوا يتنقلون بواسطتها. أمام اختفاء أعضاء الشبكة قامت فرقة محاربة المخدرات التابعة للفرقة الولائية للشرطة القضائية التابعة لولاية أمن البيضاء بإصدار مذكرة بحث وطنية في حق أربعة أشخاص بينهم زعيم الشبكة الذي يوجد فوق التراب الهولندي في حالة دخوله التراب الوطني وثلاثة أشخاص آخرين كانوا في استقبال الفتيات بالمغرب، وسهلوا عملية إقامتهن بمدينة فاس، وقاموا بتزويدهن بكميات المخدرات التي تم حجزها بمطار محمد الخامس وأشرفوا على جميع تفاصيل العملية في الشق المتعلق بالمغرب. إحباط هذه العملية الضخمة يظهر أن محاولات شبكات تهريب المخدرات لا تقتصر على المعابر الحدودية البرية كباب سبتة ومينائي طنجة وطنجة المتوسط، بل تشمل كذلك النقط الجوية، وفي مقدمتها مطار محمد الخامس، بالنظر إلى كثرة المسافرين الذين يمرون من هذا المطار المذكور في اتجاه الدول الأوربية بشكل يومي. حجز 500 كيلوغرام من الكوكايين والهيروين في سنة بالمطار تحول مطار محمد الخامس الدولي بضواحي الدارالبيضاء إلى وجهة مفضلة لتهريب المخدرات سواء من المغرب في اتجاه أوربا أو من دول أمريكا اللاتينية في اتجاه أوربا وإفريقيا، وأصبحت عمليات حجز المخدرات بالمطار المذكور عمليات روتينية لا يكاد يخلو منها أي أسبوع وخاصة المخدرات القوية القادمة من دول أمريكا اللاتينية بعد افتتاح خط جوي مباشر بين الدارالبيضاء والعاصمة البرازيلية ساوباولو. وحسب مصلحة الشرطة القضائية للمنطقة الأمنية لمطار محمد الخامس فإن العناصر الأمنية وعناصر الجمارك حجزت خلال النصف الأول من السنة الماضية 2014 ما يزيد عن 500 كيلوغرام من المخدرات القوية موزعة بين الكوكايين الذي احتل الصدارة والهيروين جميعها قادمة من دول أمريكا اللاتينية وخاصة من العاصمة البرازيلية ساوباولو. وأوضحت الشرطة القضائية للمنطقة الأمنية لمطار محمد الخامس أنها قامت بعمليات نوعية لمحاربة التهريب عبر مطار محمد الخامس، وأشارت إلى كمية الكوكايين المحجوزة وعدد المعتقلين الذين يحملون جنسيات 19 دولة هي المغرب، البيرو، نيكاراغوا، البرازيل، تركيا، البرتغال، ليبيريا، غينيا بيساو، جنوب إفريقيا، الكاميرون، سيراليون، ساحل العاج، غانا، الكونغو، الرأس الأخضر، غينيا، غينيا كوناكري ونيجيريا. وقد أصبح المغرب قبلة لعصابات تهريب المخدرات القوية خاصة من أمريكا اللاتينية نظرا لموقعه الاستراتيجي في إفريقيا وقربه من أوربا، مما سيفتح لها أسواقا جديدة خصوصا بعد تراجعها في أمريكا حيث السلطات ضاعفت من مجهوداتها لمحاربة المخدرات القادمة من المكسيك ودول أخرى في أمريكا اللاتينية. حجز 16 طنا من الحشيش في أنابيب بلاستيكية بميناء البيضاء في سياق الحرب على المخدرات نجحت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية نهاية السنة الماضية بالدارالبيضاء، في إحباط عملية لتهريب المخدرات عبر حجز كمية كبيرة من مخدر الشيرا. وتعد هذه الكمية جزءا من إجمالي حمولة، حجز منها بميناء العاصمة الاقتصادية، 16.659 طنا من المخدر نفسه كانت معبئة بشكل محكم على شكل صفائح داخل 329 قناة بلاستيكية تستخدم لتصريف المياه على متن إحدى الحاويات التي كانت معدة للتصدير. ونفذت بناء على مذكرة إخبارية من مديرية الشرطة القضائية بالرباط تفيد بالإعداد لعملية تهريب المخدرات انطلاقا من ميناء الدارالبيضاء نحو بلد عربي. وأدت التحقيقات إلى اكتشاف الكمية الأولى من المخدرات، في الوقت الذي كان فيه فريق آخر من المحققين يقوم بتحريات ميدانية أسفرت عن كشف هوية صاحب الكمية الأولى (56 سنة)، وإلقاء القبض عليه مساء اليوم نفسه، واعترف بدوره بمساعده الرأس المدبر لهذه الشبكة. ومكنت التحقيقات الأولية مع الشخص الثاني، الذي ألقي القبض عليه أيضا من معرفة كمية إضافية مخبأة بمستودع بأحد أحياء المدينة، التي تقدر ما بين 7 و8 طن من مخدر الشيرا حسب التقديرات الأولية. موضحة أن أحد الموقوفين (56 سنة) له سوابق عدلية للأسباب نفسها بالناظور حيث نشأ، وينتمي لشبكة دولية منظمة تقوم بتهريب المخدرات من المغرب إلى الخارج عبر الميناء تحت غطاء شركات وهمية. واتبع المروجون الطريقة ذاتها التي استعملت فيها قنوات بلاستيكية، باستثناء فارق واحد، هو لجوؤهم، إلى لف المخدرات في ورق من الرصاص كحيلة لخداع مراقبي الميناء المشرفين على جهاز الماسح الضوئي «السكانير». ووضع المحققون أيديهم على العديد من الوثائق المزورة لشركات وهمية يستخدمها أعضاء الشبكة في عملياتهم، كما تم حجز هويات مزورة، ومبالغ مالية من العملة المحلية والعملات الأجنبية والعديد من الخواتم، وهواتف محمولة وسيارتين. وتعود أكبر عملية حجز للمخدرات بالميناء نفسه إلى أبريل من سنة 2009، حيث تمكنت عناصر الجمارك من حجز أزيد من 32 طن من مخدر الشيرا. وفي سنة 2012، استطاعت مصالح الجمارك بالميناء نفسه عبر عمليتين منفصلتين (يونيو ويوليوز)، من حجز 5.7 طن من الشيرا مخبأة في حمولة أكياس من ورق التغليف، و 3.7 طن تم اكتشافها وسط مربعات الزليج. مخبر *: منطقة البرنوصي يجتمع بها أكبر عدد من تجار المخدرات كان إلى وقت قريب من بين أعين الأمن التي لا تنام، وكان واحدا من العدسات المثبتة في كل مكان، شارك في عمليات مداهمات وصفت ب«الضخمة» وشارك في اعتقال تجار مخدرات وصفوا ب»الصيد الثمين»، يضبط لغة الأمنيين حتى تخاله أنه خريج المعهد الملكي للشرطة، ويتذكر أياما مضت كان يقود فيها فرقا أمنية مختلفة لوضع اليد على فوهة لبركان الجريمة وتوزيع المخدرات بالبيضاء، الآن أصبح مهددا ككثير ممن سبقوه للمهنة بالسجن بعد أن جرى الانتقام منه بمساطر مرجعية وراءها تجار مخدرات وبعض من رجال الأمن الذين وضع ضدهم شكاية لدى الوكيل العام للملك، والذي أحاله بدوره على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للتحقيق في صحة ما يدعيه. - بداية كيف تعاملت مع رجال الأمن كمخبر يمكن أن يساعد على كبح جماح الجريمة؟ بعد العمل في عدة شركات التقيت أحد الأصدقاء من مسؤولي الأمن ليقترح علي العمل معهم نظرا لمعرفتي بخبابا عدد من النقط السوداء كالبرنوصي والقطاعات الهامشية من دور صفيح وأحياء تحيط بحزام الفقر للدار البيضاء، وهي المناطق التي تشهد انتشارا أكبر لتجار المخدرات بكل أنواعها انطلاقا من الأقراص المهلوسة ثم مخدر الشيرا وصولا إلى القنب الهندي و«المعجون». انطلقت أول العمليات مع رجال الأمن بالفرقة الولائية الجنائية التي كنت غالبا ما أقودها إلى الأزقة الخفية والأماكن التي عادة يتخذ منها «البزناسة» حصنا لتخزين بضاعتهم وترويجها، أول العمليات كانت في 2011 حين جرت مداهمة مستودع لتخزين الأقراص المهلوسة ومادة الشيرا، حيث جرى اعتقال مروج مخدرات معروف بلقب «الصيصر» بالحي الصفيحي المعروف باسم «كاريان طوما»، والذي يعتبر من بارونات المخدرات على صعيد جهة الدارالبيضاء، وبعد توالي عمليات التعاون مع الفرقة الولائية الجنائية بالدارالبيضاء، جرى الانتقال إلى كبح جماح «البزناسة» في مناطق أخرى كابن امسيك سيدي عثمان وحي مولاي رشيد وقطاع الفداء درب السلطان والحي المحمدي، إذ غالبا ما كنت أشارك في عمليات الاعتقال وحملات المداهمة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أكبر مردودية كانت لفرقة محاربة المخدرات بقيادة ضابط كان يرأس الفرقة ومعروف بلقب «لقيمي» الأمر الذي مكننا من تفكيك خيوط أكبر شبكة للاتجار في المخدرات على صعيد مدينة الدارالبيضاء، كما تم تفكيك شبكة كبيرة لسرقة الدراجات النارية، وهي العملية التي حضرها المدير العام لمديرية الأمن الوطني. - كيف يمكن أن تفسر ظاهرة اختراق «بزناسة» لرجال الأمن؟ لا بد من الإشارة إلى أن هناك بعض رجال الأمن الفاسدين، منهم من صدرت في حقه عقوبات تأديبية ومنهم من لا يزال يمارس مهامه، ورغم العقوبات التي تقضي بتنقيل بعض رجال الأمن كعقاب تأديبي، لاحظت عودتهم إلى الأماكن التي كانت تحت نفوذهم لاستغلال سلطتهم أو ممارسة دور الوسيط بين تجار المخدرات وبعض رجال الأمن. - هل يمكنك تصنيف خارطة انتشار تجارة المخدرات بالبيضاء؟ بحكم سنوات العمل التي قضيتها مع رجال الأمن وتحركاتهم يمكن اعتبار منطقة البرنوصي نقطة يتجمع بها أكبر عدد من تجار المخدرات، نظرا لضمها لعدد من الأحياء الهامشية والتجمعات السكنية ودور الصفيح ك«كاريان طوما» و«الرحامنة» و«السكويلة»، إضافة إلى منطقة مولاي رشيد التي تضم الحي العشوائي الهراويين، والذي تقع مساحة كبيرة منه تحت نفوذ عناصر الأمن، في حين توجد مساحة أخرى تحت نفوذ رجال الدرك الملكي. وللإشارة فقط فهناك من يجري اعتقاله من تجار المخدرات ويتخذ من السجن حصنا جديدا للإشراف على تجارته من الداخل، حيث يمارس مهامه من داخل الزنزانة عبر الهاتف مستعينا بأعوانه أو أشقائه أو الوسطاء الذين يشتغلون معه دون أن تطالهم أيدي الأمن. - كيف تحولت من مخبر معروف بالدارالبيضاء إلى مبحوث عنه بموجب مسطرة مرجعية؟ حتى نضع القارئ في الصورة فمافيا تجار المخدرات لا يمكن رصد كل خيوطها، إذ يمكنهم التحكم في خارطة البيع وحتى في بعض رجال الأمن، فحين تداهم عناصر الأمن بمعية مخبر قطاعا غير تابع لها فإن رجال الأمن التابعين للقطاع لا يستسيغون عمليات المداهمة، إذ يحسب وكأنهم لا يقومون بعملهم بجدية، الأمر الذي يخلف لديهم استياء عادة من المخبرين الذين يضبطون خارطة تجار المخدرات وتحركاتهم وحتى مزوديهم وزبنائهم. حين عملت مع الفرقة الولائية للشرطة القضائية والمخول لها التنقل من المحمدية إلى منطقة بوسكورة لم يستسغ بعض الأمنيين مباشرة حملات تمشيطية داخل المناطق التي تقع تحت نفوذهم، نظرا للتقارير الأمنية التي عادة ما ترفع إلى المديرية العامة للأمن الوطني بخصوص اعتقال تجار مخدرات أو حجز كميات مهمة من «الحشيش»، والتي توضح مجهود كل فرقة على حدة. المسطرة المرجعية جاءت كرد فعل انتقامي من أمن البرنوصي، ويمكن أن تكون مساطر مرجعية أخرى محلية بدعوى أنهم لا يعرفون الهوية الكاملة للمبحوث عنه حتى لا تكون مذكرة بحث وطنية، الأمر الذي جعلني أتقدم قبل صدور المسطرة المرجعية التي فطنت إلى أمرها بشكاية ضد أحد تجار المخدرات الذي توعدني بالسجن، وبعدها بشكاية إلى الوكيل العام للملك ضد بعض رجال الأمن بخصوص تزوير محرر رسمي وتلفيق تهمة الاتجار في المخدرات وتسهيل والتواطؤ مع تجار مخدرات بالمنطقة، وهي الشكاية التي أحيلت على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، ومازالت لحدود الساعة لم يجر النظر فيها رغم أنها مزودة بأدق التفاصيل وتحمل أرقام هواتفي الخاصة. وقد تقدمت بشكاية تذكيرية ثانية للوكيل العام للملك، تتضمن تفاصيل كل الشكايات السابقة وأرقامها المرجعية، ومعلومات عن رجال الأمن الذين تعاملت معهم، قصد الاستماع إلي من طرف عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بعد أن تبين لي رغبة بعض تجار المخدرات وبعض من رجال الأمن بالزج بي وراء القضبان نظرا لعملي خلال فترة معينة بكل تفان مع رجال أمن معينين. - كيف تلقيت بعض ردود أفعال رجال الأمن الذين كنت تمدهم بالمعلومة التي تساعدهم في عملهم اليومي؟ الأمور التي توصلت إليها بخصوص المداهمات وتفاصيل عمل تجار المخدرات بالدارالبيضاء لا يعرفها أحد غيري، علما أني اشتغلت مع مصالح مختلفة من بينها مصلحة الاستعلامات العامة بالبرنوصي وعدد من رؤساء المصالح الأمنية، الأمر الذي كلفني عداوات كثيرة سواء مع بعض رجال الأمن أو تجار المخدرات الذي حاولوا الانتقام مني بطرقهم الخاصة. ولا بد من الإشارة هنا إلى بعض رجال الأمن وليس الكل والذين يعمدون إلى التواطؤ مع تجار مخدرات بعدم تسجيل مساطر مرجعية في حقهم رغم ذكر أسمائهم أثناء الاستنطاق، إذ غالبا ما يجري تدوين ألقاب غير موجودة أصلا حين اعتقال مستهلكين، الأمر الذي يجعل متابعة بعض أباطرة المخدرات أثناء اعتقالهم مخففة، إذ لا تسجل في حقهم مذكرات بحث كثيرة، لأن اللقب وحده دون ذكر الهوية كاملة لا يتيح إمكانية البحث في الوقت الذي تبقى فيه الهوية مجهولة، وهو الأمر الذي يجعل عددا كبيرا من تجار المخدرات يعملون لسنوات دون أي مذكرات بحث في حقهم. وجدير بالذكر أن الانتقام من المخبر يكون بطرق مختلفة، إذ عادة ما يكون اتفاق بين تجار المخدرات على ضرورة ذكر اسمه في المحاضر بأنه وسيط أو مشارك في الاتجار في المخدرات حتى يتخلصوا من الأعين التي تراقبهم، إضافة إلى أن هناك لوبي يعمل ضد بعض رجال الأمن الشرفاء، إذ عادة ما يبدأ الأمر بتوجيه رسائل مجهولة ضدهم حتى يجري تنقيلهم من نقط معينة تزدهر فيها تجارة المخدرات. - ما تعليقك على فيديو نشرت «المساء» تفاصيله يصور تجار مخدرات بوجوه مكشوفة؟ هناك بعض تجار المخدرات الذين أصبحوا أسياد أحياء ومناطق معينة، ولا بد من الإشارة إلى أن أي تاجر مخدرات لا يمكن أن يعمل طويلا دون علم رجال الأمن وفرق مكافحة المخدرات، فلا يخفى على أحد ظاهرة الارتشاء أو ما يعرف لدى تجار المخدرات ب«شراء لبلاصة». * أشهر مخبر يتحدث عن أباطرة الحشيش بالبيضاء وتورط أمنيين وخارطة انتشار المخدرات الهراويين.. جنة تجار المخدرات الفارين من العدالة 9 مبحوث عنهم بموجب مذكرة بحث وطنية ظلوا يمارسون أنشطتهم المحظورة بالمنطقة بمقهى شهير بحي لالة مريم يلقبه أبناء الحي ب«قهوة شلوخ» يحتشد العشرات من أصحاب الدراجات النارية الصينية بخوذاتهم السوداء وسترات خاصة تقيهم قساوة البرد، أغلب زبناء أصحاب الدراجات الصينية من رواد سواق الجملة المتاخم للمقهى الذي شملته إصلاحات والترخيص ببناء طابق ثاني لسكان حي لالة مريم المعروف بالدارالبيضاء. إلى جانب زبناء أصحاب الدراجات النارية المعروفين بلقب «الخطافة» هناك زبناء من نوع خاص لا يمكنهم الاستعانة بخدمات سيارات الأجرة أو حافلات النقل الحصري، لأن وجهتهم تنطلق من حي لالة مريم وتمر من دروب ومنعرجات وأزقة ضيقة ومنازل عشوائية آيلة للسقوط وأشياء أخرى، وصولا إلى ما يعرف ب»الكراوي» أو أحصنة «البزناسة» التي يسيطرون عليها بقبضة من حديد. الرحلة ابتدأت حين انتحلنا صفة مستهلك حاجته شديدة «لطريفة مزيانة» من الحي المتواري عن الأنظار الهراويين، قرب «مقهى شلوخ» اخترنا دراجة نارية صاحبها يرتدي سترة عسكرية توحي بأنه من قدماء المقاومين، وبكلمتين فقط فهم الرسالة حين بادرت إلى القول «أولاد ملوك» «الكروة». مرور عابر عبر الحي يوحي بأن الأمور ليست على ما يرام هنا، فملامح الحي العمرانية لا يمكن تصنيفها، إذ أن العشوائية تطغى على المباني، كما أن الأزقة الضيقة التي قد تكون لها بداية ولا نهاية لها، تعطي انطباعا بأن الحياة هنا ليست طبيعية، نظرة فوقية على الحي تعطي إحساسا بأنه كان معركة لحرب حامية الوطيس، إلى درجة أن البعض يشبهها بما وقع للشيشان بعد حربها مع الروس، وهو اللقب الذي انتزعه الحي منذ تشييد أول بناية عشوائية فوق ترابه. بنايات تبدو وكأنها قصفت بالطائرات بعد أن تدخلت السلطة لهدمها أو هدم جزء كبير منها بعد أن بناها أصحابها ليلا، وأخرى تبدو علامات الترقيع بادية عليها، إذ تختلف ألوان جدرانها، كما أن منها من بني بأنواع مختلفة من الأجور، وعلى مراحل. تتبعنا خطوات رصدتها كاميرات أحد القناصة، والذي كان سببا في تدخل الوكيل العام للملك بفتح تحقيق معمق بخصوص شريط مصور توصل إليه يرصد مشاهد غير مسبوقة لتجار مخدرات ب»شيشان» الدارالبيضاء بوجوه مكشوفة يتاجرون في واضحة النهار بمنطقة معروفة باسم «الدار الحمرا» والتي تقع بتراب الهراويين.. حسب الشريط المصور الذي تتوفر «المساء» على نسخة منه فإن 9 مبحوث عنهم بموجب مذكرات بحث وطنية مازالوا يمارسون أنشطتهم المحظورة في قطاع الهراويين التابع للمنطقة الأمنية مولاي رشيد. زيارتنا للمنطقة جاءت بعد صدور تعليمات من الوكيل العام للملك بالدارالبيضاء إلى عناصر بفرق مكافحة المخدرات وعناصر الفرقة الولائية بولاية أمن أنفا، والتي انتقلت إلى المكان الذي صور فيه تجار المخدرات وهم يمارسون عملهم المحظور بوجوه مكشوفة، وجرى اعتقال عدد من المستهلكين وبعض المشتبه فيهم، في الوقت الذي لم يجر اعتقال أي من المبحوث عنهم، والذين بسطوا نفوذهم بالمنطقة وأصبحوا من بين بارونات المخدرات المعروفين بالدارالبيضاء. مصدر «المساء» قال إن مذكرات بحث وطنية عممت على المصالح الأمنية تحمل أسماء المبحوث عنهم بكل من الهراويين والبرنوصي والحي الحسني، وهي النقط التي تعرف انتشارا غير مسبوق لمروجي المخدرات، الذين فضحهم الشريط الذي قدم رفقة شكايات في الموضوع إلى الوكيل العام للملك بالدارالبيضاء. أحد أبناء المنطقة حكى لنا بتفاصيل عن الحملة التمشيطية التي باشرتها عناصر الفرقة الولائية للشرطة القضائية، وكيف نجا مفتش شرطة بمنطقة الهراويين من الموت، بعد أن وجه له تاجر مخدرات، خلال عملية إيقافه، طعنتين، الأولى تجاه بطنه تفاداها المفتش بأعجوبة، والثانية أصابته بجروح في وجهه، قبل أن يتمكن من شل حركته وإيقافه. وقاوم المتهم المبحوث عنه بموجب ست مذكرات بحث على الصعيد الوطني رجال الأمن قبل أن يستل سلاحه الأبيض ويطعن شرطيا بزيه المدني. وتبين أن دوار ملوك المعروف بالهراويين شهد حادث إنزال أمني كبير بعد تعليمات الوكيل العام للملك دون اعتقال تجار المخدرات الذين رصدتهم كاميرا خفية لأحد القناصة. وتمكنت الفرقة الجنائية وقسم مكافحة المخدرات، من إيقاف متهم تبين بعد تنقيطه أنه قضى عقوبات حبسية عديدة، آخرها سنتان حبسا بسجن عكاشة بعد صدور أزيد من 17 مذكرة في حقه، تنوعت بين الاتجار في المخدرات والسرقة بالعنف. سكان الهراويين أو الدار الحمرا كما يحلو للبعض تسميتهم غالبا ما يستفيقون على جريمة، أو صوت رصاص يلعلع في السماء، بعد أن يشهر تاجر مخدرات سيفا في وجه رجال الأمن رافضا الامتثال إليهم، مستغلا تشعب الأزقة وعدم انتظامها، وكذا صعوبة المسالك بها، من أجل الهرب، إذ أصبح من المألوف مشاهدة طابور يضم العشرات من المستهلكين يحتشدون أمام نافذة ضيقة لانتظار دورهم لشراء «الهنشولة» وهو الاسم الذي يطلق على قطع الشيرا من الصنف الرديء أو غير الجيد، علما أن «البزناسة» المحترفين يتعاملون فقط بالهاتف ومع زبناء يعرفونهم حق المعرفة ولا يفتحون بابا جديدا للهواة الذين تقودهم الصدف للبحث عن ما يسمى ب»الذهبية». التقسيم الترابي لمنطقة الهراويين وتخصص الدرك في شطر منها والشرطة في الشطر الثاني يجعل بعض المجرمين يلعبون على خط التماس، إذ أن بعضهم، خاصة تجار المخدرات، يختبئون في نفوذ الشرطة حتى لا تطولهم يد الدرك الملكي أو العكس. كما أن عشوائية البنايات تدفع مجرمين قادمين من أحياء أخرى إلى الاختباء في حي الهراويين، بعد أن تحرر في حقهم مذكرات بحث. أثناء وجودنا بأحد المقاهي العشوائية الخاصة بتدخين الشيرا بالدار الحمرا، كان عاديا أن نسمع من مستهلكين حكايات لضباط شرطة يحفظونهم بالاسم يتقاضون عمولات تقدر بمليوني سنتيم كل أسبوع كرشوة، إضافة إلى ذكر اسم عميد ممتاز يترأس فرقة مكافحة للمخدرات، وكيفية شراء «الكروة» ونوع الهدايا التي تصل بعض رجال الأمن المتواطئين مع «البزناسة». من بين الأسماء التي يتداولها كل المستهلكين والتي تبين من خلال تحقيق «المساء» أنها مبحوث عنها بموجب مذكرات بحث وطنية «ولد الداودية» الذي قال أحد المستهلكين المعروفين لدى جميع تجار المخدرات، إنه وسيط بين عدد كبير من تجار المخدرات ورجال الأمن، إضافة إلى آخرين ك»ولد البوعار» و»ولاد الكزار» وهي الألقاب الشهيرة بالشيشان والتي لا يمكن أن تطرحها بالحي المذكور دون أن تجد إجابات يستعصي على القلم تدوينها بالكامل. بحي «الشيشان» الذي تتداخل دروبه الضيقة مع أطرافه وحدوده ستحس وكأنك خارج «ميتروبول» البيضاء، ملامح شباب أدمنوا الشيرا، لانتشار ملفت للنظر ل»البزناسة» بالمنطقة، ورجال عصفت بملامحهم دواليب الزمن وآخرين لا يجيدون تكلم شيء غير لغة «البزناسة» كالبلانطوات» وهم مساعدو البزناسة» و»الحلوة» وهو الاسم الذي يطلق على الحشيش الجيد. محمد أكضيض*: بارونات المخدرات بالمغرب يسعون دائما إلى اختراق الأجهزة الأمنية بواسطة المال قال إن بعض رجال الأمن كانوا يسهلون عمل شبكات الاتجار في المخدرات - هل هناك استراتيجية معينة للمديرية العامة للأمن الوطني لمحاربة الاتجار في المخدرات بشكل عام؟ أولا يمكن أن أشير إلى أن الاستراتيجية ترتبط ببعض الإكراهات دائما، ويمكن أن نشير أولا إلى ظاهرة الحبوب المهلوسة التي ترتبط في كثير من الأحيان بالجارة الجزائر، والتي تبين في أكثر من مرة أنها تغرق السوق بالحبوب المهلوسة، ما عجل بظهور جرائم بشعة هزت الأسر والعائلات المغربية، سواء التي كانت ضحية للحبوب أو التي صدر منها الفعل لأبنائها، فالأمر أصبح واضحا على أن الجارة الجزائر في عدائها للمغرب أصبحت تستغل الوضع بطرح أكبر كميات من الحبوب داخل المغرب، وبالتالي فإن الآلة الأمنية تحركت وتحركت معها الآلة السياسية، وتم ضبط كميات غير مسبوقة من الحبوب المهلوسة بوجدة والدارالبيضاء من طرف مصالح الأمن رغم صعوبة وضع اليد على تجار احترفوا الإجرام، ويعمدون إلى تغيير طريقتهم في الاتجار ونهج أساليب جديدة تتطور مع تطور عمل المديرية العامة للأمن الوطني. ورغم المجهود الكبير الذي تقوم به الأجهزة الأمنية لمحاربة الاتجار الدولي في المخدرات، ورغم الجهود التي قامت بها الدولة في محاربة تهريب الأقراص المهلوسة أو زراعة القنب الهندي، والتي نالت اعترافا دوليا في العديد من التقارير، إلا أن الوضع الجغرافي للمغرب باعتباره منطقة العبور لأوربا، والتحديات التي تطرحها محاربة زراعة القنب الهندي في المناطق التي لم تدخلها التنمية، والتطلعات الاستراتيجية للشبكات الدولية التي تراهن على المغرب باعتباره منطقة عبور أساسية للمخدرات من أمريكا اللاتينية إلى أوربا، كل ذلك أصبح يلح على ضرورة أن يتم التفكير في استراتيجية مندمجة لا تتحمل الدولة وحدها المسؤولية في إنتاجها وتفعليها، وإنما يتطلب الأمر أن يكون المجتمع بمكوناته وقواه الحية في قلب هذه الاستراتيجية، وأن تنفتح الاسترتيجية لتضم، إلى جانب المقاربة الأمنية، المقاربة التربوية والتثقيفية والدينية والصحية والتنموية، ويضطلع الدعاة والعلماء والمدرسة وأطر وزارة الصحة بدورهم في محاربة هذه الظاهرة، وتتحمل الدولة والجماعات المحلية مسؤوليتها في تنمية المناطق التي تحارب فيها زراعة القنب الهندي مثلا. وإن تكلمنا عن المخدرات الصلبة فالمغرب ليس منتجا لهذه المادة، بل يعتبر نقطة عبور ونرى كيف نجحت المصالح الأمنية في إحباط عمليات تهريب بمطار محمد الخامس، كما نجح ولاة أمن جدد في مناطق بالشمال كطنجة في محاربة الاتجار في المخدرات الصلبة بشكل ملحوظ، نظرا للتعيينات الجديدة التي كانت في الاتجاه الإيجابي. أما فيما يخص مادة الحشيش فيمكن ربط الاستراتيجية بتواتر عمليات الكشف عن شبكات الاتجار الدولي في المخدرات، وفي هذا السياق يمكن أن ندرج تمكن الفرق المركزية لمكافحة المخدرات من تفكيك شبكات دولية لتهريب المخدرات، وتمكن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من محاربة الشبكات الإجرامية المتخصصة في التهريب والاتجار الدولي في المخدرات. - هل يمكن أن نتحدث عن اختراق تجار مخدرات لأجهزة أو فرق أمنية معينة؟ أولا يجب أخذ العبرة بما حصل في الماضي، بالإشارة إلى عدد من رجال الأمن الذين بالفعل جرى اختراقهم بطرق غير مشروعة، نظرا لجاذبية المال كما يفسر المصطلح الخبراء الاقتصاديون، إذ ثبت تورط بعض رجال الأمن كانوا يسهلون عمل بعض شبكات الاتجار في المخدرات في فترة معينة، غير أنه بعد ظهير 2010 الخاص بالمديرية العامة للأمن الوطني والذي حسن من منظومة الأجور ووفر كرامة العيش لرجال الأمن، والظهير الخاص بمؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لرجال الأمن، والذي جاء بمجموعة من المشاريع منها مصلحة الطب النفسي وتوفير السكن لرجال الأمن، إضافة إلى الاستفادة من خدمات القطار بأثمنة تفضيلية والإعلان عن خارطة طريق اجتماعية جديدة، ناهيك عن دور المفتشية العامة للأمن، والتي تغير أداؤها بشكل إيجابي من خلال التعامل مع الظاهرة، إذ تحركت في إطار إرادة جديدة وصرامة، سواء من أطرها أو من المدير العام للأمن الوطني. ولا يمكن أن ننكر أن شبكات التهريب الدولي للمخدرات وخلايا الترويج لها داخل المغرب تسعى إلى أن تتقوى وتتعزز عن طريق اقتحام أجهزة الأمن والدرك من خلال جلب بعض عناصرها وتمكينهم من رشاوى مهمة للبقاء بعيدا عن أعين الدولة وعن مساطر المتابعة الجنائية، لذا فإن المفهوم الجديد للحكامة الأمنية يفرض نفسه بإلحاح للقضاء على ظاهرة اختراق الأجهزة الأمنية من طرف بارونات المخدرات والإرهاب عن طريق الإرشاء والابتزاز واستغلال النفوذ. - كيف يمكن للمساطر المرجعية أن تزج بأبرياء سواء من رجال أمن أو متهمين بالاتجار في المخدرات في السجن؟ أولا لا بد من الإشارة إلى أن المساطر المرجعية كانت سببا في الزج بأطر في الأمن خلال فترة معينة في السجن من خلال ملفات كيدية تتعلق بالاتجار في المخدرات، وهي فعلا مأساة عاشوها وكنت قريبا من هذه المعاناة، وللإشارة فإن المرحلة التي تحركت فيها الملفات الكيدية تحركت الآلة الأوربية لتتهم رجال سلطة بالتواطؤ مع شبكات مخدرات، إذ أنجزت مساطر معينة في عهد مدير عام سابق لم يكن قادرا على استيعاب من أخلصوا في العمل، غير أن القضاء كان في سقف توقعات الكثير من الأبرياء الذين جرى إنصافهم لتطوى الصفحة وتستعاد هبة الدولة وهبة رجال الأمن. ويمكننا الحديث عن المادة 290 التي أعطت الحجية للمحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية، في شأن التثبت من الجنح والمخالفات يوثق بمضمونها إلى أن يثبت العكس، بأي وسيلة من وسائل الإثبات. على اعتبار أن القيمة القانونية لهذه المحاضر وحجيتها أمام المحاكم، هذه الحجية تبدو في الجانب القانوني ضامنة للحقوق والحريات، فإن مجال التطبيق العملي يحبل بالكثير من التأويلات والتناقضات التي تطبع كيفية إعداد هذه المحاضر والنقائص التي تعتريها، لا من حيث شكلياتها، ولا من حيث تضمينها للوقائع والجرائم كما وقعت وبالطريقة التي وقعت، خاصة في النقطة المتعلقة بالمساطر المرجعية وانعكاساتها السلبية على حرية المواطنين، والتي يعتبر فيها اعتراف متهم على متهم الوسيلة الوحيدة لإثبات التهمة. * إطار أمني سابق