مولاي اسماعيل العلوي، رجل اجتمعت فيه كل الهويات والتقت عنده كل التوجهات المتناقضة، بانسجام.. فهو الشريف العلوي، والمناضل الشيوعي، وحفيد الإسلامي (عبد الكريم الخطيب)، وابن الباشا، أمه حفيدة الكباص، وزير الحرب والصدر الأعظم، وخاله (عبد الرحمان الخطيب) وزير الداخلية، وابن خالته (حسني بنسليمان) أقوى جنرالات المملكة... على «كرسي الاعتراف»، يُقر مولاي اسماعيل بأن شخصيته تأثرت بثلاث شخصيات: «أبي الذي ألهمني الجدية والاستقامة؛ وجدتي لأمي، للا مريم الكباص، التي كانت شخصية قوية، وكانت تحارب الخرافات إلى درجة أنها كانت تنكر وجود الجن؛ وخالي عبد الرحمن الخطيب (وزير الداخلية الأسبق) الذي ألهمني فكر الحداثة والعقلانية». على «كرسي الاعتراف»، يحكي مولاي اسماعيل عن الوعي الوطني الذي «داهمه» وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، عندما احتل العساكر الفرنسيون بيتهم في سلا، عقب انتفاضة يناير 1944، وكيف كانت الأميرات، كريمات محمد الخامس، يسألنه وهو طفل، عند زيارتهن لبيت جدته في الجديدة، عن انتمائه الحزبي فيجيب: «أنا حزبي مخزز» (يعني استقلالي حتى النخاع). ثم يتوقف مولاي اسماعيل طويلا عند استقطابه من طرف السينمائي حميد بناني إلى الحزب الشيوعي، وكيف أن والده، الرجل الصارم، لم يفاتحه في الموضوع، ولكنه بكى -في غيابه- بحرقة على تحول ابنه إلى الشيوعية. في «كرسي الاعتراف»، نتطرق مع مولاي اسماعيل العلوي إلى تجربته السياسية والإنسانية الغنية بالأحداث والأفكار. - في 1975 عقدتم مؤتمرا حزبيا، وغيرتم اسم الحزب من التحرر والاشتراكية إلى التقدم والاشتراكية، هل كان ذلك بموافقة من النظام؟ لقد كان تغيير الاسم ضرورة، لأن المحكمة كانت قد قضت بحظر حزب التحرر والاشتراكية اعتبارا لكونه امتدادا للحزب الشيوعي المغربي، فكان علينا أن نجد اسما بديلا لحزبنا، هكذا جاء اسم التقدم والاشتراكية. - ماذا فعلتم عندما اكتشف رفيقكم مراد أقلعي أن قاعة المسرح البلدي الجديد بالدار البيضاء، «قاعة محطة الساتيام»، مزروعة بالعديد من أجهزة التنصت التي وضعتها الاستخبارات؟ عندما عثر الرفيق والصديق مراد أقلعي، الذي كان خبيرا في مجال الاتصالات، على عدد من الميكروفونات وغيرها من أجهزة التنصت، قمنا بانتزاعها أو، بالأحرى، انتزاع ما تمكنا من تحديده، فمما لا شك فيه أننا لم نكتشف سوى بعض منها، وضعناها في حقيبة خارج القاعة و»اللي بغا ديالو يجي وراه» (يضحك)... - رغم أنه لم يكن لديكم ما تخفونه في هذا المؤتمر، فإن النظام حرص على التجسس عليكم؟ طبعا، لم يكن لدينا ما نخفيه، حتى إن تقرير السي علي يعتة دام لسبع ساعات، إلى درجة أنه تطلب منه يومين لإتمام كتابته... - خلال هذا المؤتمر التأسيسي لحزب التقدم والاشتراكية، انتخبتَ أنت ولأول مرة عضوا في الديوان السياسي، لكن بصفتك عضوا مساعدا؛ ما حكاية هذه الصفة؟ عضو مساعد، يعني في طور التدريب... - هل كانت هذه الصيغة من إبداعكم أنتم، أم كانت شكلا تنظيميا في الأحزاب الشيوعية؟ منصب العضو المساعد كان معروفا لدى الأحزاب الشيوعية. - على مستوى القاموس السياسي، الملاحظ أنكم الحزب الوحيد في المغرب الذي كان يسمي جهازه التنفيذي بالديوان السياسي وليس المكتب السياسي أو غير ذلك؛ لماذا اعتماد هذا المفهوم الفارسي؟ «أنا منين دخلت للحزب صبت الديوان السياسي»، والديوان أحسن من المكتب «Le bureau»، فالديوان يعكس وجود نقاش وعمل جماعي، وهو ما كان بالفعل يميز حزبنا وطريقة اتخاذ القرارات داخله؛ ففي الفترة التي اعتقل فيها عبد الرحيم بوعبيد (في 1981، بعد رفضه قرار الحسن الثاني تنظيم استفتاء حول الصحراء)، كان السي علي بعتة يحمل نفس موقف السي عبد الرحيم بوعبيد، إذ كان يرفض، هو أيضا، تنظيم استفتاء حول الصحراء، تأكيديا كان أو غير تأكيدي، لأن الأمر يتعلق بتحرير الوطن. هذا الموقف لم تتفق بشأنه أغلبية أعضاء الديوان السياسي... - كانت الأغلبية مع تنظيم الاستفتاء؟ نعم، كنا نعتقد أن رفض تنظيم الاستفتاء هو رد فعل سطحي، لأنه يعتبر أن تقرير المصير يعني تنظيم استفتاءات، ولو عدنا إلى نصوص لينين وغيره في هذا الباب فسنجد أن تقرير المصير لا يكون بالضرورة عن طريق الاستفتاء. - ما هي الأشكال الأخرى التي يمكن أن يأخذها تقرير المصير؟ يمكن أن يكون بالمساهمة التلقائية في الحياة الوطنية كما هو حاصل الآن في مناطقنا الجنوبية الغربية. - لنعد إلى موقف علي يعتة الرافض لإجراء الاستفتاء... لقد تطرقنا لهذا الموضوع في سياق الحديث عن طريقة اشتغالنا داخل الديوان السياسي، فعندما وجد السي علي نفسه معزولا بسبب موقفه، انضبط لرأي الأغلبية. - انضبط فنجا من الاعتقال؟ ممكن.. ممكن. - علي يعتة كان له كتاب حول الصحراء تكلفت أنت بوضع مقدمة له؟ الكتاب ألفه السي علي في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وطبع في 1971. - ولماذا اختارك أنت لتقدم للكتاب؟ «وعلاش لا» (يضحك) أنا كان يهمني الجانب التاريخي والجغرافي، كما أن السي احمد الغرباوي ساهم في كل ما هو جغرافي وطبيعي.. - هل كان كتابا جماعيا؟ لا، السي علي هو صاحب المبادرة وهو الكاتب، لكنه استعان بكل من كانت له دراية بالموضوع، وكان لي أنا شرف تقديم الكتاب في مقر اتحاد كتاب المغرب بالرباط، أمام ممثلي الصحافة الدولية والسفارات. - ومع ذلك، تم منع الكتاب... نعم، مُنع من الصدور والتوزيع، وكأن النظام أراد أن يقول لنا إن قضية الصحراء «ماشي شغلكم». - من كان وراء المنع؟ لا أعرف. يمكنني أن أقول لك إن السي محمد الشرقاوي (صهر الحسن الثاني) كان متفقا مع مضامين الكتاب وضد قرار منعه. - لنعد إلى المؤتمر التأسيسي لحزب التقدم والاشتراكية؛ فخلاله ناقشتم الجدوى من آلية المركزية الديمقراطية التي كنتم دائما تعتمدونها؟ Le centralisme démocratique (المركزية الديمقراطية) كان من الأركان الأساسية لكل الأحزاب التي انضمت إلى الأممية الثالثة، وبقدرما تشبثنا به في المؤتمر الأول للتقدم والاشتراكية، كنا واعين بنقائصه... - وأساسا عبد الله العياشي؟ نعم، السي عبد الله العياشي كان يقول: «Le centralisme démocratique.. beaucoup de centralisme et très peu de démocratie « (المركزية الديمقراطية.. كثير من المركزية وقليل من الديمقراطية)، وكان معه حق. - يحكى أنه أعطاكم مثلا طريفا للتدليل على نقائص المركزية الديمقراطية... نعم، قال إن شخصا يخطب في جماعة من القوم من شرفة عالية، يمكن أن يبصق عليهم، لكن إذا بصقوا هم عليه فإن بصاقهم يرتد إليهم.