ربما تكون القيادة العسكرية الإسرائيلية أصابت صيدا ثمينا عندما أطلقت صواريخ طائراتها العمودية على سيارتين قرب حدود الجولان المحتل، داخل الأراضي السورية كانتا تقلان ستة من كوادر حزب الله، بينهم ابن الشهيد جهاد عماد مغنية، وستة إيرانيين، بينهم الجنرال محمد علي الله دادي، ولكن الأمر المؤكد أن الانتقام حتمي، وأن الثمن سيكون غاليا، والرد سيأتي مزلزلا وأكبر، وأسرع مما يتصوره الكثيرون. السيد حسن نصر الله، زعيم المقاومة في لبنان، توعد قبل أكثر من عام بفتح جبهة الجولان، ولا نعتقد أن هذا الفريق من كبار القادة اللبنانيين والإيرانيين كان هناك في نزهة وإنما لإعداد هذه الجبهة كنقطة انطلاق لأعمال مسلحة على غرار ما حدث في جنوبلبنان وقطاع غزة، وربما نرى تسخينا لهذه الجبهة، شبه المنسية، في ما هو قادم من أيام، وبشكل لم يخطر على بال الإسرائيليين وحلفائهم. إسرائيل باتت أكثر قلقا من أي وقت مضى لأنها لا تعرف أين سيكون الرد على جريمتها وكيف، وبأي نوع من الأسلحة؟ هل سيأتي من جنوبلبنان، أم في هضبة الجولان المحتلة، أم في خارج فلسطين؟ وبأي طريقة سينفذ.. بالصواريخ أم بطائرات «أيوب» بدون طيار أم بعبوات ناسفة تزرع على الحدود في مزارع شبعا، أم عبر أنفاق سرية عبر الحدود تصب في العمق على غرار ما فعله مقاومو قطاع غزة من أبناء القسام؟ الرعب الذي تعيشه إسرائيل حاليا تحسبا للانتقام أكثر إيلاما من الانتقام نفسه، فعندما يقول اللواء محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري الإيراني: «إن على إسرائيل أن تنتظر صاعقة مدمرة»، ويضيف أن «الحرس الثوري مستمر في تقديم الدعم العميق للمقاتلين والمجاهدين المسلمين في المنطقة حتى مسح جرثومة الفساد من الجغرافيا السياسية للمنطقة»، فإن من حق إسرائيل أن تشعر بالقلق والرعب؛ وما يدل على ندمها على الإقدام على جريمة الاغتيال هذه وتنصلها من بعض جوانبها قول مسؤول فيها: «إنها لم تقصد اغتيال الجنرال دادي، واعتقدت أن السيارتين تقلان وفدا منخفضا من مقاتلي حزب الله». الجريمة كانت حتما موجعة لحزب الله وإيران معا، القوتان الأكثر خطورة في المنطقة، ليس من حيث عدد الشهداء، وإنما أيضا لحدوث اختراق أمني أدى إلى تقديم معلومات عنها إلى الإسرائيليين، ولذلك فإن الرد محسوم، قد يفتح أبواب نار جهنم على دولة الاحتلال، ومن غير المستبعد أن تتطور الأمور إلى حرب موسعة، رغم فتاوى بعض الخبراء العسكريين العرب والإسرائيليين على شاشات التلفزة التي تقول إن الطرفين لا يريدانها. انتظار تنفيذ حكم الإعدام أكثر رعبا من الإعدام نفسه والوقوف أمام المقصلة، خاصة إذا طال هذا الانتظار، فالمجرم المدان لا يعرف متى سيتم إيقاظه فجرا للوقوف أمام الجلاد، وهذا هو حال إسرائيل الآن، قيادة وشعبا، أو هكذا نعتقد. الجنرال أمير بارام، المسؤول العسكري عن منطقة الجليل الأعلى التي تضم ربع مليون مستوطن، استدعى عمداء القرى والمدن (جمع عمدة) ورؤساء المجالس البلدية يوم الاثنين إلى مقره العسكري، ووجه إليهم تعليمات الطوارئ، وأمر بفتح الملاجئ تحسبا لكل الاحتمالات. المشكلة بالنسبة إليه، وإلى قادته الأعلى درجة، أن احتمالات الانتقام متعددة كما ذكرنا، لكن أبرزها احتمال وجود أنفاق سرية تحت الحدود اللبنانية الإسرائيلية وما أطولها، وأنا شخصيا زرت «متحف» المقاومة وحرب عام 2006، في بلدة «مليتا»، في جنوبلبنان قبل عامين، وشاهدت نموذجا عن هذه الأنفاق التي استخدمتها قوات المقاومة، مثلما شاهدت مقبرة دبابات الميركافا، فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية، وتذكرتها، أي الأنفاق، أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عندما شاهدنا رجال «القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»؟ يخرجون من تحت الأرض وسط موقع عسكري إسرائيلي شمال القطاع ويقتلون كل من فيه ويصورون العملية ثانية بثانية من ألفها إلى يائها بكل ثقة ورباطة جأش، ويستولون على الأسلحة ويعودون سالمين. فإذا كان هذا هو إنجاز «التلاميذ»، فكيف سيكون إنجاز الأساتذة الذين دربوا رجال «حماس» على هندسة الأنفاق هذه، مثلما دربوهم على فنون الحرب الأخرى، ومن بينها تصنيع الصواريخ والطائرات بدون طيار؟ أيام إسرائيل القادمة صعبة، محفوفة بالمخاطر، فلم تعد قيادتها تملك زمام المبادرة، ولم تعد الضربة الأولى الساحقة التي تحسم فيها الحروب في ساعاتها الأولى مثلما حدث في حرب يونيو عام 1967، وجزئيا عام 1973 فاعلة، كما أن أعداءها الجدد طلاب شهادة وأكثر استعدادا وتسليحا، وتكفي الإشارة إلى أسرة مغنية، رجالا كانوا أو أشبالا، الذين لا يذهبون إلى الجامعات لتعلم الطب والهندسة وإنما إلى أكاديمية واحدة، وهي أكاديمية الشهداء، مهتدين ببوصلتهم التي لا تخطئ وهي فلسطين، وندعو لهم بالرحمة والانتقال إلى جنات الخلد، ولعمري إنهم يستحقونها عن جدارة. عبد الباري عطوان