قال صاحبي بلهجة العارف المتمكّن: «نتخاطر معاك، أن ما يسمى ب«سخانة الحلّوف» مؤامرة أمريكية تستهدف الشعب المكسيكي المنكوب، لذلك فضَّل المِريكان تسميتها ب»الحمَّى المكسيكية» انتقاما من جيرانهم الذين يسبّبون لهم متاعبَ جمَّة، مادام فقراء المكسيك يحاولون يوميّا التّسلل إلى الأراضي الأمريكيةالمكسيكية سابقاً، بحثا عن الفردوس المفقود؛ ودليلي على ذلك أنه منذ حوالي قرنين من الزمن، اجتاح وباءٌ قاتل بلدان أوربّا فأطلقوا عليه اسم «الحمى الإسبانية» لكون إسبانيا، آنذاك، كانت هي الحلقة الضّعيفة في القارة والحائط القصير الذي يمكن لأي عابر أن يقفز فوقه. وهذا ما تريد إسبانيا، في يومنا هذا، أن تفعله بنا». قلت لصاحبي: «نظرية المؤامرة قد تكون مفيدة أحياناً في فهم ما غاب من حقائق بفعل التعتيم، لكنها لا تشرح كل شيء. ولعلك محق في الاستنجاد بها طالما أن أحداً لم يفسّر لنا حقيقة الأوبئة التي اجتاحت عالمنا الحالي ابتداء من السّيدا ووصولاً إلى «حمّى الخنازير» مروراً ب«أنفلونزا الدجاج» و«جنون البقر»، وغداً ربّما سيتهمون الماعز بفيروس «الجهل لكحل». فبالنسبة إلى السّيدا، مثلا، فإنهم حاولوا في البدء إلصاقها بالقردة، ولكن ليس بأي فصيلة من القردة، إذ فضّلوا تحميل المسؤولية لقردة إفريقيا ولقبائل الشّامبانزي والغوريلاّ «اللّي ما عَرفات باشْ تبلاَتْ» طيحو عليها الباطل (مثل ما حصل مع العراق وأسلحة الدّمار الشامل)، هذه التهمة لو صدقت لتعرضت القردة في إفريقيا إلى جرائم إبادة شاملة تؤدي إلى انقراضها. لكن صاحبي قاطعني متسائلا: «ألا ترى أن السياسة بنت لحرام هي فنّ التوقيت، وأن توقيت الإعلان عن انتشار بعض الأوبئة والأمراض الخطيرة، التي تمت عََوْلَمتُهَا هي أيضاً، يأتي دائما في ظرفية تسودُ فيها الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية التي لم يجد لها المسؤولون الحقيقيون عنها أي حلّ؟ وألم تلاحظ أن الإعلان عن «حمّى الخنازير» جاء في وقت انهزمت فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية في العراق وأفغانستان، وتستعد فيه إسرائيل لشن هجوم «وقائي» ضد إيران، بعد أن نفضت يدها تماما من قبول أي حل ولو كان ترقيعيا للمسألة الفلسطينية، فمشروعها الحقيقي هو إبادة الشعب الفلسطيني؟ وهل لاحظت معي أن الولاياتالمتحدة سارعت إلى الإعلان عن كونها إحدى أكبر ضحايا «حمى الخنازير»، بعد المكسيك طبعا، فيما بادرت إسرائيل إلى إخبارنا بأنها هي أيضا لم تَسْلم من الوباء بالرغم من كونها «نظاما» بوليسيّا بامتياز؟ ألا يعني هذا التّزامن في الإعلان عن الإصابة بالوباء أن هناك «تحالفا»، نسبة إلى الحلوف، من أجل الإعداد لطبخة جهنمية جديدة على نار هادئة، بعد أن يكون العالم وإعلامه وشعُوبُه منشغلين بالحديث عن الوباء الحَلُّوفي الجديد وعواقبه المرعبة، فيما الوباء الصهيوني هو الخطر الحقيقي على الكرة الأرضية وعلى الإنسانية جمعاء، ووباء «المتحالفين» وهم يَشْحذون السكاكين ويرسمون بدقة الأهداف المدنية قبل العسكرية التي ستتعرض لقصف طائراتهم وصواريخهم الكيماوية وأسلحتهم الجرثومية التي لا يمكِن مقارنة فتكها وضراوتها بجراثيم الدجاج والبقر والحلوف وباقي الحيوانات المُتَّهمة، كما لا يمكن مقارنة جنون البشر «الحلفاء» ب«جنون البقر»». وخلص صاحبي إلى القول: «قل ما شئت عن «نظرية المؤامرة»، إلاَّ أنني متأكد من أن مّالينْ الشكارة في وول ستريت قد فطنوا إلى أن الأزمة الخطيرة، التي افتعلوها وسنؤدي جميعا ثمنها، قد حولت الأرض إلى كوكب لن يتمكن من إطعام كل بني البشر، ف»أبدعوا» وباء «حُمّى الخنازير» حتى يتمكنوا، وبأبخس الأثمان، من إبادة شعوب بأكملها ليخلو لهم الجو ويبيضوا (ذهباً) ويمرحوا دون وجع دماغ من المستضعفين في الأرض. قلت لصاحبي مواسيا: «هناك روايات عالمية كثيرة تناولت سير علماء مجانين اخترعوا أسلحة فتاكة وأوبئة من أجل السيطرة على شعوب أخرى وانقلبت عليهم ودمرتهم. ولعل كل هذه الجراثيم والفيروسات التي تحفل بها المختبرات العسكرية في دول الهيمنة العالمية قد أفلت بعضها من عقاله وأصبح يهدد البشر في حياته وبقائه واستمراره. لكن ألا ينقلب السحر على الساحر... ومتى يفلح الساحر حيث أتى؟