كثيرة هي الوسائل التي يتم توظيفها في خوض المعارك الانتخابية، سواء كانت محلية أو جهوية أو برلمانية. ومن أهم هذه الوسائل التي يتم اللجوء إليها، وخاصة في ما يتعلق بالانتخابات التشريعية، استغلال الجماعة الترابية، وأساسا الجماعات القروية منها؛ لهذا نجد العديد من الأحزاب السياسية كثيرا ما تضع على رأس اللوائح التي تقدمها في الانتخابات التشريعية رؤساء جماعات ترابية. ومن أجل توفير حظوظ أكبر لنجاح لوائحها، فإنها لا تتردد في تعزيز هذه اللوائح بأسماء تشغل هذا المنصب في جماعات ترابية أخرى. وتعتبر جهة الغرب الشراردة بني حسن من الجهات التي عرفت انتشارا واسعا لهذه الظاهرة. 1 - على المستوى الجهوي.. استغلال واضح لمنصب رئيس الجماعة الترابية كثيرا ما شكلت ظاهرة ترشح رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة منها القروية والحضرية، للبرلمان، موضوع انتقاد شديد من طرف متتبعي الشأن الانتخابي من نخب سياسية ومدنية وثقافية؛ فهذه الظاهرة إذا كانت تقطع الطريق في كثير من الأحيان أمام نخب وكفاءات جديدة حتى لا تتحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي، فإن الكثير من رؤساء الجماعات لم يتورعوا عن تسخير إمكانات الجماعات التي يرأسون مجالسها في أهداف انتخابية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالانتخابات البرلمانية. وتجسد جهة الغرب الشراردة بني حسن نموذجا لانتشار هذه الظاهرة، حيث تشير نتائج الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011، إلى أنه من بين 70 لائحة خاضت هذه الانتخابات، كان عدد رؤساء الجماعات الذين وضعوا على رأس اللوائح كوكلاء يقدر ب21 رئيسا، أي ما يمثل نسبة 30 % من مجموع رؤساء اللوائح المقدمة في هذه الانتخابات في هذه الجهة. كما أن 32 رئيس جماعة، أي 45,71 %، تقدموا لهذه الانتخابات، 11 منهم كوصيف لائحة أو عضو في اللائحة. إن انتشار ظاهرة إقبال رؤساء الجماعات الترابية على الانتخابات البرلمانية وتهافتهم على مركز وكيل لائحة، من جهة؛ ولجوء أغلبية كبيرة من وكلاء اللوائح إلى تعزيز لائحتهم بمرشحين، هم إما رؤساء جماعات أو أعضاء فيها في أغلب الأحيان، من جهة ثانية، يجدان تفسيرهما في كون الجماعات التي يديرون مجالسها، تشكل قاعدة انتخابية كثيرا ما تسهل مأموريتهم في المرور إلى البرلمان. كما تبرز النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات المذكورة أنه من بين 15 برلمانيا في هذه الجهة، يشغل تسعة، أي 60 %، منصب رئيس جماعة ترابية، الشيء الذي يؤكد أن منصب رئيس الجماعة يوفر فرصا قوية للمرور إلى قبة البرلمان. 2 - الدائرة الانتخابية القنيطرة.. نموذج يفضح توظيف منصب رئيس الجماعة في العملية الانتخابية عندما نرصد قائمة المترشحين في الدائرة الانتخابية القنيطرة، وخاصة على مستوى وكلاء اللوائح، نلاحظ أن جزءا لا يستهان به من هؤلاء هم رؤساء جماعات ترابية، إما قروية أو حضرية، بل إن بعض اللوائح المقدمة تضم أكثر من رئيس جماعة؛ ففي هذه الانتخابات، تقدم ستة رؤساء جماعات ترابية، من بينهم أربعة اختيروا كوكلاء لوائح، ثلاثة منهم رؤساء جماعات قروية، ويتعلق الأمر بوكيل لائحة الأصالة والمعاصرة الذي يرأس المجلس الجماعي المكرن، ومرشح الاتحاد الدستوري وهو رئيس الجماعة القروية عامر السفلية، ثم مرشح حزب الاستقلال ورئيس الجماعة القروية المناصرة؛ أما المرشح الرابع فكان رئيس الجماعة الحضرية القنيطرة وكيل لائحة العدالة والتنمية. كما نجد أن لائحة الاتحاد الدستوري شملت، أيضا، مرشحين آخرين رؤساء للجماعتين القرويتين بنمنصور والجماعة القروية سيدي محمد بنمنصور. وإذا كان من الصعوبة بمكان التسليم بإمكانية تأثير منصب رئيس الجماعة على الكتلة الناخبة داخل المجال الحضري، من قبيل مدينة القنيطرة، لعدة اعتبارات تتعلق بارتفاع مستوى الوعي السياسي، فإن الوضع يختلف عن ذلك في الوسط القروي، ذلك أن النتائج التي حصل عليها وكلاء اللوائح رؤساء الجماعات القروية في الدائرة الانتخابية القنيطرة تبرز أن شغل منصب رئيس المجلس الجماعي القروي له آثار واضحة على نتائج الانتخابات، وخاصة بالنسبة إلى وكيل اللائحة في الجماعة التي يرأس مجلسها حيث يحصد أغلبية أصواتها، في الوقت الذي لا يحصل فيه إلا على عدد ضئيل من الأصوات قد لا يتعدى بضع عشرات في أحسن الأحوال في الجماعات المجاورة، مما يعني أن الكثير من رؤساء اللوائح رؤساء جماعات ترابية، خاصة في المجال القروي، يستغلون منصب رئيس الجماعة في استمالة أصوات الكتلة الناخبة في جماعته. ونظرا إلى ما يمكن أن يلعبه منصب رئيس جماعة في كسب أصوات الجماعة التي يرأس مجلسها القروي، فإن الكثير من وكلاء اللوائح لا يترددون في تقديم إغراءات مالية ضخمة لرؤساء جماعات قروية على الخصوص من نفس الدائرة الانتخابية مقابل الترشح ضمن لائحتهم الانتخابية. ووعيا من بعض المترشحين بالدور الذي يلعبه منصب رئيس الجماعة في استمالة جزء كبير من أصوات الجماعة التي يرأس مجلسها، فقد حرصت عائلاتهم على أن تضمن وجودها في أكثر من جماعة من خلال توزيع الأدوار ما بين أفرادها بشكل يضمن مصالح العائلة وتمثيليتها في أكبر عدد من المؤسسات المنتخبة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو جهوية أو على المستوى التشريعي؛ لهذا نجد أن عدة جماعات ترابية يتولى تسييرها أفراد من نفس العائلة. ثلاث لوائح تجسد هذه الظاهرة خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، بلغ عدد اللوائح المتنافسة 21 لائحة، أربعة منها يقودها ست رؤساء جماعات ترابية، لكن ثلاثة لوائح منها كانت تتشكل من خمسة رؤساء جماعات قروية. ويرأس وكلاء هذه اللوائح الجماعات الترابية المكرن والمناصرة وعامر السفلية. لهذا سيكون تركيزنا بالأساس على ما حصلت عليه هذه اللوائح في هذه الجماعات القروية الثلاث. الجماعة القروية المكرن: - في هذه الجماعة، قدم حزب الأصالة والمعاصرة كوكيل للائحته رئيس الجماعة القروية المكرن. وقد بلغ عدد الأصوات التي حصل عليها هذا المرشح في الدائرة الانتخابية القنيطرة ما مجموعه 8224 صوتا منها 4912 صوتا بالجماعة القروية المكرن. اي ما يمثل نسبة 59,72 % من مجموع الأصوات المحصل عليها. وإذا أخذنا بعين الاعتبار مجموع الناخبين في جماعة المكرن الذين يقدر عددهم ب12616 ناخبا، فإن ما حصل عليه مرشح الحزب داخل الجماعة التي يرأس مجلسها الجماعي يمثل نسبة حوالي 39 %. وبهذا العدد من الأصوات تمكن من احتلال المرتبة الأولى داخل جماعة المكرن. وإذا تمكن هذا الحزب من احتلال المرتبة الأولى أيضا في الجماعة القروية اولاد اسلامة بحصوله على 1332 صوتا، فإن ذلك راجع وبشكل كبير إلى اعتبارين اثنين: - كون جماعة اولاد اسلامة تعتبر، من الناحية المجالية، امتدادا للجماعة القروية المكرن والتي تعتبر الجماعة الأم قبل التقطيع الجماعي لسنة 1992. ترشيح أحد أعضاء هذه الجماعة كوصيف في لائحة الحصان. غير أن النتائج المحصل عليها في باقي الجماعات القروية المجاورة جاءت كما يلي: 22 صوتا في الجماعة القروية بنمنصور و3 أصوات بالجماعة القروية الحدادة و29 صوتا في الجماعة الحضرية المهدية و82 صوتا في الجماعة القروية عامر السفلية. الجماعة القروية المناصرة: - أما في الجماعة القروية المناصرة فإن حزب الاستقلال قدم كوكيل لائحته رئيس الجماعة القروية المناصرة الذي استطاع أن يحصل على المرتبة الأولى في الجماعة التي يرأس مجلسها بحصوله على 3644 صوتا من بين 7529 صوتا حصل عليها داخل الدائرة الانتخابية القنيطرة، أي ما يمثل نسبة 48,39 %. كما يمثل هذا العدد، أيضا، نسبة 27,41 % من مجموع عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية للجماعة والبالغ عددهم 13292 صوتا. - أما ما حصل عليه الحزب في باقي الجماعات القروية فيبقى ضعيفا؛ ففي الجماعة القروية بنمنصور، وهي جماعة مجاورة، حصل الحزب على 706 صوتا فقط وفي المكرن على 58 صوتا وفي اولاد اسلامة على 46 صوتا وفي الحدادة على 50 صوتا وفي سيدي الطيبي على 77 صوتا. وهذا يعني أنه إذا استثنينا جماعة لمناصرة، فإن حضور الحزب داخل الوسط القروي يبقى ضعيفا. وفي المجال الحضري، حصل الحزب على 2781 صوتا داخل مدينة القنيطرة. هذا العدد من الأصوات جعله يتبوأ المرتبة الثالثة من بين 21 لائحة تنافست في هذه الانتخابات، بعد كل من حزب العدالة والتنمية الذي جاء في المرتبة الأولى وحزب البيئة والتنمية المستدامة الذي جاء تاليا وكان رجل الأعمال الحاج ميلود الشعبي وكيل لائحته.. بينما حصل في المهدية على 115 صوتا فقط. من خلال هذه المعطيات، يتبين أن ما حصل عليه الحزب من أصوات داخل المجال القروي كان داخل الجماعة القروية لمناصرة، ويمكن تفسير ذلك بمكانة وكيل لائحته الذي يرأس مجلسها الجماعي. لكن عدد الأصوات المحصل عليها داخل مدينة القنيطرة لا يخلو من أهمية، مما يعكس أن حزب الاستقلال له حضور خاص داخل هذه المدينة جعله يأتي في المرتبة الثالثة بعد كل من حزب العدالة والتنمية وحزب البيئة والتنمية المستدامة. عبد الله صدقي بطبوطي * باحث في إعداد التراب والتنمية المحلية