لقد أشرت في مقال سابق لي، منشور على أعمدة الصحف الوطنية وكذا بالعديد من الجرائد الإلكترونية، حول موضوع "أي إصلاح لأنظمة التقاعد في غياب المقاربة التشاركية مع النقابات؟"، إلى أن أنظمة التقاعد بالمغرب تتسم بالتعدد وعدم التقارب والانسجام في ما يخص الجوانب المؤسساتية ونظام الحكامة ومقاييس العمل المعتمدة. وكان المجلس الأعلى للحسابات قد وقف على اختلالات هذه الأنظمة، وعمل على إصدار تقرير يتعلق ب"منظومة التقاعد بالمغرب.. التشخيص ومقترحات الإصلاح"، حيث خلص التقرير إلى ضرورة التعجيل بالقيام بمسلسل من الإصلاحات العميقة لنظام التقاعد على المدى القصير والمتوسط والطويل، كما خصص مجلس النواب جلسة عمومية لمناقشة العرض الذي تقدم به الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات. وحسب تقرير المجلس، فإن وضعية الأنظمة الأكثر هشاشة ستزداد سوءا إذا لم تتدخل السلطات العمومية بشكل عاجل للقيام بإصلاحات شاملة وعميقة وجريئة. كما أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عمل على بلورة توصيات تسعى إلى تحسين واستكمال التدابير المقترحة من قبل الحكومة، بحيث خرج، مباشرة بعد الإضراب الوطني الذي شهده المغرب يوم 29 نونبر 2014، بتقرير مفصل بشأن المعاشات المدنية، أكد فيه أن المقاربة المنهجية لا تقتصر فقط على التدابير المقياسية لنظام المعاشات التي تقترحها الحكومة، بل يوجه تحليله في اتجاه إغناء رؤية مهيكلة ومتكاملة لإشكالية منظومة التقاعد بالمغرب، عبر دراسة مختلف جوانبها، وذلك في ضوء رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتضامن والإنصاف الاجتماعيين والحفاظ على مصالح الأجيال القادمة. وإشكالية منظومة التقاعد لا تتعلق بالمغرب فقط، بل هي إشكالية عالمية تفرض نفسها بإلحاح، باعتبارها أولوية سياسية واقتصادية واجتماعية في العديد من دول العالم. إن أنظمة التقاعد المتنوعة بالمغرب، تم إنشاء كل واحدة منها في مرحلة معينة، بهدف تغطية شريحة خاصة من السكان، إلا أن نسبة هذه التغطية الأخيرة ضعيفة، حيث إن مجموع الأنظمة (حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات) لا تغطي سوى 33 % من مجموع السكان النشيطين، أي ما يناهز 3.4 ملايين نسمة من أصل 10.5 ملايين نسمة، وهذا النقص في الانخراط يرجع بالأساس إلى سببين: الأول، مرتبط بعدم تصريح المشغلين بأجرائهم في القطاع الخاص؛ والثاني، عدم استفادة غير الأجراء والموظفين والمستخدمين من أي تغطية في مجال التقاعد، أمام انتشار الاقتصاد غير المهيكل. وهذه الأنظمة المتنوعة والمختلفة أحدثت خلال فترات وبشكل تدريجي، حيث امتدت من سنة 1930 إلى سنة 1977. وبرجوعنا إلى هذه الأنظمة الرئيسية الأربعة، فإننا نجد كلا من الصندوق المغربي للتقاعد CMR الذي أنشئ سنة 1930، والصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR الذي أحدث سنة 1949، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS الذي أحدث سنة 1956، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد RCARالذي أنشئ سنة 1977. وعلى غرار الأنظمة الأربعة سالفة الذكر، نجد عدة مؤسسات عمومية عملت على إحداث صناديق تقاعد داخلية خاصة بمستخدميها، واتسمت بغياب التدبير السليم لتوازناتها وباحتياطات مالية غير كافية لتأمين الالتزامات؛ وفي بعض الحالات، شكلت هذه الأنظمة الداخلية عبئا ثقيلا على التوازنات المالية للمؤسسة المعنية. وقد بذلت منذ التسعينيات مجهودات مهمة من أجل إغلاق هذه الصناديق الداخلية لبعض المؤسسات العمومية -حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات-. وإذا كنا قد تحدثنا في مقالنا السابق عن مقترح إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد CMR أمام ما عرفه هذا الأخير من اختلالات مالية وهيكلية، وكذلك ما عرفه هذا المقترح، الذي تقدمت به الحكومة يوم فاتح غشت 2014 على أنظار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في غياب أي مقاربة تشاركية مع النقابات، من رفض داخل الحركة النقابية المغربية، ومدى الانعكاسات الناتجة عن قرارات الحكومة الفردية في شأن إصلاح التقاعد، من مسيرات واحتجاجات وإضرابات، فإننا سنتعرض في هذا المقال لنظام التقاعد التكميلي الاختياري، أي الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR الذي أدرج ضمن أعمال اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد (أولا) ومدى استنفاد الصندوق لاحتياطاته المالية (ثانيا)، ثم كذلك مدى إمكانية لعب نظام هذا الصندوق التكميلي لدور نظام صندوق أساسي وإجباري (ثالثا): الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR أحدث الصندوق المهني المغربي للتقاعد Caisse Interprofessionnelle Marocaine de Retraite (CIMR) سنة 1949، على شاكلة جمعية لأرباب العمل، ويعمل حاليا طبقا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 376-58-1 الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958 الذي يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 75.00. ووفقا للفصل الأول من الظهير الشريف، فإن الجمعية هي "اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح في ما بينهم. وتجري عليها، في ما يرجع لصحتها، القواعد القانونية العامة المطبقة على العقود والالتزامات". ووفقا للمادة الأولى من النظام الأساسي للصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR، فإن الصندوق يهدف إلى تدبير نظام المعاشات لفائدة العاملين المأجورين، أو عند الاقتضاء لفائدة الفئة المحدد في عقد الانخراط مع الأشخاص المأجورين أو المعنويين المشغلين للعمال المأجورين. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يعمل الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR على جمع وتلقي المساهمات الخاصة بالمشغلين والأجراء وتقديم خدمات المعاشات إلى المنخرطين، وكذلك استثمار ودائع الصندوق في القيم والمنقولات والثابتة كامتداد لأنشطة الصندوق، إضافة إلى كل ما من شأنه المساهمة في تحقيق أهداف الصندوق. وقد جاء نظام الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR لمنح تغطية تكميلية لفائدة مستخدمي القطاع الخاص ذوي الأجر الشهري، حيث يعمل على تسيير نظام تكميلي اختياري لصالح أجراء القطاع الخاص، ويضمن للمنخرطين معاشات الشيخوخة وذوي الحقوق وكذا الامتيازات العائلية للمستفيدين من المعاشات. لقد أصبح الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR، بحكم الواقع، نظاما تكميليا اختياريا لنظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS. إن النظام الذي يدبره الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR يعتبر نظام معاش تكميلي ذي طابع اختياري يعتمد على اشتراكات محددة طبقا لنظام النقط، حيث يعتمد الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR منذ أواخر الستينيات على نظام النقط، الذي يصرف عند إحالة المنخرط على التقاعد، وذلك بناء على التقييم السنوي للنقاط التي راكمها المنخرط طيلة مدة اشتراكاته. ويقترح الصندوق المهني المغربي للتقاعد طريقتين لتصفية المستحقات، إما التخلي مع استرجاع رأس المال أو التخلي مع الحق في المعاش، وتتم إعادة مراجعة قيمة المعاشات بقرار صادر عن مجلس إدارة الصندوق. أولا، ملف الصندوق ضمن أعمال اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد: فضلا عن أن الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR يعتبر جمعية خاضعة لقانون الجمعيات، فقد أدرج ملف الصندوق ضمن أعمال اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، في الوقت الذي لا يخضع فيه للمقتضيات القانونية الواردة في مدونة التأمينات رقم 99-17. محمد المعاشي