«ما إن وقعت عيناي قبل أعوام خلت على أعمال الخطاط الأستاذ أبو زيد من مدينة فاس حتى أيقنت أن الرجل يرقد على خزين من الإبداع ومعرفة ثاقبة ومتعمقة بأسرار وخفايا ودقائق الخطوط الكوفية بكافة أدوارها ومراحلها وحقبها التاريخية والحضارية...»، هكذا تحدث الخطاط والباحث عامر الجميلي من كلية الآثار بجامعة الموصل (العراق)، وهو يقدم لمعرض الخطاط محمد عمر أبو زيد «نقوش من زمن المرابطين»، الذي احتضنه رواق محمد القاسمي بفاس في الفترة ما بين 20 و30 دجنبر 2014 بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية. أما الفنان المغربي عمر الدمناتي فقد نعت الفنان الشاب أبو زيد بأنه «فنان أصيل» و«شغوف بعوالم الخط العربي» و«فنون الزخرفة الإسلامية». الخطاط أبو زيد يبدو منشغلا، وهو يقدم لوحات المعرض، بإعادة الاعتبار للخط الكوفي المرابطي، وهو موروث، يقول الفنان الدمناتي، «غني بجماليته الأصيلة والمرتبطة بعناصر الهندسة المغربية الأندلسية». لكن ما حكاية هذا الخط الكوفي المرابطي الذي يقوم الخطاط أبو زيد بمجهودات لرد الاعتبار إليه؟ يقول أبو زيد، في تقديمه للمعرض، إن الكتابات المنقوشة على شكل أشرطة بجامع القرويين تكتسي أهمية خاصة في النظام الزخرفي والخطي المرابطي، فهي من العناصر الأكثر حضورا، حيث تعكس إبداع الخطاط المرابطي بدليل انصهار مختلف العناصر النباتية والهندسية والمعمارية، ولما دخل الموحدون مدينة فاس في سنة 1445 م، خاف فقهاء المدينة أن ينتقدوا عليهم تلك النقوش والزخارف التي فوق المحراب فعمدوا إلى طمسها بالورد والجبص، فاختفت تلك الزخارف وأصبحت بياضا قبل يوم واحد من زيارة الأمير عبد المؤمن بن علي لجامع القرويين لأداء صلاة الجمعة، وبقي هذا الكنز مختفيا عن أعين الناس حوالي ثمانية قرون ونصف أو يزيد، الشيء الذي أثار انتباه المؤرخين الذين كتبوا عن المواد التي استعملها الخطاط من أصبغة وذهب في إعداد عمله. ولكن أثناء ترميم الجامع في أواخر القرن الماضي تبين أنها كانت تعتمد الأحمر القاني والأزرق الناصع والبنفسجي الغامق، حيث بلغ الخط الكوفي من جمال التوزيع والزخرفة حدا يشهد بالثروة التي تحلى بها ذوق الخطاط المرابطي فأسدى للمعنيين بتاريخ الخط المغربي الشيء الكثير. الخطاط أبو زيد سبق له أن نال إجازة شيخ الخطاطين في المغرب، محمد المعلمي، وهو خطاط معروف في القصر الملكي، إلى جانب أسماء معروفة في المجال، من بينها أحمد المغراوي، رئيس اللجنة الوطنية لجائزة محمد السادس للخط المغربي، وجمال بنسعيد، وعلي الداهية، وهما خطاطان يعملان في القصر الملكي. وقد قال ل«المساء» إن اهتمامه بالخط الكوفي المرابطي يمليه عليه حبه ل«بصمة البلد» في فن الخط. وأضاف بأن مجهوداته ترمي إلى إعادة الاعتبار للخط المغربي.