منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    دعوة وزيرة السياحة البنمية لزيارة الداخلة: خطوة نحو شراكة سياحية قوية    الاحتيال على الراغبين في الهجرة السرية ينتهي باعتقال شخصين    حجز 230 كيلوغراما من الشيرا بوزان‬    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    لا زال معتقلاً بألمانيا.. المحكمة الدستورية تجرد محمد بودريقة من مقعده البرلماني    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    فوضى حراس السيارات في طنجة: الأمن مطالب بتدخل عاجل بعد تعليمات والي الجهة    ضمنهم طفل مغربي.. مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم بسكين بألمانيا والمشتبه به أفغاني    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    السكوري: نسخة "النواب" من مشروع قانون الإضراب لا تعكس تصور الحكومة    النصب على "الحراكة" في ورزازات    في درس تنصيب أفاية عضوا بأكاديمية المملكة .. نقد لخطابات "أزمة القيم"    عامل إقليم الجديدة يستقبل رئيس وأعضاء المجلس الإقليمي للسياحة    ميناء طنجة المتوسط يكسر حاجز 10 ملايين حاوية في سنة واحدة    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    المغرب يُحبط أكثر من 78 ألف محاولة هجرة غير نظامية في 2024    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    الشيخات داخل قبة البرلمان    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجرائم الدولية وحق الضحايا في جبر الضرر.. حالة حرب الريف‎
نشر في المساء يوم 29 - 12 - 2014


مصطفى ‬بن ‬شريف
تتوخى ‬هذه ‬الدراسة ‬أن ‬تكون ‬مقدمة ‬لنقاش ‬وتأمل ‬نريدهما ‬دقيقين ‬لفهم ‬حقيقة ‬حرب ‬الغازات ‬السامة ‬التي ‬عرفتها ‬منطقة ‬الريف (‬1921-1926) ‬وأنواع ‬الغازات ‬المستخدمة ‬وآثارها، ‬القريبة ‬والبعيدة، ‬على ‬السكان ‬المدنيين ‬وعلى ‬البيئة.‬
فقبل ‬سنة ‬1912، ‬وهو ‬العام ‬الذي ‬وُقعت ‬فيه ‬معاهدة ‬الحماية، ‬كان ‬المغرب ‬في ‬وضعية ‬مأزومة ‬سياسيا ‬واقتصاديا، ‬ومقسما ‬عمليا ‬إلى ‬كيانين ‬شبه ‬مستقلين، ‬هما ‬بلاد ‬المخزن ‬وبلاد ‬السيبة؛ ‬وهو ‬الانقسام ‬الذي ‬جلب ‬اهتمام ‬الاختصاصيين ‬بشكل ‬خاص.‬
فعلى ‬الصعيد ‬السياسي، ‬لم ‬تكن ‬السلطة ‬المركزية ‬الضعيفة، ‬التي ‬تواجه ‬باستمرار ‬احتجاجات ‬وصراعات ‬داخلية، ‬قادرة ‬على ‬بسط ‬نفوذها ‬على ‬كافة ‬التراب ‬المغربي؛ ‬فقد ‬كان ‬الحكم ‬عُرضة ‬للصراع ‬أو ‬للاقتسام ‬مع ‬سلطان ‬منافس، ‬مُدع ‬أحقيته ‬بالعرش ‬عوض ‬الجالس ‬عليه، ‬أو ‬كان ‬الحكم ‬مقتسما ‬بشكل ‬ضمني ‬مع ‬القادة ‬الحربيين ‬لبعض ‬القبائل.‬
من ‬هنا، ‬فإن ‬سلطة ‬السلطان ‬أو ‬المخزن ‬لم ‬يكن ‬لها ‬وجود ‬فعلي ‬سوى ‬في ‬المدن؛ ‬أما ‬في ‬المناطق ‬القروية، ‬في ‬الأطلس ‬كما ‬في ‬الريف، ‬فقد ‬كانت ‬مرفوضة ‬بالخصوص ‬بسبب ‬الطبيعة ‬القمعية ‬والقهرية ‬للحكم ‬المركزي ‬الذي ‬كان ‬المخزن ‬الشريفي ‬ممثلا ‬فيه ‬لجسم ‬الدولة. ‬كان ‬المخزن ‬يُنظر ‬إليه ‬كنظام ‬عتيق ‬تقليدي ‬تحكمه ‬مجموعة ‬من ‬القواعد ‬غير ‬المكتوبة ‬تتعلق ‬بالسياسة ‬أكثر ‬من ‬القانون، ‬وبذلك ‬لم ‬تكن ‬لها ‬أي ‬مرجعية ‬قانونية.‬
وفي ‬المقابل، ‬كانت ‬الأراضي ‬المتمردة، ‬بدرجة ‬أو ‬بأخرى، ‬على ‬سلطة ‬المخزن، ‬تحتضن ‬عموما ‬قبائل ‬بربرية ‬تخضع ‬لنمط ‬حياة ‬جماعية ‬وتضامنية ‬في ‬مواجهة ‬الغرباء. ‬وفيها ‬كانت ‬الحرية ‬تُرفع ‬كنظام ‬قيم ‬مقدس، ‬وهو ‬ما ‬جعلها ‬تحمل، ‬عن ‬غير ‬حق، ‬اسم "‬بلاد ‬السيبة" ‬أي ‬بلاد ‬الفوضى ‬واللانظام. ‬وهي ‬نظرة ‬ذات ‬نبرة ‬إيديولوجية ‬واضحة، ‬تمتح ‬من ‬الكتابات ‬السوسيولوجية ‬الكولونيالية، ‬التجارية ‬منها ‬والمالية ‬وأخيرا ‬العسكرية.‬
في ‬هذا ‬السياق، ‬نلاحظ ‬مسارين ‬اثنين: ‬يتمثل ‬الأول ‬في ‬التهدئة ‬على ‬طريقة ‬المارشال ‬ليوطي، ‬فيما ‬يستند ‬الثاني ‬إلى ‬اللجوء ‬إلى ‬القوة ‬العسكرية ‬التي ‬تبناها ‬المارشال ‬بيتان. ‬ومن ‬هنا، ‬يلاحظ "‬دانييل ‬ريفي" ‬أن "‬التكتيك ‬العسكري ‬لليوطي ‬تجاه ‬الريف ‬لم ‬يصبح ‬هجوميا ‬إلا ‬بعد ‬أبريل ‬1925".‬
على ‬الصعيد ‬الاقتصادي، ‬كانت ‬التشكيلة ‬السوسيو-‬اقتصادية ‬للمغرب ‬ما ‬قبل ‬العهد ‬الكولونيالي ‬تتمثل ‬في ‬نمطين ‬من ‬أنماط ‬الإنتاج: ‬نمط ‬إنتاج ‬مخزني ‬ونمط ‬إنتاج ‬قبلي؛ ‬وهو ‬تصور ‬قريب ‬جزئيا ‬من ‬نظرة ‬بول ‬باسكون ‬الذي ‬أشار ‬في ‬أطروحته ‬حول ‬حوز ‬مراكش ‬إلى ‬وجود ‬طبيعة ‬قبل ‬رأسمالية ‬لنمط ‬الإنتاج ‬المخزني ‬السائد.‬
بالنسبة ‬إلى ‬الريف ‬قبل ‬العهد ‬الكولونيالي، ‬كان ‬الوضع ‬يتسم ‬بانشقاق ‬دائم، ‬حيث ‬كان ‬السلطان ‬يُعتبر ‬رمزا ‬دينيا ‬وحكما ‬في ‬النزاعات ‬القبلية، ‬وليس ‬سلطة ‬مركزية ‬قمعية ‬وجامعة ‬للضرائب؛ ‬علاوة ‬على ‬أن ‬تدبير ‬المجموعات ‬البربرية ‬لم ‬يكن ‬يتطلب ‬هيكلا ‬إداريا ‬أو ‬عسكريا ‬لضمان ‬طاعتهم، ‬كما ‬أن ‬تشبثهم ‬بالحرية ‬والاستقلال ‬كان ‬يقودهم ‬إلى ‬اتخاذ ‬مواقف ‬معادية ‬لأساليب ‬المخزن ‬القسرية.‬
وفي ‬هذا ‬الصدد، ‬يقدم ‬ادريس ‬بن ‬علي "‬الدولة ‬المغربية ‬قبل ‬العهد ‬الكولونيالي ‬كهيئة ‬استغلال ‬ضريبي ‬ووسيلة ‬إنتاج ‬وتنظيم ‬إقطاعية"‬؛ ‬أما ‬بالنسبة ‬إلى "‬جاك ‬بيرك"‬، ‬فالدولة ‬المغربية ‬قبل ‬الكولونيالية ‬كانت ‬تتسم ‬بسلطة "‬مطلقة ‬في ‬المبدإ، ‬لكن ‬محدودة ‬في ‬الوسائل ‬بل ‬عاجزة ‬في ‬الواقع".‬
وجاء ‬الاستعمار ‬كعامل ‬تفتيت ‬لعلاقات ‬الإنتاج ‬وللتشكيلة ‬السوسيو-‬اقتصادية ‬المغربية. ‬وحسب ‬محمد ‬صلاح ‬الدين، ‬فإن ‬رفض ‬التغلغل ‬الرأسمالي ‬كان ‬مختلفا ‬لدى ‬نمط ‬الإنتاج ‬المخزني ‬عنه ‬لدى ‬نمط ‬الإنتاج ‬القبلي.‬
يتمثل ‬المسار ‬الكولونيالي ‬بالمغرب ‬في ‬مظهرين: ‬المظهر ‬السلمي ‬المتمثل ‬في ‬التغلغل ‬الاقتصادي ‬والذي ‬تلاه ‬المظهر ‬العسكري، ‬الذي ‬جاء ‬بعده ‬احتلال ‬وجدة ‬والدار ‬البيضاء ‬سنة ‬1907. ‬وبعد ‬أربع ‬سنوات، ‬حصل ‬احتلال ‬فاس ‬بالضبط ‬في ‬4 ‬ماي ‬1911؛ ‬فالمغرب، ‬بالنسبة ‬إلى ‬جيرمان ‬عياش، ‬كان ‬هدفا ‬مبكرا ‬للأطماع ‬الاستعمارية، ‬ولذلك ‬تأخر ‬دخول ‬الاستعمار ‬الفرنسي ‬له ‬إلا ‬بعد ‬سلسلة ‬من ‬الاتفاقات ‬الثنائية ‬بين ‬القوى ‬الأوربية ‬باستثناء ‬إسبانيا، ‬وهي ‬الاتفاقات ‬التي ‬أنهت ‬تلك ‬الصراعات ‬الداخلية.‬
أما ‬إسبانيا، ‬ولاعتبارات ‬جيو-‬سياسية ‬واقتصادية، ‬فستستفيد ‬من ‬حق، ‬اعترفت ‬به ‬فرنسا، ‬لمد ‬نفوذها ‬على ‬شريط ‬محدود ‬سمي ‬ب"‬منطقة ‬نفوذ" ‬عبارة ‬عن ‬حماية ‬مصغرة. ‬وانتهى ‬منطق ‬التوافق ‬بالفوز ‬على ‬الممارسات ‬الحربية ‬التي ‬طبعت ‬حتى ‬ذلك ‬الوقت ‬العلاقات ‬بين ‬القوى ‬الأوربية، ‬وهو ‬ما ‬سرع ‬عملية ‬التوسع ‬الاستعماري ‬في ‬إفريقيا ‬والرفع ‬من ‬وتيرة ‬استغلال ‬الثروات ‬الفلاحية ‬والمنجمية.‬
لم ‬تكن ‬المطامع ‬الإسبانية ‬في ‬المغرب ‬جديدة، ‬فقد ‬كان ‬الأخير ‬هدفا ‬قديما ‬تطور ‬مع ‬الظروف ‬وحسب ‬علاقات ‬القوة ‬بين ‬المتحاربين ‬والمنافسين، ‬وحسب ‬قدرات ‬المقاومة ‬المغربية ‬المدعومة ‬بتقاليده ‬الأصيلة ‬في ‬محاربة ‬الغزاة؛ ‬فطيلة ‬قرون، ‬قاوم ‬السعديون ‬محاولات ‬الغزو، ‬ثم ‬تلاهم ‬العلويون ‬الذين ‬جاؤوا ‬على ‬أساس ‬القاعدة ‬التي ‬تقول ‬إن ‬كل ‬شريفي ‬مهزوم ‬ينبغي ‬أن ‬يترك ‬موضعه ‬للشريفي ‬الأقدر ‬على ‬المقاومة.‬
ولإخضاع ‬المغرب، ‬تبنت ‬فرنسا ‬وإسبانيا ‬أسلوبا ‬تدريجيا ‬طبقا ‬لمبدإ "‬الاحتلال ‬الضيق"‬، ‬بدءا ‬من ‬معركة ‬إيسلي ‬سنة ‬1844، ‬التي ‬تلتها ‬معركة ‬تطوان ‬بعد ‬عشر ‬سنوات ‬تقريبا...‬
وفي ‬بداية ‬القرن ‬العشرين، ‬أخذت ‬الحملات ‬العسكرية ‬الإسبانية ‬والفرنسية، ‬طبقا ‬لمخطط ‬استعماري ‬متفق ‬عليه، ‬وتيرة ‬أكثر ‬سرعة، ‬انتهت ‬بمعاهدة ‬الحماية ‬التي ‬استغلت ‬انهيار ‬الدولة ‬المغربية ‬على ‬جميع ‬المستويات.‬
وهكذا ‬تم ‬توقيع ‬معاهدة ‬الحماية ‬بفاس ‬في ‬30 ‬مارس ‬1912 ‬من ‬طرف ‬السلطان ‬مولاي ‬حفيظ ‬باسم ‬المغرب ‬والممثلين ‬الرسميين ‬لفرنسا. ‬وبعد ‬تعيينه ‬مقيما ‬عاما ‬بالمغرب، ‬تبنى ‬الجنرال ‬ليوطي ‬سياسة ‬تهدئة ‬للتراب ‬المغربي ‬مستندة ‬إلى ‬نظام ‬مراقبة ‬أكثر ‬من ‬الإدارة ‬المباشرة، ‬وهو ‬خيار ‬تظهره ‬بوضوح ‬المذكرة ‬المتعلقة ‬بالتنظيم ‬المدني ‬التي ‬حررها، ‬بتعليمات ‬من ‬المقيم ‬العام ‬في ‬ماي ‬1913، ‬السيد "‬م. ‬تيرار"‬، ‬السكرتير ‬العام ‬للحماية. ‬ومما ‬جاء ‬في ‬هذه ‬المذكرة ‬أن "‬أسلوب ‬الإدارة ‬غير ‬المباشرة، ‬بعد ‬فترة ‬من ‬التردد ‬خلال ‬حملة ‬الغزو، ‬قد ‬تم ‬تبنيه ‬واتباعه".‬
وجدت ‬فرنسا ‬نفسها، ‬بعد ‬الحماية، ‬في ‬وضع ‬متقدم ‬مكون ‬من ‬عدة ‬امتيازات ‬في ‬المغرب، ‬بينما ‬ستتوفر ‬إسبانيا ‬على ‬إقليم، ‬على ‬شكل ‬منطقة ‬نفوذ ‬معترف ‬بها ‬رسميا، ‬طبقا ‬للفصل ‬الأول ‬من ‬معاهدة ‬الحماية "‬ستتشاور ‬حكومة ‬الجمهورية ‬مع ‬الحكومة ‬الإسبانية ‬حول ‬موضوع ‬المصالح ‬التي ‬لهذه ‬الأخيرة ‬بحكم ‬موقعها ‬الجغرافي ‬من ‬المخزن ‬الشريفي ‬بعد ‬إصلاحه". ‬أما ‬مدينة ‬طنجة، ‬فإن ‬وضعها ‬الخاص ‬كمدينة ‬دولية، ‬خاضعة ‬لإدارة ‬مشتركة ‬بين ‬القوى ‬الأوربية ‬الكبرى، ‬سيتم ‬الحفاظ ‬عليه. ‬وفي ‬تعليقه ‬على ‬الفصل ‬الأول ‬من ‬معاهدة ‬الحماية، ‬يقول ‬جيرمان ‬عياش ‬إن "‬معاهدة ‬فاس ‬جعلت ‬من ‬السلطان ‬دُمية ‬بينما ‬جعلت ‬من ‬المقيم ‬العام ‬عاهلا ‬مطلقا".‬
تقسيم ‬التراب ‬المغربي ‬تم، ‬إذن، ‬بناء ‬على ‬معاهدة ‬الحماية ‬وكذا ‬على ‬الاتفاقات ‬السرية ‬ل3 ‬أكتوبر ‬1904 ‬والرسمية ‬ل27 ‬نونبر ‬1912، ‬الموقعة ‬بين ‬فرنسا ‬وإسبانيا.‬
باستحضارنا ‬لتاريخ ‬الغزو ‬الإسباني ‬للمغرب، ‬نجده ‬قد ‬بدأ ‬باحتلال ‬مليلية ‬سنة ‬1497 ‬واحتلال ‬سبتة ‬سنة ‬1668 ‬في ‬أعقاب ‬انسحاب ‬البرتغاليين ‬الذين ‬كانوا ‬يقومون ‬بإدارة ‬مشتركة ‬مع ‬الإسبان ‬منذ ‬21 ‬غشت ‬1415. ‬فإسبانيا، ‬علاوة ‬على ‬مخططها ‬الاستعماري، ‬كانت ‬تسعى ‬إلى ‬احتلال ‬السواحل ‬والجزر ‬المتوسطية ‬للمغرب ‬دون ‬أن ‬تتمكن ‬من ‬ذلك، ‬بالرغم ‬من ‬الأزمات ‬الاقتصادية ‬بالمغرب ‬والتنافسات ‬السياسية ‬بين ‬السلاطين، ‬من ‬جهة، ‬وبينهم ‬وبين ‬القبائل، ‬من ‬جهة ‬ثانية.‬
في ‬القرن ‬السابع ‬عشر، ‬كان ‬يسود ‬المغرب ‬نظام ‬الحمايات ‬الأجنبية ‬الذي ‬كان ‬يسمح ‬للأوربيين ‬المقيمين ‬في ‬المغرب ‬بالإفلات ‬من ‬قوانينه ‬السارية، ‬وبذلك ‬كان ‬القناصلة ‬هم ‬من ‬يتولون ‬الحكم ‬على ‬مواطنيهم ‬وعلى ‬محمييهم، ‬سواء ‬من ‬المغاربة ‬أو ‬من ‬جنسيات ‬أخرى؛ ‬فقد ‬كان ‬هذا ‬النظام ‬يعتبر ‬امتيازا ‬لصالح ‬المحميين، ‬لتفادي ‬المثول ‬أمام ‬القاضي ‬المغربي.‬
هذا ‬النظام ‬شكل "‬وسيلة ‬مفضلة ‬للتغلغل ‬الاستعماري"‬؛ ‬ولإضفاء ‬الشرعية ‬على ‬وجودها، ‬بررت ‬القوى ‬الاستعمارية ‬ذلك ‬بغياب ‬حكومة ‬نظامية ‬في ‬المغرب؛ ‬فقد ‬كان ‬سلطان ‬المغرب، ‬رئيس ‬السلطة ‬المركزية، ‬في ‬حالة ‬عجز ‬عن ‬الدفاع ‬عن ‬سيادة ‬المغرب. ‬هذا ‬السلطان ‬العاجز، ‬لم ‬يكن ‬بمقدوره ‬تفسير ‬الخيانة ‬للإقطاعيين ‬الكبار ‬المؤيدين ‬للكفاح ‬المسلح ‬والمعادين ‬لأي ‬سياسة ‬مهادنة ‬تجاه ‬الأجانب ‬وماسة ‬بسيادة ‬البلاد.‬
بعد ‬احتلال ‬وجدة ‬والدار ‬البيضاء ‬سنة ‬1907 ‬واحتلال ‬فاس ‬سنة ‬1911 ‬من ‬طرف ‬فرنسا، ‬تبنت ‬إسبانيا ‬نفس ‬السياسة ‬التدريجية ‬باحتلالها ‬العرائش ‬سنة ‬1911 ‬ومدينتي ‬القصر ‬الكبير ‬وأصيلة ‬سنة ‬1912.‬
وفي ‬ما ‬يخص ‬توقيع ‬المغرب ‬للمعاهدات، ‬تبين ‬أن ‬السلطان ‬إلى ‬حدود ‬1912 ‬كان ‬هو ‬الوحيد ‬المُخول ‬بهذا ‬التوقيع. ‬فقبل ‬ذلك، ‬كان ‬السلطان، ‬في ‬غياب ‬وجود ‬برلمان، ‬يلجأ ‬إلى ‬استشارة ‬وزرائه ‬والعلماء.‬
والواقع ‬أن ‬مجموع ‬السلطات ‬التي ‬كان ‬يمسكها ‬سلطان ‬المغرب، ‬كان ‬يستمدها ‬من "‬البيعة"‬، ‬وهي ‬العقد ‬المكتوب ‬والموقع ‬من ‬طرف ‬الأعيان ‬والعلماء، ‬إذ ‬لم ‬يكن ‬السلطان ‬الجديد ‬يجلس ‬على ‬العرش ‬إلا ‬بعد ‬المصادقة ‬الصريحة ‬على ‬عقد ‬البيعة ‬من ‬طرف ‬الجماعة؛ ‬فالمؤسسات ‬السياسية ‬المغربية ‬آنذاك، ‬حسب ‬حسن ‬الوزاني ‬الشاهدي، ‬لم ‬تكن ‬تعرف ‬وجود ‬أي ‬سلطة ‬تشريعية ‬بمعناها ‬الحقيقي.‬
فالحماية ‬المفروضة ‬على ‬المغرب ‬كانت ‬تمثل ‬بعض ‬الخصوصيات، ‬إذ ‬بالإضافة ‬إلى ‬المنطقة ‬الخاضعة ‬لفرنسا، ‬كانت ‬هناك ‬منطقتان ‬أخريان ‬تحت ‬الاحتلال: ‬المنطقة ‬الدولية ‬ومنطقة ‬خاضعة ‬لإسبانيا ‬اسمها "‬منطقة ‬نفوذ"‬، ‬تنازلت ‬عنها ‬فرنسا ‬بمقتضى ‬معاهدة ‬27 ‬نونبر ‬1912.‬
* ‬دكتور ‬في ‬الحقوق - ‬محام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.