هي قضية كشفت الوجه الآخر للحروب التي تخوضها شبكات مخدرات يتحكم فيها فرنسيون من أصل مغربي وجزائري للسيطرة على السوق وتصفية منافسيهم، قبل أن يدخل على الخط متهمون من صنف آخر، لعبوا وفق التحقيقات التي باشرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على الحبلين، بتنفيذ سلسلة من الاختطافات لطلب فديات بالملايين، في عمليات وظفت فيها أساليب استخباراتية وتوزعت أحداثها بين شقق وضيعات ومقاهي شهيرة بالرباطوالدارالبيضاء، وعدد من أماكن الاحتجاز، وبين شخوص من جنسيات مختلفة، وهو الملف المعروض حاليا على غرفة الجنايات بالرباط. بدأت الحكاية بمعلومات وتحريات فجرتها جريمة اختطاف واحتجاز وعنف مفضي للموت، تحمل بصمات تصفية حسابات بين عصابات إجرامية متخصصة في الاتجار الدولي في المخدرات، ووصل صداها للأجهزة الأمنية، قبل أن تنكشف خيوط اختطافات تمت في صمت، ولم يتقدم معظم ضحاياها بشكايات لكونهم كانوا مطلوبين في قضايا جنائية. التحقيقات أسقطت متهمين من عيار خاص جدا، بعد أن تم الاشتباه في علاقة أربعة عناصر من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بعمليات الاختطاف والاحتجاز، ليتابع هؤلاء رفقة 16 شخصا بتهم تكوين عصابة إجرامية والاحتجاز من أجل الحصول على فدية والتعريض للتعذيب، والمشاركة في ذلك والرشوة والشطط في استعمال السلطة، وإفشاء السر المهني، وعدم التبليغ عن وقوع جناية وإخفاء أشخاص عمدا مع العلم بأن العدالة تبحث عنهم، ومساعدتهم على الاختفاء ومحاولة تهريبهم من الاعتقال، والاتجار الدولي في المخدرات. سيارة إسعاف ورهينة لم يكن أحد من سكان الدارالبيضاء يتوقع، في يوم من الأيام، أن سيارة إسعاف بلوحة ترقيم أجنبية وتسير بشكل عاد في شوارع هذه المدينة العملاقة، أنها تحمل بداخلها رهينة تم اختطافه لطلب فدية في عملية كان المتهمون فيها عناصر من جهاز أمني حساس، فخفايا عمليات الاختطاف والاحتجاز والفديات لم تكن لتخرج للعلن لولا تجرؤ أحد الضحايا على تقديم شكاية. الضحية الذي فجر الملف قدم تفاصيل في غاية الإثارة، بعد أن أكد أنه حوصر من طرف أربعة أشخاص مباشرة بعد نزوله من مسكنه بمدينة سلا، ليعرض عليه أحدهم «بادجا» خاصا بالأمن، ويطلب منه مرافقته قبل أن يتم إخطاره بأنه مطلوب في فرنسا بموجب مذكرة بحث صادرة عن «الأنتربول»، وعندما شعر بأنه سيقع في فخ، حاول المقاومة، لكن الوقت كان قد فات بعد أن وجد نفسه مصفد اليدين ومحاصرا داخل سيارة من نوع «مرسيدس كلاس»، حشر فيها إلى جانب خمسة أشخاص. بعدها تمت الأمور بسرعة، تحديد مبلغ الفدية، ثم مفاوضات هاتفية انتهت بتسليم مبلغ 50 مليون سنتيم أمام أحد المطاعم بمدينة تمارة، بعد أن اتصل قريب للمختطف بأحد أصدقائه، الذي تكلف بعملية تسليم المال قبل أن يتم إطلاق سراحه. القصة لم تنته عند هذا الحد، فالضحية لم يبلع الملقبالذي تعرض له، والذي كلفه مبلغا سمينا، حيث انتهز فرصة رؤيته لأحد المتهمين المشاركين في العملية بمدينة الدارالبيضاء ليشرع في تجميع عدد من المعطيات عنه، قبل أن يكتشف أن الأمر يتعلق بعمليات منظمة تتم أحيانا تحت الطلب، وبعد مراقبة مسبقة، وفقا للائحة معدة سلفا، وأن اسمه أدرج فيها بعد تقديمه كممارس لأنشطة مشبوهة تتعلق بتزييف ماركات عالمية. السقوط في الهاوية من بين التصريحات المثيرة التي حفلت بها محاضر التحقيقات التي باشرتها الفرقة الوطنية في هذا الملف، اعترافات أحد المتهمين التي رسم فيها ملامح تشكل هذه الشبكة، بعد أن أكد أن زميلا له عرض عليه المشاركة في عمليات الاختطاف والاحتجاز نتيجة مشاكله المادية لسد ثقوب إدمانه على الخمور وارتياد الملاهي الليلية وضرورة البحث عن مصدر آخر للدخل. كما أخطره بأن له شبكة علاقات تضم فرنسيين من أصول جزائرية يتوفرون على معلومات مهمة، تتعلق بأشخاص متورطين في الاتجار الدولي ومساكنهم، والأماكن والملاهي التي يرتادونها، بعد انتحالهم لهويات وأسماء مستعارة هربا من الملاحقة. وأضاف أن هؤلاء يعملون في تبييض الأموال ويتوفرون على سيولة كبيرة بالدرهم المغربي وبالعملة الصعبة، قبل أن يقدم المعلومة الأهم والمتمثلة في وجود صراعات قائمة بين طائفيتين، هما الفرنسيون من ذوي الأصول المغربية والفرنسيون ذوو الأصول الجزائرية، بسبب المنافسة على احتكار سوق المخدرات بأوروبا، والتي تطورت لاحقا لمواجهات وعمليات سطو متبادل على شحنات ضخمة من المخدرات تهم كلا من الطائفتين. كما أن أحد المتهمين أكد أنه خلال الاستماع لشخص في إطار إنابة دولية تتعلق بتزوير علامات تجارية عالمية، عرض عليه خدمات تتعلق بتزويده بمعلومات مهمة حول عدد من القضايا التي تهم الأبحاث الأمنية، قبل أن يعرض عليه عينة سخية تمثلت في معلومات تخص أحد كبار بارونات المخدرات، الذي غادر فرنسا هربا من مذكرة بحث ليستقر في المغرب. اللعب مع الكبار المتهمون، ووفق التحريات التي أعقبت تفجر هذا الملف، اتضح أنهم استفادوا من حرب شرسة أعقبت الإطاحة بأحد «البارونات»، وهو ما أشعل فتيل مواجهة بين عدد من تجار المخدرات الذين سعوا لتصفية بعضهم من خلال التخطيط لعمليات انتقامية، إما بتنفيذ اختطافات بهدف الحصول على فدية، أو الاستيلاء على كميات هائلة من مخدرات المنافسين، بعد تجميع معلومات عن مكان تخزينها والانتظار إلى حين إتمام الصفقات المرتبطة بها من أجل الاستيلاء على الأموال، وهي العمليات التي انطلق بعضها منذ سنة 2009 من طرف عدد من الأسماء، التي جرى اعتقالها سابقا، ومن بينهم أشخاص كانوا يستعينون بسلاح ناري وقنابل مسيلة للدموع وأسلحة بيضاء ومجموعة من الوثاق المزورة، بعضها يخص القوات المسلحة الملكية ووزارة العدل. من بين هؤلاء، أحد المطلوبين الذي تحول إلى رهينة داخل الصندوق الخلفي لسيارة خاطفيه، والذي كان قد فر من فرنسا هربا من عقوبة ثقيلة صدرت بحقه بعد إدانته ب18 سنة من أجل الاتجار الدولي في المخدرات، ليستعين بوثائق مزورة مكنته من التواري عن الأنظار في المغرب قبل أن يتم البوح بسره ليصبح اسما ضمن لائحة الأهداف المرشحة للاختطاف، بعد تحديد مكان إقامته بالدارالبيضاء وإخضاع مقر سكنه للمراقبة. الهدف تم اختطافه بالفعل من الدارالبيضاء، ليجد نفسه مقيدا بشقة فارغة تقع بحي سيدي موسى بمدينة سلا، فيما جلس الخاطفون في مقهى «روزالينا» بالقرب من مقر المحكمة الابتدائية بسلا لمناقشة التفاصيل التالية. هذه العملية كلفت منفذيها جهدا كبيرا وتطلبت نقل الضحية إلى عدة أماكن احتجاز وخوض مفاوضات عسيرة حول مبلغ الفدية، بعد أن كانت في البداية مليون يورو قبل أن تنخفض ل300 مليون سنتيم. مطاردات وأسلحة ولأن المعلومة في عالم المخدرات مهمة، وتستحق ثمنها، فقد كانت الفائدة وفق ما كشفته التحريات متبادلة بين عناصر هذه الشبكة ، وذلك بمقايضة معلومات عن الشخصيات المتحكمة في دواليب عالم المخدرات، بالمعلومات الأمنية المرتبطة بالأبحاث الجارية في هدا الصدد، و كواليسها، وهو ما مكن بعض المتورطين في هذا الملف من معلومات دقيقة حول تحركات الأشخاص المستهدفين وتعاملاتهم والأماكن التي يضعون فيها أموالهم. ووفق ما ورد في التحقيقات، فإن هذه المعلومات وشبكة العلاقات التي توفرت لدى عناصر الشبكة تم توظفيها بشكل احترافي، حيث كانت هناك قائمة معدة سلفا بالأسماء التي سيتم اختطافها، وهو ما ورد على لسان أحد المتهمين الذي أكد أن هذا الأمر تسرب إليه مباشرة بعد وفاة أحد الأشخاص إثر تعرضه للتعذيب في ملف سابق. ومن بين عمليات الاختطاف والاحتجاز المثيرة التي وجهت فيها أصابع الاتهام لهاته العصابة، عملية تمت بمدينة الدارالبيضاء، وكان ضحيتها شخص يلقب ب»دجيمس»، وهي العملية التي انتهت بمطاردة من طرف سيارة رباعية الدفاع مجهولة من نوع «رونج روفر»، ما دفع المنفذين للهرب والتخلي عن إحدى السيارات المشاركة، فيما تم نقل المختطف إلى إحدى الضيعات، غير أن تطورات لاحقة ستجعل الخاطفين يسارعون لإطلاق سراح رهينتهم دون تسليم الفدية، بعد التوصل بمعلومات مفادها أن أصدقاء للمختطف دخلوا المغرب متحوزين أسلحة نارية بهدف القصاص من كل شخص له علاقة بالعملية. أقنعة ومسدس واقعة تسليم أحد المختطفين كانت شبيهة تماما بما يحدث في أفلام المافيا، بعد أن ورد في التحقيقات أن صاحب ضيعة كانت مسرحا لاحتجاز بعض الضحايا، حضر بمعية عدد من الأشخاص، وهو يسوق سيارة رباعية الدفع ويضع قناعا على وجهه وسترة واقية من الرصاص ويحمل معه مسدسا وحزاما به خراطيش من أجل الإشراف على عملية تسلم رهينة من يد خاطفيه. كما أن إحدى عمليات الاختطاف كشفت تفاصيل عن شحنة تقدر ب 60 طنا من المخدرات كانت مخبأة بإحدى الضيعات، قبل أن يتم الاستيلاء عليها من طرف بارون منافس ونقلها إلى مستودع سري بضواحي مدينة آسفي. وكشفت التحقيقات التي بوشرت مع بعض المعتقلين، أن منفذي هذه العمليات الذين كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم عناصر أمن، كانوا يعمدون إلى اتخاذ مجموعة من الاحتياطات، ومنها عدم معرفة هوية المشاركين والمساهمين في كل عملية، وتغيير أرقام الهواتف بشكل مستمر، وعدم إفشاء مكان احتجاز الضحية وحجب الرؤية عنه بواسطة «بانضة» توضع على عينيه، مع استعمال سيارات ذات محركات قوية تحمل لوائح معدنية مزورة للإفلات من أي مطاردة محتملة. هذه الأساليب هي نفسها التي استخدمت في عملية احتجاز شخص بالدارالبيضاء وتهديده قبل تسليم مبلغ أربعين مليون سنتيم للإفراج عنه، ليجبر أيضا على وضع ضيعته التي يملكها في ضواحي بنسليمان رهن إشارة المتهمين لاستغلالها في العمليات المقبلة. اختطاف «البارون» عمليات الاختطاف التي تعرض لها بعض بارونات المخدرات ودفع الفدية مقابل إطلاق سراحهم، دفعتهم لمحاولة تنفيذ عمليات انتقامية مثل أحد «البارونات» الذي تم اختطافه بشارع النخيل بحي الرياض في الرباط. أحد المتهمين اعترف بالمشاركة سنة 2009 في هذه العملية، التي استهدفت أحد أهم أباطرة المافيا الفرنسية وهو جزائري من أصل فرنسي، كان مبحوثا عنه على الصعيد الدولي بتهم الاتجار في المخدرات، وذلك بعد الحصول على معلومات قدمها فرنسيون من أصل مغربي، حيث تم الترصد للبارون اللملقب ب«الموف» أمام مقهى بحي الرياض بالعاصمة الرباط خلال الإعداد لصفقة مخدرات، غير أن عملية الاختطاف انقلبت على منفذيها ونجح البارون في الإفلات خلال عملية تسلم الفدية التي حددت في مليون درهم بعد أن هاجم أفراد عصابته الخاطفين بأربع سيارات. «الموف» الذي كان رقما مهما في معادلة السيطرة على سوق المخدرات الدولية، سيتعرض أسبوعين بعد ذلك، ورغم تمويه تحركاته باستعمال سيارة عادية، لعملية اختطاف جديدة كانت هذه المرة موفقة، وتكفل بتنفيذها فرنسيون من أصل مغربي بالدارالبيضاء، ليتم احتجازه في ضيعة ببنسليمان كان يحرسها خمسة أشخاص مقنعين ومسلحين بأسلحة نارية، قبل أن يتم الاتصال بمتهمين في هذه القضية من أجل تسلمه بعد أن تم رفع مبلغ الفدية التي سلمت هذه المرة بنجاح، قبل أن يتم إطلاق سراح «الموف» بباركنيغ أسواق السلام بحي الرياضبالرباط، وتوزع على كل فرد نصبيه من العملية. اعتقال تحت الطلب رغم نجاح عملية اختطاف هذا البارون وانتهائها بسلام، فإن منفذيها لم يحصدوا الفدية المتوقعة من صيد ثمين في حجمه، بعد أن طالبوا في البداية بخمسة ملايين أورو، قبل أن يتم حصرها في مليون أورو ثم مليون درهم بعد مفاوضات تمت تحت الصفع والتهديد للمختطف، الذي كان معصوب العينين، وتم توثيق حديثه بواسطة تسجيل اختفى بشكل غامض، بعد أن وثق لأسماء عدد من كبار تجار المخدرات، وكذا لاعترافات المختطف بأنه يتاجر في المخدرات على الصعيد الدولي، وهي المعلومات التي كانت ستستخدم لاحقا من أجل تنفيذ عمليات جديدة. هذا البارون ومباشرة بعد الإفراج عنه، تم إخطاره بأن اختطافه جاء تحت الطلب، نتيجة تصفية حسابات مرتبطة بصفقة مخدرات قديمة، بعد أن تهرب من دفع 600 مليون سنتيم بقيت في ذمته. الرغبة في الانتقام دفعت هذا الأخير ودون تفكير لتقديم عرض سخي لمختطفيه وصل إلى 300 مليون سنتيم مقابل اعتقال العقل المدبر للعملية، والذي لم يكن سوى رفيق دربه السابق في مجال التهريب، والذي تحول لعدو له وللمصالح الأمنية، بحكم أنه مبحوث عنه بموجب عدة مذكرات، قبل أن يكشف أسرارا أخرى مرتبطة بخفايا عالم المخدرات، بعد أن أفصح عن اسم شخص تسلم مبلغ 5 ملايير سنتيم من أجل ترويجها في التهريب، مؤكدا أن اختطافه سيكون صفقة ناجحة. ملاذ آمن في السجن وكان من أغرب ما ورد في التحقيقات التي بوشرت في هذا الملف المثير والمتشعب، تراجع أحد المتهمين عن تصريحاته السابقة، بدعوى أنه ليس في حالة عقلية طبيعية، وأنه مدمن على مادة مخدرة، قبل أن يفجر مفاجأة بكشفه أن اعترافاته جاءت بهدف اعتقاله وإيداعه في السجن لتفادي تعرضه للتصفية، بعد أن بلغ إلى علمه أنه الهدف المقبل وأن اسمه أدرج ضمن اللائحة السوداء. كما اتضح أن عملية مراقبة الضحايا كانت تتم على طريقة الاستخبارات، ومنها العملية التي همت فيلا ب»عين الذياب» بمحاذاة المركز التجاري «موركو مول»، بعد أن تم تحديد تواجد هدف فيها قبل العمل على استدراجه بمكالمة هاتفية كان مصدرها الوهمي هو رفيق سابق بالسجن يملك معلومات مهمة، وهي الخطة التي نجحت، لكن منفذي عملية الاختطاف تراجعوا في آخر لحظة بعد أن اتضح أن الهدف يتحرك تحت حراسة سيارة تلحق به. ملاحقون بهويات مستعارة التحريات والأبحاث الأمنية التي سبقت هذا الملف نجحت في الوصول لصيد ثمين، بعد ضبط ستة متهمين بمدينة «مرتيل» كانوا مطلوبين ضمن شبكة دولية للاتجار في المخدرات يرأسها فرنسي من أصل جزائري يلقب ب»لوفون»، وهي الشبكة التي لم تكن تترد في التنكيل بخصومها بوحشية، بعد ورود تصريحات على لسان بعض الأسماء المرتبطة بالعصابة ضمن تحريات أمنية سابقة كشفت أن هذه الشبكة لم تتردد في تصفية أحد الأشخاص والتخلص من جثثه في البحر. «لوفون» لم يكن سوى زعيم عصابة فر من أحد السجون الفرنسية سنة 2003 ليستقر بالمغرب بوثائق مزورة، قبل أن يتمكن من إعادة إحياء تنظيمه الإجرامي وينسج علاقات متشعبة مع فرنسيين من جنسيات مغربية و جزائرية، ويعود لتهريب المخدرات بواسطة زورقين في ملكيته انطلاقا من العرائش، حيث كانت حمولة كل عملية تصل إلى 3 أطنان، غير أن «لوفون» ورغم دهائه وحذره الشديد سيقع في قبضة العدالة ب»ماربيا» بعد تنسيق بين السلطات المغربية والإسبانية والفرنسية. صندوق في حفرة التحقيق شمل أيضا الاستماع لإفادة حارس بإحدى الضيعات، والذي قدم تفاصيل مثيرة عما كان يدور بداخل هذه الأخيرة تحت جنح الظلام، بعد أن تحدث عن مشاهدته لعملية إنزال شخص مصفد اليدين من الصندوق الخلفي لسيارة رباعية الدفع وسماعه لأصوات صراخه لدى تعذيبه، كما أفاد بأنه شهد سنة 2011 واقعة إنزال علبتين كرتونيتين بهما صفائح ملفوفة بورق الألمنيوم، إضافة إلى كيس بلاستيكي مليء بمسحوق أبيض. كما قدم الحارس تفاصيل أكثر إثارة بعد أن كشف نجاح أحد المختطفين في الهرب في وقت متأخر من الليل، بعد أن استغل حالة السكر الطافح التي كان عليها الحارسان المكلفان بمراقبته، قبل أن يفجر مفاجأة من العيار الثقيل وهو يتحدث عن معاينته في أبريل من سنة 2012 لواقعة إنزال صندوق خشب مليء بالأسلحة النارية، إضافة إلى علب مليئة بالدخيرة، حينها أكد للمحققين أنه حاول الهرب قبل تهديده بالقتل في حال إفشاء السر وعدم استمراره في عمله، ليتم دفن الصندوق في حفرة. انتقام بلون الدم الاعترافات كشفت أيضا أن أحد من وردت أسماؤهم في التحقيقات محترف في تهيئ مخابئ سرية للمخدرات بالسيارات لتفادي عمليات التفتيش الصارمة، وتجاوز النقط الحدودية بسلام، كما اتضح من التصريحات استعمال عدد من جوازات السفر الخاصة بأشخاص يحملون الجنسية الفرنسية التي تم تزويرها من طرف محترفين يقيمون بالعاصمة باريس، قبل توظيفها للإفلات من مذكرات البحث ومن عقوبات سجينة ثقيلة، ومن بين هؤلاء بارون مخدرات اختفى في دور مسير لملهى ليلي ب»عين الذياب» بالدارالبيضاء، بعد أن فر من القضاء الفرنسي ليعيد نسج علاقات مع مجموعة من المهاجرين المغاربة والجزائريين الحاصلين على الجنسية الفرنسية ممن هربوا بدورهم من الملاحقة، وهو الملهى الذي شهد نسج تفاصيل عدد من العمليات. كما ربطت بعض التصريحات عملية تصفية استهدفت احد الأشخاص باستيلائه على مبلغ يناهز 800 ألف أورو، وفق المعلومات التي انتشرت بين تجار المخدرات بفرنسا، علما أن القتيل سبق أن وجهت له أصابع الاتهام في الاستيلاء على كمية من المخدرات تقدر ب 600 كيلو غرام من الشيرا. نهاية غير متوقعة سقوط هذه الشبكة في يد العدالة جاء بعد نجاحها في تنفيذ سلسلة من العمليات، لكن تسليم الفدية المقدرة بخمسين مليون سنتيم من قبل صديق الرهينة الذي تم اختطافه من مدينة سلا لم تسلم مثل سابقتها، وفضحت كل شيء، بعد تسجيل محضر في الموضوع فتحت على إثره مصالح الشرطة القضائية بمدينة سلا تحرياتها، لتدخل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على الخط، قبل أن تتفجر الفضائح تباعا، ويسقط المتهمون واحدا تلو الآخر، ومن بينهم أربعة من عناصر هذه الفرقة. ورغم تراجع عدد من المتهمين عن تصريحاتهم التي سبق وأن أدلو بها أمام المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالدارالبيضاء وإنكارهم، فإن أحدهم وجد نفسه في موقف حرج بعد أن تمت الاستعانة بكاميرات خاصة بأحد محطات الوقود، والتي رصدت وجهه كأحد المشاركين في عملية اختطاف. ومن المنتظر أن تكشف محاكمة المتهمين أمام غرفة الجنايات بالرباط المزيد من التفاصيل عن هذا الملف المثير، بعد أن مثل المتهمون أمام محكمة الجنايات في ثاني جلسة أعقبت تحقيقات ماراطونية أجرتها الفرقة الوطنية. شبح المؤبد يلاحق أربعة عناصر من الفرقة الوطنية اتهمت رفقة 15 شخصا بالاحتجاز والتعذيب وطلب فديات رفضت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط منح السراح المؤقت لأربعة عناصر من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية متهمين ب«الاحتجاز والتعذيب وتلقي رشوة والشطط في استعمال السلطة». وشهدت الجلسة، التي عقدت أول أمس، أجواء جد متوترة بين الدفاع والنيابة العامة، التي استبقت مناقشة ملف القضية بالتأكيد على أن جميع المتابعين باستثناء متهم واحد، يستحقون المؤبد بالنظر إلى خطورة الأفعال المنسوبة إليهم، وهو ما أثار حفيظة الدفاع الذي طالب المحكمة باستبعاد ما جاءت به النيابة. وحملت الملتمسات التي تقدم بها دفاع المتهمين والهادفة لمنحهم السراح المؤقت، عددا من الانتقادات لطريقة البحث والتحقيق في هذا الملف المتشعب، الذي يتابع فيه 19 شخصا بتهم ثقيلة، تتعلق ب«تكوين عصابة إجرامية، والاختطاف والاحتجاز من أجل الحصول على فدية والتعريض للتعذيب، والمشاركة في ذلك والرشوة والشطط في استعمال السلطة وإفشاء السر المهني، وعدم التبليغ عن وقوع جناية وإخفاء عمدا أشخاص مع العلم أن العدالة تبحث عنهم، ومساعدتهم على الاختفاء ومحاولة تهريبهم من الاعتقال وحيازة أداة قاطعة بدون مبرر مشروع» كل حسب ما نسب إليه. واعتبر الدفاع أن هذا الملف شهد اعتقالات تعسفية وتحكمية، و»جرائم ارتكبت باسم المؤسسات»، بعد أن تحدث أحد أعضاء هيئة الدفاع عن تعرض موكله للاختطاف والتعذيب، ليوجه أصابع الاتهام لمسؤول أمني بارز بولاية أمن الرباط. كما التمس الدفاع منح السراح لمتهم آخر كان قد أصيب بثلاثة أعيرة نارية بأحد شوارع الدارالبيضاء، وقال بأن هذا الأخير تم نقله من العناية المركزة إلى التحقيق مباشرة رغم خطورة وضعه الصحي، قبل أن يشدد على ضرورة تمتيعه بالعلاج لإنقاذ حياته. كما انتقد الدفاع عدم استفادة ضابط للشرطة القضائية من الامتياز القضائي بعد أن تم اعتقاله فور عودته للمغرب، مضيفا أن الملف بدون أساس وتمت «فبركته وصناعته»، بعد أن بني على مساطر مزورة أريد بها تلميع الصورة. وحملت بعض ملتمسات الدفاع، الهادفة لاستبعاد ما ورد في المحاضر، مؤاخذات شديدة اللهجة للمؤسسة الأمنية بعد أن عاب أحد المحامين طريقة اشتغالها، وقال إن مؤسسة الأمن بالمغرب «أذكى بكثير من المجرمين»، و»لو كان هدا الذكاء يستغل بشكل إيجابي كون ما نعرف فين وصلنا». رد النيابة العامة على ما ورد في ملتمسات الدفاع جاء أشد قوة، بعد أن شدد ممثل الحق العام على أنه لا يمكن للمتابعين مغادرة أسوار السجن، وأنه يتعين إبقاؤهم رهن الاعتقال الاحتياطي إلى حين البت في الموضوع، لكونهم متابعين بموجب أفعال «جرمية خطيرة ومخيفة جدا، من اختطاف واحتجاز وتعذيب في إطار عصابة تمارس أخطر أشكال الإجرام المنظم». وردا على ما أثير من حدوث حالات للتعذيب طالت بعض المعتقلين في هذه القضية، قال ممثل الحق العام إن على الدفاع أن يتقدم بطلب إجراء خبرة تقنية للوقوف على حقيقة ذلك، مستدلا بحالات تأكد فيها أن الأمر يتعلق بادعاءات كاذبة، مثل حالة سيدة اتضح أنها استعملت عشبة لإظهار كدمات على جسدها خلال التقاط صور أرفقت بملف قضيتها، قبل أن يلتمس رفض طلبات الدفاع مع الإبقاء على المتهمين رهن الاعتقال. وغرقت جلسة المحاكمة في تعقيبات متبادلة بين الدفاع والنيابة العامة وسط أجواء مشحونة، قبل أن تحسم المحكمة الأمر وترفض بعد المداولة طلبات السراح المؤقت، مع تأجيل المحاكمة إلى غاية 22 دجنبر المقبل.