فتح وزير التربية الوطنية والتكوين المهني ملف الساعات الإضافية والتي حولها بعض نساء ورجال التعليم إلى ساعات إلزامية مؤدى عنها. وقال إنه سيصدر مذكرة يدعو فيها رجال التعليم إلى المشاركة في تقديم ساعات إضافية بالمجان سماها بساعات التضحية والمواطنة. وهي الساعات التي ستقطع مع سلوكات هذا الوضع. لا شك أن هذا الإجراء سيعرف مقاومة شرسة من قبل المستفيدين من الوضع السابق. لكنه سيخلص الآباء والأولياء من ضريبة يؤدونها في كل موسم دراسي. أخيرا انتبهت وزارة التربية الوطنية لواحدة من البؤر السوداء التي لا تزال تقض مضجع المدرسة المغربية، خصوصا في مستوياتها الإعدادية والثانوية، وهي ظاهرة الساعات الإضافية، أو لنقل الإلزامية، المؤدى عنها. وأخيرا تحرك السيد بلمختار، بالاعتماد على مكتب خبرة خاص، لوضع إجراءات جديدة للحد منها من خلال التفكير في إضافة ساعات عمل جديدة، ستكون عبارة عن ساعات للدعم المجاني والتقوية يقوم بها الأساتذة داخل مؤسساتهم وأقسامهم، وستدرج في استعمالات الزمن لكل منهم. غير أن هذه الساعات الإضافية، ستكون إجبارية، ولن يعوض عنها الأساتذة ماديا بعد أن سماها الوزير ب»ساعات التضحية والمواطنة». خطوة الوزير ستقترح على شركاء الوزارة النقابيين وعلى آباء وأولياء التلاميذ، الذين سيكون عليهم واجب التبليغ لدى مصالح الوزارة عن الأساتذة «المتهمين» بفرض الساعات الإضافية على تلامذتهم، خصوصا وأن بلمختار يفكر في إحداث لجنة للاخلاقيات على مستوى الأكاديميات تناط بها أساسا دراسة واستقبال شكايات أمهات وآباء التلاميذ، ومأسسة الدعم المدرسي المجاني بالإبتدائي والإعدادي والتأهيلي، وذلك بإدراجه في استعمالات الزمن الأسبوعية للمدرسين. خطوة الوزير، على الرغم من أنها ستضيف لكاهل نساء ورجال التعليم عبئا جديدا غير مؤدى عنه، إلا أنها ستميط اللثام عن واحد من أعقد الملفات التي يعانيها التلاميذ وأولياء أمورهم على امتداد الموسم الدراسي. فلم يعد سرا أن يتراوح سعر ساعة إضافية واحدة في مادة الرياضيات ما بين 200 و300 درهم. وقد يصل إلى 500 درهم وأكثر، إذا كان المستفيد يتابع دراسته الثانوية في شعبة علمية، ويفترض في نقطة المراقبة المستمرة التي يراهن عليها، أن تناسب تخصصه. كانت منظومة مسار قد أعادت إلى الواجهة قضية التقييم والتقويم التي لا تزال تشكل واحدة من الإكراهات التي تعاني منها المدرسة المغربية. فحينما قررت وزارة التربية الوطنية أن تدخل تعديلا على أنظمة الامتحانات ومنها امتحانات شهادة الباكالوريا، اعتبر المتتبعون أن الوزارة اختارت الطريق الصحيح وهي تلغي النظام السابق، الذي كان يعتمد على الامتحان الوحيد للشهادة. وأصبح تحصيل نقطة الباكالوريا ينطلق من السنة الأولى باكالوريا، والتي تمثل خمسا وعشرين في المائة والتي تتحصل من امتحان يجريه التلميذ على المستوى الجهوي. أما الخمس والعشرين الثانية، فتتحصل في السنة الثانية من الباكالوريا. إضافة إلى نقطة الامتحان الوطني، التي تشكل خمسين في المائة المتبقية. وبالنظر إلى هذا التقسيم الجديد، والذي وضع بخلفية أن تمنح للتليمذ أكثر من فرصة لجمع النقط التي تؤهله للحصول على شهادة الباكالوريا، فقد أصبحت لنقطة الأستاذ، فيما يسمى بالمراقبة المستمرة، قيمتها الكبرى. أي أنها أضحت تتوفر على مفعول عالي لم يحترم قيمته الكثير من المدرسين الذين وجدوا في هذا التعديل الوزاري لنقط الامتحان ضالتهم. لذلك فما يحدث اليوم مع هذه النقط يؤرق الآباء والأولياء، الذين أضحوا مطالبين بالاستجابة لرغبات المدرسين من أجل كسب هذه النقطة. غير أنه لإعطاء هذه العملية الحماية اللازمة، طور بعض المدرسين ما يعرف بالساعات الإضافية التي انتشرت كالفطر وشملت جملة من المواد الدراسية خصوصا المواد العلمية كالرياضيات والعلوم الفيزيائية والطبيعية. بالإضافة إلى اللغات كالفرنسية والإنجليزية على الخصوص. وهكذا أصبح التلميذ ملزما بأخذ دروس إضافية خارج أوقات الدرس بعد أن أعد بعض المدرسين غرفا خاصة بداخل مقرات سكناهم لاستقبال التلاميذ. وهي صيغة ذكية لأداء واجب النقط التي يحتاجها التلميذ لتحصيل معدل جيد في المراقبة المستمرة. وكثيرا ما وجد تلاميذ غير قادرين على أداء هذه « الرشوة المقننة» أنفسهم يحصدون نقطا ضعيفة لأنهم لا يؤدون واجبات ساعات أضافية أصبحت شكلية. ولم يعد سرا كذلك أن نجد مدرسا يقدم في اليوم الواحد دروسا في المدرسة العمومية صباحا، ومثلها في مدرسة خصوصية بعد الزوال، ليكمل الرحلة في المساء بداخل غرف بيته، على الرغم من أن المذكرات الوزارية تفرض على أن إعطاء دروس خصوصية لا يجب أن يتم إلا بإذن مكتوب من المصالح النيابية. كما يفترض أن يتم بداخل مدرسة خصوصية معترف بها. زد على ذلك أن المذكرة التي تنظم هذه العملية تؤكد على أن الترخيص للمدرس لإعطاء دروس خصوصية لا يجب أن يتعارض، ولا أن يعيق عمله في المدرسة العمومية التي يشتغل بها. أما إحداث «حجرات درس» أو مدارس الغرف، كما يسميها التلاميذ، فلا تعترف بها وزارة التربية الوطنية. غير أن الواقع الذي تعرفه المدرسة المغربية اليوم هو غير ما تدعو له المذكرات. ولذلك يصبح الحديث عن الجودة والمردودية مجرد أحلام حملتها مشاريع الإصلاح مع الميثاق الوطني والمخطط الاستعجالي دون أن تتحقق. لذلك لا يخفي المتتبعيون أن من بين الآفات التي ضربت المدرسة المغربية، آفة الساعات الإضافية التي تحولت إلى صيغة لبيع نقط المراقبة المستمرة للتلاميذ. يقول الميثاق الوطني للتربية والتكوين في بعض فقراته، وهو يتناول موضوع التقييم، إن المدرسين مطالبون بداخل المدرسة العمومية بتقيدم ساعات الدعم لكل التلاميذ الذين هم في حاجة لذلك. غير أن حكاية هذا الدعم أصبحت شيئا آخر. لا يخفي البعض ممن احترفوا هذه الوصفة، بعد أن اغتنوا بواسطتها، أن أثمنة هذه الدروس الإضافية التي تعني واجبا شهريا من أجل أن يحصل التلميذ على نقطة مميزة في إطار المراقبة المستمرة، أكثر منها فرصة يجدد فيها التلميذ معارفة ويطورها، تختلف من مادة لأخرى. فتدريس مادة الرياضيات يساوي 200 درهم للحصة الواحدة، والتي لا تزيد عن الساعة، يمكن أن ترتفع إلى 300 درهم. وقد تصل إلى سقف 500 درهم وما فوق، إذا كان التلميذ يتابع دراسته في شعبة علمية. ويصل ثمن الساعة الواحدة من العلوم الفيزيائية إلى 200 درهم. أما ثمن ساعة من مادة العلوم الطبيعية، فلا يتجاوز 150 درهما فقط. وتصل أثمنة ساعة واحدة من اللغة الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية ما بين 200 و300 درهم بحسب المستويات. لكنها تزيد إذا كان التميذ في حاجة لنقط مراقبة أحسن. والحصيلة هي أن الآباء والأولياء، الذين اعتقدوا أنهم يدرسون أبناءهم في المدارس العمومية لا تزال تعتبر حقا وبدون مقابل، وجدوا أنفسهم يؤدون واجبات شهرية لبعض المدرسين الذين تركوا ضميرهم المهني جانبا. المثير هو أن وزارة التربية الوطنية لم تقو على تحريك هذا الملف الذي يبدو أنه استفحل الآن. لذلك لن تجد خطوة بلمختاراليوم، الترحيب المنتظر. وقد عشنا على عهد الوزير السابق محمد الوفا، معركة حقيقية حينما منع الترخيص لأساتذة التعليم العمومي للاشتغال في المدارس الخاصة. لقد سجل التقرير الشهير للمجلس الأعلى للتعليم في 2008 جملة من الهفوات التي لم تساعد الميثاق الوطني للتربية والتكوين على النجاح. وقد وقف التقرير عند محطة أساسية هي المتعلقة بالمدرس، الذي قال إنه فقد دوره الجوهري بداخل المدرسة على الوجه الأكمل خصوصا مع تنامي ظواهر الغياب، وعدم تحقيق المردودية اللازمة من قبل المدرس الذي يظل هو المحور الأساسي في العملية التعليمية. غير أن خطوة بهذه الجرأة، التي تعني قطع الطريق على المتاجرين في الساعات الإضافية، لن تستقيم إلا إذا سارت وزارة التربية الوطنية في طريق التعويض عن هذه الساعات، التي تفكر في فرضها، والتي تسميها ساعات الدعم والمساندة. أما الحديث عن أنها يجب أن تكون «ساعات التضحية والمواطنة»، فلن يستقيم. وقد تفشل التجربة في مهدها.