بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    المغرب التطواني يفوز على مضيفه اتحاد طنجة (2-1)    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    العسكريات يضيعن لقب أبطال إفريقيا بعد الخسارة من مازيمبي 1-0    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الإمارات: المنتخب المغربي يفوز بكأسي البطولة العربية ال43 للغولف بعجمان    المنتخب الوطني المغربي يتعادل مع الجزائر ويتأهل إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المساء تتعقب خطوات الباحثين عن الكنوز المدفونة بمنطقة دكالة
آلاف الحفر والمغارات تملأ كل أراضي المنطقة بحثا عن الثروة بباطنها
نشر في المساء يوم 21 - 11 - 2014

حين حضرتني فكرة إعداد موضوع خاص عن ظاهرة البحث عن الكنوز ومطاردة حفر الياقوت والذهب والقطع النقدية الثمينة بمنطقة دكالة، قال لي أحد الأصدقاء إن البحث في هذا الموضوع كمطاردة الساحرات أو البحث عن شيء رفيع وسط كومة من القش، وهذا ما حصل بالفعل في بداية الأمر. لكن مئات الروايات التي يتم تواترها بمنطقة دكالة ومناطق أخرى حول غنائم الكنوز والكنازين، وربط اغتناء بعض الأشخاص بالعديد من المناطق بعثورهم على كنوز مدفونة في الأرض زاد من تشويقنا للبحث في الموضوع أكثر ومحاولة الوصول إلى منبع بعض من هذه الروايات المتواترة حول هذه الظاهرة التي تطرح حولها مجموعة من الأسئلة. كانت الوجهة منطقة سبت سايس، التي تبعد عن مدينة الجديدة بحوالي 60 كيلومترا جنوبا في اتجاه آسفي، ومنطقة مكرس، التي تبعد بحوالي 45 كيلومترا عن الجديدة في اتجاه الجنوب، وهما منطقتان تروى فيهما عشرات الحكايات عن حفر الكنوز، والباحثين عنها بمناطق خلاء.
سايس مملكة الكنوز
بأحد دواوير منطقة سبت سايس التقينا (م، س) شاب في الثلاثينات من عمره، يقطن بدوار غير بعيد من مركز سوق سبت سايس، في جعبته الكثير من الروايات والتجارب في مجال البحث عن الكنوز والدفائن. رافقنا إلى إحدى البنايات القديمة الشاسعة الخاصة بأحد أشهر قواد المنطقة التي يعود تاريخها إلى 1961م، والتي يعتقد أغلب سكان المنطقة أنه شيدها فوق أرض مليئة بالكنوز والدفائن الثمينة. ولجنا البناية المحاطة بسور وعثرنا بداخلها على مجموعة من الحفر الغائرة، التي تم حفرها من طرف الباحثين عن الكنوز والأشياء الثمينة، حسب مرافقنا. كانت الحفر بعمق 5 إلى 6 أمتار، استخرجت منها كميات كبيرة من الأتربة، لكن لا أحد يدري شيئا عن نوعية الدفائن المستخرجة من باطنها، رغم أن الاعتقاد السائد لدى الجميع هو أن الأمر يتعلق باستخراج غنائم ثمينة وكنوز ليلا من طرف الباحثين عنها. (م، س) أكد لنا أنه متخصص في البحث عن الدفائن وبلغ به فضوله حد المخاطرة بحياته أكثر من مرة، إذ كان ينزل إلى قعر حفر وآبار قديمة و«مطمورات» ليلا دون خوف بحثا عن الكنوز. هذا الشاب لا يهاب الجن ولا يخاف العقارب ولا الأفاعي، وهو مستعد للنزول إلى أي غار يعتقد أنه يضم دفينة أو غنيمة ذات قيمة تاريخية. ما يشجعه على ذلك هو عثوره في إحدى رحلات بحثه على قطع نقدية ذهبية وفضية باهظة الثمن رفقة بعض المتخصصين في البحث عن الكنوز بالمنطقة. «في هذه المنطقة توجد الكنوز والدفائن بكثرة». جملة يكررها (م، س) أكثر من مرة بلغة الواثق، ويؤكد أن آليات البحث عنها وتحديد مكانها في باطن الأرض هي المشكل فقط.
«مطامر» ومغارات
يحكي (م، س) كذلك عن إحدى مغامراته بالمنطقة حين ولج حفرة عميقة ووجد نفسه أمام سراديب تحت الأرض تؤدي إلى غرف مظلمة بحث فيها كثيرا ولم يعثر على أي شيء. لم يكتف (م، س) بالروايات، بل رافقنا إلى مناطق خلاء وأطلعنا على عشرات الحفر والمغارات التي يحفظ أماكنها عن ظهر قلب، منها التي نزل إليها ليلا، ومنها التي يتحين الفرصة المواتية للنزول إليها، رغم خطورتها. كما أطلعنا على حفر حديثة الحفر يؤكد أن الباحثين عن الكنوز شرعوا تدريجيا في حفرها بالمنطقة خلسة. ويقول (م، س) إن تاريخ المنطقة يعود إلى عهد الرومان والبرتغال، وأن أزيد من 2000 «مطمورة» توجد بها، أغلبها كان يستعمل لتخزين الأشياء الثمينة، منها التي تبدو للعيان، ومنها التي غمرتها الأتربة والأحجار وتحتاج إلى تنقيب لتحديد مكانها...
كنوز بالأضرحة والمقابر
الكنوز كانت تدفن بفضاءات المقابر، والأضرحة و«الأحواش» على اعتبار المكانة الاعتبارية التي كانت ولا تزال لمثل هذه الأمكنة، التي لا يقترب منها الناس. يحكي (م،س) عن إقدام بعض المسؤولين على استصدار قرارات بترميم أو إعادة بناء بعض الأضرحة فقط من أجل الاستيلاء على بعض الدفائن النفيسة، التي يتم تحديد مكانها مسبقا من قبل متخصصين. ويقول إن الضريح المجاور للدوار الذي يقطنه تعرض أكثر من مرة لمحاولات هدم «القبة» بعد ظهور أشخاص يتوفرون على خريطة تؤكد وجود أشياء ثمينة بهذا الضريح أو بجنباته، لكن لا أحد استطاع تحديد مكانها بالضبط. ويقر (م، س) بأن أبناء الدوار يحرسون الضريح بشكل مستمر خوفا من الاستيلاء على كنز ضريحهم من طرف الغرباء في غفلة منهم.
«التقييدة» و«السكانير»
«لابد من توفر الباحثين عن الكنوز على خرائط أو «التقييدة» كما تسمى في قاموس الباحثين عن الكنوز. لكن الباحثين المتخصصين اليوم يستعملون آليات جد متطورة في تحديد أماكن وجود «الخدايم» (آوان خزفية مليئة بالمعدن الثمين بكل أنواعه)» يقول صاحبنا، الذي لا يؤمن بما يحكى من روايات حول سيطرة الجن على الكنوز وضرورة استعمال التعاويذ أو الشعوذة أو أي طقوس لتخليصها منها، مضيفا بأن تلك الروايات مجرد إشاعات يعمد الباحثون عن الكنوز إلى إطلاقها من أجل إخافة الناس وإبعادهم ما أمكن عن ولوج مجال البحث عن الكنوز. ويؤكد جازما أن بعض المتخصصين يحضرون آليات «سكانير» جد متطورة خاصة بتحديد أماكن وجود الكنوز بالمنطقة ويستخرجونها بكل سهولة ويذهبون إلى حال سبيلهم، وغالبا ما يتوفرون على «التقييدة» الأصلية الصحيحة، ويقصد الوصية التي تحتوي على خريطة الوصول إلى الكنز.
في غفلة من السكان
(ن، أ) رجل مسن في عقده السابع يتحدر من منطقة سبت سايس. يحكي لنا (ن، أ) عن كنز قال إن مجهولين عثروا عليه بالمنطقة منذ حوالي 12 سنة. وأضاف بأن شباب المنطقة استفاقوا في إحدى الليالي على أصوات غريبة بجوار الدوار الذي يقطنه، فإذا بثلاثة أشخاص يفرون إلى وجهة مجهولة، تاركين بعض المعدات التي تبين أنهم كانوا يستعملونها في عملية حفر بحثا عن كنز مفترض. سرى الخبر يومها في المنطقة، ومنذ ذلك الوقت أصبح أبناء الدوار يراقبون محيط مكان الحفر. لكن في غفلة من السكان، وبعد شهور قليلة من الحادث فوجئ سكان المنطقة بحفرة عميقة بنفس المكان الذي كان محط مراقبة. ومنذ ذلك اليوم و(ن، أ) يصدق بأن كنزا ثمينا أو «دفينة» أو «أمانة»، كما يحب أن يسميها، تم استخراجها من الحفرة من طرف مشعوذين متخصصين. ويؤكد بشكل يقيني بأنهم استعملوا بعض الطلاسم لضمان عدم انتباه ساكنة الدوار، الذي طلب عدم ذكر اسمه.
حفر عميقة بمنطقة مكرس
غير بعيد عن منطقة سبت سايس، زرنا بعض الدواوير الموجودة بتراب جماعة مكرس، والتقينا بعض أبناء المنطقة، الذين تحفظ أغلبهم عن الحديث في الموضوع، لكن الروايات التي استقيناها رغم ذلك لم تخرج عن الروايات التي سمعناها من قبل، من قبيل العثور على حفر بشكل مفاجئ بأراضي المنطقة، وروايات أخرى تحكي عن أشخاص غادروا المنطقة بشكل مفاجئ وصيغت حولهم حكايات عن حصولهم على كنوز ثمينة من باطن الأرض . ولم يتوقف الحديث عن وجود كنوز بعدد من الدواوير إلى يومنا هذا، حيث يؤكد أحد الأساتذة من أبناء المنطقة أن الكنوز لا تزال موجودة ولا ينقص سوى الخرائط الأصلية الواصفة لها وآليات تحديد مكانها وطرق استخراجها في غفلة من السكان، الذين في الغالب لا تنام أعينهم.
حفار يلهث وراء الكنز الموعود
التقينا (نور الدين، ش) أحد قدماء الحفارين المساعدين للباحثين عن الكنوز بالمنطقة و مناطق أخرى بدكالة، فأكد لنا أن هناك كنوزا موجودة على طول الخط الممتد من مهيولة إلى منطقة أولاد افرج، مرورا بآزمور. نور الدين يحفظ أسماء بعض المناطق المعروفة بالكنوز، مثل أرض سهم اليهودي، سيدي صالح، أرض شتوكة، وواد أم الربيع. كلها فضاءات يؤكد بلغة الواثق أنها تحتوي على كنوز.
نور الدين رجل في أواخر عقده الرابع، شارك في أزيد من 30 عملية حفر بحثا عن الكنوز رفقة متخصصين. هذه الكنوز، حسب قوله، منها التي تسمى «ذكرت»، وهي الكنوز التي تم ذكرها بالاسم في الوصايا والكتب القديمة، وأخرى تسمى «كتبت»، وهي التي يقول إنها محروسة من طرف الجن وتتطلب استعمال طقوس الشعوذة قبل استخراجها أو التفكير في الحفر بالقرب منها، من علامات وجود الكنوز ببعض المناطق، إضافة إلى الخرائط والمخطوطات والوصايا وتجمع الحلزون أو الرماد أو بعض معالم آثار «المعدن» و»الأحواش». ويضيف أن الأضرحة تكون في غالب الأحيان مكانا آمنا لدفن الكنوز في القديم.
يتحدث نور الدين عن الوطاسيين والبرتغاليين كباحث في تاريخ المغرب، بالرغم من كونه أميا، لكن تجربته في مجال مطاردة الكنوز واحتكاكه بالكنازين جعلت منه عارفا بجزء من تاريخ المغرب ومنطقة دكالة. بلغة الواثق في النفس لا يتردد نور الدين في تأكيد اقترابه من الحصول على كنز، مع إصراره في كل مرة على أنه ضد استعمال طقوس الشعوذة في المجال الذي يشتغل فيه، وأنه يشترط على الباحثين الذين يتصلون به للمشاركة في الحفر ضرورة أن تكون هذه الكنوز «معشرة»، أي أن يكون صاحبها أدى عنها الزكاة، حسب زعمه. أما غير «المعشرة» فيسكنها الجن وتتطلب طقوسا مرفوقة بالشعوذة لاستخراجها، كما يقول. والحفار، حسب نور الدين، مفروض فيه أن يكون «مائيا» أو «ترابيا» أو «ريحيا»، وأن يكون من برج معين معروف. ويصف نور الدين الكنوز ب»الأمانة»، إذ يقول إنه في أكثر من مرة اقترب من الظفر بها، لكن تقع بعض الطوارئ التي تحول دون بلوغه الهدف، غير أنه متيقن بأن «قسمته» مما يوجد في باطن الأرض سينالها في يوم من الأيام لأن والد بشره بذلك في صغره، حسب زعمه.
الفقيه الباحث عن الكنوز
من المواصفات التي لابد من توفرها في الفقيه المتخصص في البحث عن الكنوز وطرد الجن، حسب رواية فقيه كان يشارك في مثل هذه العمليات قبل أن يتوقف عن ذلك لأسباب خاصة، أن يكون رجلا متدينا ومتمكنا من مجموعة من قواعد التنجيم، وقادرا على توظيف بعض الطلاسم لحماية الحفارين من ضربات الجن «حارس الكنز»، وأن يكون شجاعا وقادرا على تحمل سهر الليالي بمناطق خالية وتكرار المحاولات لأكثر من مرة. لم يرغب هذا الفقيه في إعطائنا تفاصيل أكثر عن مغامراته للبحث عن الكنوز، لكنه أكد أنها كانت متعددة وبأماكن مختلفة بربوع المغرب. وقد بدا لنا من خلال نبرته أنه سئم من مطاردة السراب وقضاء الليالي في المناطق الخالية. لكنه ظل يؤكد بأن الكنوز وطريق الوصول إليها محفوف بالمخاطر، وختم حديثه المقتضب للجريدة بأن «الداخل إلى هذا المجال مفقود والخارج منه مولود».
الكنازون مخربون للتراث
يرى الباحث أبو القاسم الشبري، الباحث في التراث الثقافي، أن ظاهرة أو «آفة» البحث عن الكنوز ليست حكرا على منطقة دكالة ولا على القرن العشرين، وأن «هؤلاء «الكنازين المخربين» نرصدهم عند ليون الإفريقي في القرن السادس عشر، وهم اليوم يحفرون الثقوب في كل أرض المغرب من أدناه إلى أقصاه». وأوضح الشبري أن منطقة دكالة من المناطق الأكثر عرضة للنبش والنهب والنصب، وأنه اخترقتها على مر العصور طرق تجارية بين وسط المغرب وشماله من جهة ومراكش وسوس من جهة أخرى، وأن الغزو المتعدد الذي تعرضت له (احتلال برتغالي وفرنسي) وعدم الاستقرار (وجود برغواطي، صراعات قبلية أو على السلطة...)، كلها كانت عوامل قد تكون دفعت الناس إلى دفن ممتلكاتهم النفيسة. وهذا ما يراهن عليه الكنازون اليوم، يقول الشبري، مضيفا أن «الكنازين يسميهم المغاربة بالفقهاء أو «سواسة» نسبة إلى منطقة سوس، والحقيقة أن فقهاء سوس ليسوا وحدهم من يأتون مثل هذه الأعمال، إذ هناك فقهاء في مختلف مناطق المغرب يقومون بنفس الأعمال، بل صرنا نلحظ اليوم أناسا ليسوا فقهاء بالمرة أضحوا أيضا يباشرون البحث عن الكنوز». ويعتبر الباحث في مجال التراث الثقافي أن الكنازين صاروا اليوم يعتمدون التكنولوجيا وأدوات تقنية لا تتوفر حتى للباحثين الأثريين الذين يحتاجون إلى هذه الآلات لإجراء التحريات الأثرية.
لا علاقة للفقه بالبحث عن الكنوز
ويرى الشبري أن لا علاقة للفقه بالبحث عن الكنوز، وأن تلك مجرد عادة وإشاعات فارغة بوجود الجن وما إلى ذلك من الترهات. وتساءل: «لماذا لا يخرج الجن لنا نحن الأثريين حين نحفر مغارات ما قبل التاريخ ومقابر مختلفة ومواقع أثرية في الأودية والجبال والفيافي أو في أدغال جبال الريف وإفريقيا والأمازون؟» .
ويؤكد الباحث في التراث الثقافي أن «الكنازين قبل أن يعتمدوا على التكنولوجيا، اعتمدوا على التنقيب في الأرشيف والمخطوطات والتقاييد. وهناك يعثرون على التدوينات التي دون فيها أصحابها أماكن دفن بعض نفائسهم. والكنازون هم في الحقيقة دارسو مخطوطات. غير أن تلك النفائس غالبا ما يكون أصحابها قد استخرجوها بعد انتفاء أسباب إخفائها (سفر طويل، حروب قبلية، غزو خارجي...). ولذلك قد لا يعثر الكنازون على أي شيء».
الكنازون هم أيضا محتالون ونصابون لأنهم يحتالون على أي شخص يستعملونه لمساعدتهم على التنقيب في منطقة لا يعرفونها هم. ولم يثبت يوما أن نال أي شخص نصيبه من الغنيمة المزعومة للكنازين. وبخصوص الجانب القانوني المؤطر لهذا المجال دعا الشبري الدولة إلى معاقبة هؤلاء الكنازبن بصرامة. وأضاف: «يسجل الملاحظون في أغلب الأحيان تقاعس الأجهزة المعنية عن ملاحقة الكنازين وتوقيفهم، بل تهاونها حتى في إجراء التحريات بشكل جدي». وقال إنه لم يسمع يوما عن توقيف كنازين وتقديمهم إلى المحاكمة، مثلما ينص على ذلك القانون، بما في ذلك قانون حماية التراث الوطني.
استخراج الكنوز جائز شرعا
يفيد عبد الرحيم أوشن، عضو المجلس العلمي بالجديدة، أن الكنوز تُعرّف بأنها كل ما دفنه القدماء من أهل الإسلام أو الجاهلية في الأرض من مال على اختلاف أنواعه. ويُعرف دفين الجاهلية بوجوده في قبورهم أو خزائنهم أو قلاعهم، وبما يُرى عليه مِن علاماتهم، كأسماء ملوكهم وصورهم وصور صلبهم أو أصنامهم...فيما يُعرف دفين الإسلام بعلامات المسلمين كاسم النبي صلى الله عليه وسلم، أو اسم أحد الخلفاء، أو بكتابة آية من قرآن...
وبخصوص الحكم الشرعي لاستخراج الكنوز قال أوشن إنه «جائز باتفاق علماء الأمة، والمرجع في تشخيص مسمّاه العرف، فإذا لم يعرف صاحبه، سواء كان في بلاد الكفّار أو في الأرض الموات أو الخربة من بلاد الإسلام، وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لا، يكون ملكاً لواجده وعليه الخمس. نعم، لو وجده في أرض مملوكة له بابتياع ونحوه عرّفه المالك قبله مع احتمال كونه له، وإن لم يعرفه عرّفه السابق إلى أن ينتهي إلى من لا يعرفه أو لا يحتمل أنّه له». وأضاف أن «الفقهاء أوجبوا في مقدار الزكاة في الكنوز المدفونة الخُمس على من وجدها لحديث أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «في المعدن جُبارٌ وفي الركاز الخمس» (حديث صحيح رواه الإمام البخاري). والمدفون في الأرض ركاز بالإجماع، وعلى ذلك قال العلماء إن الركاز يشمل كل ما دفن في الأرض والخمس على الواجد أكان مسلماً أم ذمياً، صغيراً أم كبيراً. وبقية الركاز لواجده، إن وجده في موات أرض، لا يعلم لها مالك، أما ما يجده في ملك مسلم أو ذمي، فهو لصاحب الملك».
الاتصال بالجن
وبخصوص علاقة الجن بالكنوز قال أوشن إن «الاتصال بالجن منهي عنه شرعا من حيث الجملة، لما فيه من مخالفات شرعية، تصل إلى حد الشرك بالله تعالى، والشرك أمره خطير قال الله تعالى: «مَن يُشرِك بِاللهِ فَقَد حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّة ومَأوَاهُ النَارُ وَمَا للِظَّالِمِين مِن أَنصَارٍ» (سورة المائدة - الآية 27). كما أن الله تعالى جعل الجن عالما، والإنسان عالما آخر، واختراق العالمين خروج عن الطبيعة المرسومة». وأكد أن «الادعاء بأن للجن قدرة على استخراج الكنوز أمر يكذبه الواقع، فكثير من السحرة يعيشون تحت خط الفقر، وما أغنتهم شياطينهم عن الفقر شيئا، ولكن الإنسان يحب اللهاث وراء ما لا يتعب بما ينفعه، وما أعظم ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حين وجد رجلا أثر العمل في يده، فأمسكها قائلا: «هذه يد يحبها الله ورسوله».» وحذر عضو المجلس العلمي الذين يذهبون إلى مثل هؤلاء، وقال إن «الواجب مقاطعتهم لأن الغالب في أمثال هؤلاء يحتالون على الناس ويبتزون أموالهم بغير حق ويقولون الحق تخرصا ثم إن وافق القدر أخذوا ينشرونه بين الناس». ونصح أوشن من يبتلون بمثل هذا الأمر بأن يحذروا امتطاء الكذب على الناس والشرك بالله عز وجل وأخذ أموال الناس بالباطل لأن أمد الدنيا قريب والحساب يوم القيامة عسير، ودعاهم إلى التوبة إلى الله تعالى من هذا العمل وتصحيح أعمالهم لتطيب أموالهم.
مطاردة الكنوز مستمرة بالمنطقة
إن الرويات المتواترة حول مغامرات العثور على الذهب والفضة والياقوت والقطع النقدية التاريخية وقطع الآثار...لا تكاد تتوقف بمنطقة دكالة، وبالخصوص منطقتي سايس ومكرس إلى حدود أولاد افرج وبلعوان. لكن الخيط الرابط بين كل هذه الروايات كونها تروى بلغة اليقين والحقيقة، التي لا يمكن لأحد تكذيبها أو التشكيك فيها وفي مصداقيتها، والدليل على ذلك هو أن أغلب من التقيناهم خلال إنجاز هذا الموضوع عادوا إلى رحلاتهم بحثا عن كنوز مفقودة غير آبهين بالمخاطر المحدقة بالعملية. وقد ضرب لنا بعضهم موعدا مع اليوم الذي سيحكون لنا فيه عن بشرى عثورهم على كنز لتأكيد حكاياتهم، وهم متيقنون بأن مثل هذه الأحداث بالضبط لا يتجرأ أحد على الكشف عنها وعن تفاصيلها إن هي حصلت بالفعل، لكنها ستروى فيما بعد كحكاية قد تضاف إلى باقي الحكايات التي استقيناها سابقا، والتي سترفع بالتأكيد من درجة الهوس واللهفة في صفوف مطاردي الكنوز، الذين قد يصبحون ضحايا لنصابين باتوا متخصصين في الإيقاع بالراغبين في الاغتناء السريع عبر طرق متعددة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.