عبد الباري عطوان اعتقدنا أن مجموعة العمل المنبثقة عن دول أصدقاء سورية، التي تضم 11 دولة من بينها خمس دول عربية هي مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن، قد «انقرضت» وطواها النسيان، بعد أن تغيرت الأولويات وأصبحت «الدولة الإسلامية» وجبهات إسلامية متشددة مقاتلة، مثل «النصرة» و»أحرار الشام»، هي محور الاهتمام الرئيسي والأولوية التي دفعت بالنظام في دمشق إلى المقاعد الخلفية، ولكن كم نحن مخطئون في اعتقادنا هذا، فقد استضافت لندن اجتماعا لهذه المجموعة قبل يومين على «مستوى السفراء» لم يسمع به أحد؛ ونعتقد أن الاجتماع المقبل، إذا قدر له الانعقاد، سيكون على مستوى القناصل أو ربما «بوابي» سفارات الدول المعنية. الائتلاف الوطني السوري بات يلفظ أنفاسه بعد تراجع الاعتراف به، ليس فقط من الولاياتالمتحدة وبعض الدول العربية الراعية له، وإنما من قطاعات عريضة من الشعب السوري أيضا، بعد أن فشلت كل استغاثات قيادته للحصول على أسلحة تمكنه من الحفاظ على مناطق يسيطر عليها، واستعادة ما تبقى من «هيبته» ومكانته بالتالي. خريطة المعارضة السورية المسلحة تتغير بسرعة لصالح التنظيمات الإسلامية المتشددة التي باتت هدفا للغارات الجوية الأمريكية، فقد تضخمت صفوفها بالمقاتلين الجدد إلى جانب بعض المنشقين عن الجيش الحر وفصائل أخرى «معتدلة» متحالفة معه، وقوى أخرى جديدة أدركت أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة الحالية، وأبدت استعدادا للحوار مع النظام للوصول إليه، والقتال إلى جانبه ضد «الدولة الإسلامية» على وجه الخصوص. من تابع المقال الذي كتبه السيد احمد معاذ الخطيب على موقعه على «الفيسبوك» بعد عودته من موسكو، التي زارها على رأس وفد ضم شخصيات سياسية وعسكرية وحمل عنوان (هل ستشرق الشمس من موسكو؟)، يدرك أن جسما جديدا بدأ يتكون لمعارضة سورية جديدة، ومختلفة، تستعد لأخذ مكان الجيش الحر. السيد الخطيب قال إنه مستعد للجلوس مع النظام لإيجاد حل للأزمة السورية بعد أربع سنوات من المراوحة في المكان نفسه، وأكد أن التحضيرات جارية لعقد مؤتمر للحوار بين النظام والمعارضة تحت اسم «جنيف 3»، وأكد أن «التفاوض السياسي هو الأنجح والأقل خسائر»، وقال: «أعترف بخطئي لأنني اعتقدت أن هناك دولة يمكن أن تنقذ بلدنا». اللافت هنا أن التيار الجديد، الذي يجعل من موسكو قبلة له، سيكون نقيضا أو بديلا للائتلاف الحر والدول العربية الداعمة له مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات إلى جانب تركيا، مما يعني تراجع دور هذه الدول بشكل كبير في الملف السوري في الأشهر أو السنوات المقبلة. ظهور «الدولة الإسلامية» بالقوة التي نراها، ومثلما اعترف ستيفان دي مستورا المبعوث الأممي الجديد لسورية، بدأ يغير معظم المعادلات السياسية والعسكرية على الأرض، ويفرض قوى جديدة ومفاهيم جديدة، بل وأسلوب عمل جديدا يتمحور حول بقاء النظام السوري في إطار حل سياسي متطور بالقياس مع نظيره الذي كان مطروحا في مؤتمر جنيف. فالمبعوث الدولي الجديد بدأ مهمته بطرح مبادرة ل»تجميد» القتال في مدينة حلب لمنع سقوطها في يد «الدولة الإسلامية»، وهذا اعتراف ضمني بتعاون دولي مع القيادة السورية، ولا نعتقد أن المستر دي مستورا يمكن أن يطرح هذه الفكرة دون التنسيق، وبالتالي موافقة كل من واشنطنوموسكو، وهذا ما يفسر موافقة القيادة السورية على دراسته بشكل إيجابي. دخول مصر على خط الملف السوري كشريك لموسكو في الدعوة إلى مؤتمر سياسي على غرار مؤتمر جنيف، يضم المعارضة أو أطرافا فيها والنظام، يعني سحب البساط من تحت أقدام المثلث السعودي القطري التركي الذي كان يهيمن على هذا الملف. الأنباء المتسربة عن الاتصالات المصرية الروسية في هذا الخصوص، والتي يجريها وزيرا خارجية البلدين مع أطراف سورية عديدة، تفيد بأن التيار السوري المعارض الجديد قد يكون برئاسة السيد معاذ الخطيب ومشاركة كل من تيار قدري جميل والسيد صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الكردي السوري، وشخصيات انشقت عن الائتلاف سياسية وعسكرية. ملامح التسوية المطروحة مازالت غامضة، ولكن الخطوط العريضة التي يدور حولها الحديث يمكن اختصارها في إقامة حكومة انتقالية بصلاحيات جدية لمحاربة «الدولة الإسلامية» على الأرض، مع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة واستمرار سيطرته على أجهزة الأمن والجيش إلى أن يتم بعد ذلك اختيار أو انتخاب لجنة لتعديل الدستور الحالي، ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ويكون للرئيس السوري الحق في خوض الأخيرة. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن فرص نجاح هذه الصيغة الجديدة، ومدى قبول الأطراف السورية والإقليمية الأخرى لها؟ لا نعتقد أن موسكو ومصر يمكن أن تتقدما بهذا الطرح دون مباركة أمريكية، خاصة إذا تم التوصل إلى اتفاق أمريكي إيراني حول الملف النووي لإيران قبل المهلة الأخيرة المحددة في يوم 24 نونبر الحالي، وهو الاتفاق الذي سيؤدي إلى رفع الحظر والعقوبات عن إيران وفتح صفحة جديدة في العلاقات الأمريكيةالإيرانية. نظريا، تبدو الأمور على الورق براقة، وفرص النجاح للتصورات الجديدة معقولة، ولكن، ونصرّ على كلمة لكن، هناك أطراف أخرى يمكن أن تفسد الطبخة نكاية وانتقاما من عمليات تهميشها، ولا ننسى أن تحالفا جديدا ينشأ ويتبلور حاليا لأخطر ثلاثة تنظيمات إسلامية متشددة وهي «الدولة الإسلامية» و»جبهة النصرة» وحركة «أحرار الشام»، لا يمكن تجاهله في هذا الإطار.