أعلن مؤخرا في مجلس المستشارين عن قرار إنشاء القناة البرلمانية الجديدة، قرار طرح عديد أسئلة مرتبطة بالشروط الموضوعية التي أطرت قرب ميلاد المشروع، ومتعلقة بآفاق القناة في علاقة بالجهات الوصية عليها (أو من المفترض أن تكون وصية عليها)، وباستقلاليتها على المستوى التحريري والمالي. في الوقت الذي اعتبر المعطي بنقدور رئيس مجلس المستشارين في الندوة التي احتضنها مقر المجلس «أن من شأن القناة البرلمانية الجديدة أن تغير الصورة النمطية لعمل المؤسسة التشريعية، وتعمل على نقل صورتها ورسالتها الوطنية، وأن تساهم في تقريب السياسة من المواطن، بشكل يمثل مصالحة المؤسسات مع الرأي العام ... وأن الحاجة أصبحت ملحة لوضع استراتيجية تواصلية متكاملة تأخذ أبعادا أكبر، بالنظر إلى التطور الذي يشهده العالم»، اعتبر الباحث الأمازيغي أحمد عصيد في تصريح ل«المساء»، أن «القناة البرلمانية التي تم الحديث عنها فاقدة للمصداقية، ولا يمكن أن تصالح المواطن مع مؤسساته، لأنه لا يمكن أن نتكلم عن مصالحة أو إصلاح ما لم يتم تعديل الدستور المغربي، بشكل يمنحنا منتخبين قبل الحديث عن القناة، فمادام أن المنتخبين لم يحصلوا إلا على 17 في المائة من أصوات المغاربة، فلا مجال أن نقول إن القناة ستقرب المواطنين من المنتخب، هذا خطأ كبير، فالمطلب هو تعديل الدستور». وفي السياق ذاته، وخلال مداخلته اعتبر وزير الاتصال خالد الناصري أن «الحاجة إلى قناة برلمانية بهوية متفردة، قادرة على تقديم خدمة متطورة ترقى بالمشاهد إلى المواطنة الحقة، هي حاجة ثابتة وواضحة لا غبار عليها، وأضاف أن الهدف الأسمى يتمثل في توفير شروط النجاح كاملة لهذه القناة، وفي مقدمتها ضمان نسبة متابعة، في الوقت الذي اعتبر فيه مصطفى المنصوري رئيس مجلس النواب أن مشروع هذه القناة، لا يدخل في إطار الرغبة في إضافة رقم جديد إلى أرقام القنوات الوطنية، بل هو مشروع يجب أن يؤسس لتقليد جديد ويعبر عن حاجة خاصة للتواصل مع الرأي العام. وفي تعليقه على مبدأ الحاجة الملحة، قال أحمد عصيد يجب أن نكون واضحين، القناة البرلمانية ليست مطلبا مجتمعيا ملحا، ومن يقول ذلك فهو واهم، أعتقد أن العكس سيقع لا محالة، فالجمهور سيحس بنوع من السخط، ولنا في القنوات الموجودة خير دليل، مما لا شك فيه أن إطلاق القناة البرلمانية يندرج في سياق تفريغ القنوات التي لا تقدم قيما مجتمعية أو تلفزيونية مضافة، وإذا كان هاجس المطالب حاضرا بشكل حقيقي في ذهن المسؤولين، فالأولى أن يفرج عن القناة الأمازيغية التي تجسد مطلبا ملحا لنسبة كبيرة من المغاربة، فكل مرة نسمع عن قرب إطلاقها، أظن أن هذه الحالة تؤكد أن المسؤولين عن الإعلام المغربي لا يفهمون الأولويات. من جهة أخرى، أثير على هامش الندوة، الحديث عن تبعية القناة البرلمانية، ففي الوقت الذي لا يخفي فيه البعض رغبته في أن تكون القناة البرلمانية تابعة للحكومة، وهو ما يجعلها تندرج تحت عباءة وزارة الاتصال وعباءة القطب العمومي (مكونات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، دوزيم صورياد) يدفع البعض في اتجاه أن تكون تابعة لمجلس المستشارين، دون أن يحسم ذلك لحد الساعة. وفي الإطار ذاته، وردا على قول الناصري إن «هذه القناة التي نرسم ملامحها، لا يمكن أن تكون جهازا لتبليغ خطاب أحادي الجانب»، اعتبر أحمد عصيد أن الحديث عن التبعية للحكومة ولمجلس المستشارين وأحادية أو ثنائية الخطاب، يعد تمويها عن المشكل الحقيقي المتمثل في مدى قدرة القناة على إيصال أصوات منتخبين لا يقومون بأي دور حقيقي، «المشكل كما ذكرت مرتبط بقناة فاقدة للمصداقية، مادام أنها صادرة عن أناس لم يستحقوا أكثر من 17 في المائة من الأصوات، لذلك فهذه قناة لا أفق لها، سواء كانت تابعة لوزارة الاتصال أو لمجلس المستشارين»، يضيف أحمد عصيد. وفي هذا الإطار، أكد مصدر مطلع أن مشروع القناة البرلمانية دخل المرحلة التشاورية، مع مختلف الفاعلين في المجال السمعي البصري وأنه لم يحسم لحد الساعة في ميزانية المشروع، ولم يحسم النقاش في علاقة القناة بالحكومة ومجلس المستشارين. ويرى متتبعون أن مشروع القناة البرلمانية المغربية، يحاول أن يحاكي القناة الفرنسية «lcp»، وهذا ما يفترض المحاكاة على مستوى الميزانية والخط التحريري والتكوين، فبالعودة إلى الأرقام المالية للقناة الفرنسية، يلاحظ أن رأسمال القناة يصل إلى 40 مليون أورو، ممونة بنسبة 100 في المائة من الجمعية الوطنية، في الوقت الذي تجاوزت ميزانية التسيير حوالي تسعة ملايين أورو سنة 2005، من جانب آخر يشدد القانون المعدل للقناة البرلمانية الفرنسية (99-1174 الصادر في 1999) على أن تلتزم المواد التلفزيونية الحياد، مما ينسجم واستقلالية القناة، كما ينص القانون المؤسس على عدم بث القناة لأي مادة إشهارية، مما يضيق مساحة الميزانية ويقطع الطريق في الوقت ذاته على تدخل أي جهة سياسية أو اقتصادية للنفاذ للقناة، كما لا تتبع البرامج المنتجة للمجلس الأعلى للسمعي البصري الفرنسي، هذا دون نسيان الإشارة إلى أن القناة الفرنسية صارت -بفضل التكوين- منبرا حقيقيا للنقاش السياسي الذي تابعه المغاربة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهي خصائص يتمناها المغاربة متجلية في القناة البرلمانية المغربية التي وعد بها المسؤولون.