د. محمد فائد بدأ، كما هو معلوم، ترحيل الحجاج إلى بيت الله الحرام، وتصل الفترة التي يقضيها الحجاج الرسميون في الأماكن المقدسة إلى شهر تقريبا، وهي فترة زمنية يجب أن يراعي فيها الحجاج بعض العوامل التي ربما يُفسد عليهم عدمُ تحاشيها حجَّهم أو ربما يزيد في محنتهم، ومن بين هذه العوامل التكيف مع التغذية أثناء موسم الحج، ونعني التغذية الطبيعية، واجتناب كثرة الأكل والوجبات الثقيلة، لأن الحاج في هذه الأماكن ليس في سفر نزهة أو سياحة، بل هو في سفر عبادة، وفي سفر لتغذية الروح قبل الجسد، فالحج يتبع الصيام في هذه الخاصية، ونقصد خاصية الزهد في الأكل أثناء هذه المدة، والاكتفاء بقليله، والحرص على تناول الخفيف منه مع تلافي الأكل حتى الشبع، ذلك أن التقليل من الأكل يجعل الشخص يحس بالسمو الروحاني والكمال الوجداني، وقد تنبه علماء الصوفية إلى هذه الحالة فربطوا الغذاء بالعبادة، وهو أمر تزكيه العلوم، لأننا في علم التغذية ندرك جيدا أن هرمون الغريلين Ghrelin يتقاطع مع النشاط الفكري، بمعنى أن الوقت الذي تكون فيه المعدة مملوءة يصعب التركيز كما يصعب كل عمل يتعلق بالجهاز العصبي، والحاج أو المسافر عموما يكون في حالة انشغال وتوتر، وقد لاحظنا أن الزهد في الأكل كان يطبع حياة جميع علماء المسلمين والمفكرين. من العوامل التي يجب أن يعلمها المسافر عموما، والحاج خاصة، أن حالته العصبية تكون متوترة بعض الشيء، ولذلك خفف الله سبحانه وتعالى على المسافر في الأحكام التكليفية فجعله يقصر الصلوات الرباعية ويفطر في رمضان، وهذا يعني أن الشرع تعامل مع المسافر على أساس أنه مريض، وهو ما تؤكده العلوم الطبية التي تضع أي اضطراب عصبي في خانة المرض تماما كالحالات العضوية. وقد جاءت إشارة بسيطة في القرآن الكريم إلى تغذية المسافر، لخصها في مادة غذائية غنية بالكلسيوم والمغنيزيوم والبروتين سهل الهضم وحمض الأوميكا 3 والسيروتونين، وتوجد هذه المكونات مجتمعة في السمك فقط، ولذلك حمل سيدنا موسى عليه السلام الحوت معه لما كان مسافرا للقاء سيدنا الخضر عليه السلام، كما جاء في سورة الكهف عند قوله سبحانه وتعالى: «فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غذاءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا * قال أرآيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا». وهذه الحقيقة العلمية الهائلة لم تنتبه إليها العلوم الحديثة، وهي أن سيدنا موسى عليه السلام كان مسافرا بحرا وليس برا، ومع ذلك حمل معه الحوت وليس الخبز. وقد ارتأينا أن نكتب هذا المقال لأننا نعلم بأن تأطير الحجاج لا يشمل الجانب الغذائي، وهو الجانب المهم في حياة الحاج أثناء الموسم، فربما أوصينا الحجاج بحمل أدويتهم معهم، وبتناولها في الوقت الموصى به وبانتظام، وبالحرص على عدم نسيانها، وأن يحملوا معهم علب الدواء التي تكفيهم أثناء فترة الحج، لكننا لا نوصيهم بما يجب أن يتناولوه من أغذية، لأن المواد الغذائية الموجودة في الديار المقدسة ليست هي تلك التي اعتاد الحجاج تناولها في بلدهم، بالإضافة إلى الإرهاق الذي يصيبهم من جراء السفر، فربما يقع مشكل يتعلق بالتكيف مع الوسط، فيقع سوء هضم أو إسهالات أو حالات عارضة، ربما تلزم بعض الحجاج الفراش، وهي حالات تتعلق بالأكل أولا ثم بالراحة والهواء، ولذلك يجب عدم تناول المواد الغذائية التي ترهق الجسم، والأطعمة العصية على الهضم، وإذن التي تسبب عسر الهضم وعسر الامتصاص وعدم النوم، وربما تسبب اضطرابا في الحالة الصحية العامة يتمظهر على شكل عياء وقلق وألم في الرأس وألم في المعدة والأمعاء وإمساك حاد. ونتمنى أن يتبع هذه النصائح حجاجنا، وكل الحجاج من دول المغرب الكبير، لأنها دول بعيدة عن مكة، ويتعرض حجاجها للإرهاق جراء السفر، كما أن هذه الدول لديها تغذية تختلف عن التغذية الموجودة في الدول الشرقية، فتونس والجزائر والمغرب لديها منتوجات طبيعة جيدة، ولديها تنوع في هذه المواد، ولديها تغذية جيدة يدخل فيها زيت الزيتون والنشويات والقطاني والفواكه الجافة والأسماك، ولذلك يجب أن يمتنعوا هناك عن تناول اللحوم، ونعني كل أنواع اللحوم (بقر، غنم، دجاج، ديك رومي..)، لكن يمكنهم تناول السمك إن وجد، وعليهم أن يحذروا من الأجبان المسواة، وأن يتجنبوا كل المواد المصنعة المستوردة التي يجدونها في مكة والمدينة، خصوصا المشروبات الغازية والحلويات والبسكويتات والمثلجات، لتفادي التوافد المكثف للحجاج على الأطباء المرافقين والزيارات المتكررة للمستشفيات والمصحات هناك. نبدأ دائما بما يجب تجنبه قبل الإخبار بما يجب تناوله أثناء فترة الإقامة في الديار المقدسة، ولذلك ركزنا في نصائحنا على تفادي تناول اللحوم لأنها صعبة الهضم ولأنها تثقل الجسم بالدسم والكوليستيرول، كما شددنا على ملحاحية الامتناع عن تناول المواد المصنعة لأنها تحتوي على مضافات غذائية، ربما يكون تأثيرها على الصحة أثناء السفر مضاعفا، لأن الشخص يكون مرهقا ومنهكا ومتوترا، ولأن هذه المضافات تكبح الهضم وتمنع الامتصاص وتحدث آلام الرأس والمعدة. أما المواد التي يجب تناولها، ومن الأفضل أن يأخذوها معهم، فتشمل كلا من زيت الزيتون والشعير والفواكه الجافة والطرية والقطاني، بالإضافة إلى التمور التي يجدونها هناك، والتي يتزامن جنيها هذه السنة مع موسم الحج مع جني التمر، وكذا ماء زمزم. وإذا أراد الحاج أن يقتني شيئا من هناك، فليكتفِ بالفواكه الطرية مثل التفاح وبالسمك ولو كان مصبرا. وكل هذه النصائح لها ما يزكيها من الناحية العلمية، فزيت الزيتون يعطي الجسم طاقة سهلة ونقية لأنه ليس من السكريات ويحتوي على مكونات مضادة للأكسدة مثل التايروزول والهايدروكسيتايروزول التي تحفظ الجسم، ويوجد في المغرب نوع من زيت الزيتون يحتوي على مستوى عال من هذه المكونات، بإمكان الحاج أن يحمل معه منه قنينة واحدة فقط، كما يحتوي على مستوى هائل من الفايتوستروجينات التي تهم النساء على الخصوص، لأن المشكل الهرموني قد يفسد على المرأة حجها، خصوصا مع في ظل الإرهاق والتوتر النفسي اللذين تكون عليهما؛ أما الشعير فيحتوي على الكلسيوم والمغنيزيوم والفوسفور والسيروتونين والألياف الغذائية، وأيضا على كمية هائلة من الفايتوستروجين والمضادات للأكسدة، وهو مهم بالنسبة إلى الحجاج المصابين بالسكري؛ فيما تحتوي الفواكه الجافة على كمية هائلة من البروتين تضاهي الكمية الموجودة في اللحوم، دون أن تحتوي في المقابل على دسم مشبع ولا على كوليستيرول، كما تشتمل الفواكه الجافة على المغنيزيوم والزنك والمنغنوس، وكذا على مكون حمض الأوميكا 3 الذي يسهر على كل المفاعلات الفايسيوكيماوية في الجسم؛ أما القطاني فتعتبر بمثابة مصدر بروتيني هائل ونقي بدون دسم أو كوليستيرول، وتحتوي على معدن المولبدينيوم الذي يحفز أنزيم السولفايت أوكسديز الذي يجعل الجسم يتخلص من مركبات الكبريت السامة؛ وتمتاز القطاني، كذلك، بالألياف الغذائية الذائبة أو المتخمرة، وهي الألياف التي تحول دون الإمساك الحاد. ونوصي الحجاج بتجنب احتساء ماء زمزم المبرد، وبأن يشربوه طبيعيا على درجة حرارته العادية، وأن يتجنبوا أكل أي شيء بارد، ولعلهم سيلاحظون بأنفسهم أنه لدى شرب ماء زمزم باردا لا يمكن للشخص أن يتعدى كوبا صغيرا أو كوبين مع التوقف عدة مرات، لأن الماء البارد لا يبلع بسهولة، بينما يمكن أن يشرب لترا دفعة واحدة لما يكون ماء زمزم على حرارة عادية؛ وهنا نذكر حجاجنا مرة أخرى بأن يشربوا من البراميل التي تحمل علامة حمراء، وأن يتجنبوا البراميل ذات العلامة الزرقاء؛ كما نوصي بتجنب كثرة الأكل، خصوصا ليلا، فكلما كان الطعام خفيفا ومقداره قليلا، بقي الحاج بصحة جيدة، وأمكنه أداء المناسك كما يجب، مع التذكير بأن الطعام الخفيف هو النبات.