إن المجتمعات لا ترقى إلا بقيمها وأصولها، ولا تكتمل سعادتها إلا باحترام تقاليدها وهويتها. والأمة التي تستنبط نمط عيشها من غيرها، تبتعد عن أصالتها وحقيقتها وتفقد القدرة على الوجود بنفسها، ولن تعود إلى أصلها لجهلها بمكوناتها. لهذه الأسباب جميعها، توجب على الإنسان المغربي أن يهتم بثقافته وتاريخه على كل المستويات، ومن بينها، إن لم يكن من أهمها، ثقافته الغذائية؛ لذلك سنحاول، في هذا المقال الأسبوعي، التطرق إلى أهم التحولات الغذائية التي يعيشها الإنسان المغربي وما تحمله بين طياتها من أمراض فتاكة تشكل خطرا حقيقيا على صحته. يقتصر الأكل في رمضان على وجبتين أساسيتين متباعدتين، وهما الفطور والسحور. والأكل يكون في النهار ولا يكون في الليل خلال الشهور الأخرى. ونلاحظ أن وقت المغرب يكون بين زوال النهار وحلول الليل، كما أن وقت الصبح يكون بين انجلاء الليل وحلول النهار. وهناك سُنة كونية خلق الله عليها الأحياء، وتتجلى في برمجة الجسم على الحركة في النهار والسكون في الليل؛ والخلايا المسؤولة عن إفراز الأنزيمات الضرورية للهضم، وكذلك الخلايا المسؤولة عن الهرمونات لا تعمل ليلا، لأن الله سبحانه وتعالى عطل نشاطها بالليل وبرمجها لتعمل في النهار، وعامل النمو عند الأطفال -مثلا- لا يعمل ليلا، كما أن الدهون التي تستهلك ليلا تخزن ولا تستعمل، ولذلك قال الله تعالى في سورة القصص: «ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون»؛ فالنهار للحركة وابتغاء الفضل، أي العمل، والليل للسكون والراحة، ومن يخالف هذا القانون الكوني الإلهي يزيد من احتمال إصابته بالمرض. تكون وجبة الفطور أول وجبة يتناولها الصائم بعد صيامه. وطبعا، لا يمكن أن نحدد طبيعة الأكل في هذه الوجبة، نظرا إلى اختلاف المناطق والعادات الغذائية. ونعطي هنا بعض القواعد لتسهيل الاستفادة من هذه الوجبة. نحن نعلم بأن كثيرا من الناس يطغى عليهم الجشع، وربما لن يتبعوا هذه النصائح، ولذلك يمكن تتبع نتائج هذه النصائح فقط عند كل الذين سيطبقونها: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقتصر في الإفطار على بضع تمرات. وكان صلى الله عليه وسلم يفضل الرطب على التمر في الإفطار؛ فإن لم يجد، حسا حسوات من ماء (جرعتين أو ثلاث) يقوم بعدها إلى الصلاة. يُعلم جيدا بأن المعدة لا تبدأ في إفراز الكيموتريبسين إلا مع سقوط أي شيء فيها، ولو كان ماء، حيث تبدأ في إفراز الأنزيمات الضرورية للهضم، ولكي تبدأ المعدة نشاطها بعدما كانت نائمة طيلة النهار، يجب أن تتهيأ للهضم لأنها ستستقبل كمية هائلة من الأكل مع الإفطار، ولذلك فالإفطار على التمر يحفز عملية إفراز الكيموتريبسين دون إرهاق المعدة لأنه لا يحتوي على البروتينات والدهون، يعني أنه يمر مباشرة إلى الأمعاء. ولا يحتوي التمر إلا على سكريات بسيطة وألياف خشبية وأملاح معدنية وفايتمينات. وكل هذه المواد لا تحتاج إلى هضم في المعدة، بل تمر مباشرة إلى الامتصاص، وتستقر السكريات البسيطة بالدم لتسوي التركيز المنشود، فينشط الجسم وتنتهي حالة الكسل والارتخاء. والفايتمينات من نوع B 6 وB 12 الموجودة في التمر تجعل الأعصاب تهدأ، بالإضافة إلى المغنيزيوم والآيودين الموجودين كذلك في التمر. وتستقر الألياف الغذائية في الأمعاء لتسهيل مرور الكتلة الغذائية، وبذلك لا يقع الإمساك رغم قلة الأكل في شهر رمضان، والألياف الغذائية تشد كذلك بعض المواد السامة الأخرى والكوليستيرول. يمكن للصائم أن يبدأ بالشاي أو الحليب أو الحساء أو كل ما يفطر به الناس، إلا الحلويات والسكريات الصناعية، ويستحسن تناول سكريات طبيعية مثل العصائر والفواكه الجافة مثل التين والزبيب والفواكه الطرية. ويمكن تناول الأكل النباتي كالخبز والحساء والرغيف، وكل المواد النباتية جيدة في الإفطار، خصوصا النشويات وزيت الزيتون. ولا ننصح بتناول اللحوم والبروتينات الحيوانية الدسمة. من المعلوم بأن كثيرا من الناس يفطرون على اللحم، فمن الناحية الغذائية ربما لا يكون ينتج عن ذلك ضرر كبير إلا بعض الاضطراب في الهضم كالغازات؛ لكن من الناحية الصحية والحميوية، لا يؤدي الصيامُ دورَه في العلاج أو في تسهيل العلاج. كما لا ننصح بالطبيخ (المرق) الدسم الذي يحتوي على لحوم. ويرجى عدم شرب الماء أثناء الإفطار إلا بضع جرعات، لأن الأكل كله ماء ولا داعي إلى تناول الماء أثناء الإفطار، لكن بعد الإفطار بساعتين يمكن تناول الماء بكثرة والسوائل كالعصائر والشاي، ولبن الخض البلدي وما إلى ذلك. ولا يعقل أن يكون من بين المقاصد الكونية للصيام علاج الأمراض والصائم لازال يتناول المواد الغذائية التي يحتمل أن تكون مصدرا للخطر، كالمضافات الغذائية والمواد المغيرة وراثيا وبعض المواد المطبوخة بطريقة خاطئة مثل المقليات، ويجب أن تكون كمية الطعام بسيطة، وأن يكف الناس عن خلط الأكل. ومن جهة أخرى، لا يمكن ألا يكون هناك تأثير للصيام على الجسم، وهو المقصد الكوني الأساسي، فالقرآن دستور هذه الأمة، ويجب أن يكون شاملا وجامعا لكل مشاكلها ومنظما لحياتها اليومية. وقد لاحظنا أن جميع المؤشرات الفايسيولوجية تنخفض أثناء شهر رمضان عند الأشخاص الذين يصومون صياما صحيحا، خاليا من الحلويات والمقليات والطبخ السريع واللحوم والدسم والمواد المصنعة، وعدم تناول الطعام ليلا إلا الفواكه والماء. فالمنصوح به عدم تناول أي شيء في الليل بعد الفطور إلا السوائل التي تكلمنا عنها، والانقطاع عن الأكل بين الفطور والسحور لتجنب عسر الهضم والتحمضات والتخمرات في الجهاز الهضمي. ولا يمكن أن يكون الصيام على الهوى، فالصيام شعيرة دينية وليس موضة أو حمية أو وصفة طبية، ولذلك فالذين يجعلون لهم نمطا خاصا بهم أثناء شهر رمضان لا يستفيدون من مزايا الصيام الصحية. وحتى نوضح أكثر، نقول إن هناك من يجعل رمضانه طقسا لتغيير نظام الأكل من النهار إلى الليل فقط؛ بينما رمضان له شروطه التعبدية والصحية، فهو سنة شرعية للتقرب إلى الله والتوجه إليه، وسنة كونية لأن الله جعله لكبح النفس ولضبط العواطف وللتحكم في الشهوات، فيرجع الجسم إلى طبيعته الأصلية، وكأنه يفرغ كل ما أثقله، فلا يكون لديه فراغ روحي، ولا تكون فيه أمراض مترتبة عن الإسراف في الأكل. أما الأشخاص الذين يفطرون على وجبات دسمة وثقيلة، ثم يسهرون إلى منتصف الليل أو ما يزيد عليه قليلا ليتناولوا وجبة يسمونها عشاء وسحورا في نفس الوقت، لأنهم لا يستيقظون وقت الفجر، ويفضلون تأخير وجبة العشاء إلى ما بين نصف الليل والصبح، ثم ينامون إلى الصباح، فهؤلاء لا يستفيدون من الصيام في ما يخص الفوائد العضوية أو الصحية. وطبعا، كي تكون طريقتنا للصيام متكاملة من الناحية العضوية فلا بد من التحفظ من المواد الصناعية التي يحتمل أن تحتوي على مضافات غذائية بكل أنواعها، حيث لا يمكن أن يصوم الشخص بغاية العلاج ويتناول مواد يحتمل أن تكون خطيرة، فالصيام يدخل ضمن الطرق والأساليب العلمية المزيلة للسموم من الجسم أو ما يعرف باللغة الإنجليزية بCleanse، يعني غسل الجسم من الداخل، ولذلك يجب تناول المواد الطبيعية البلدية المحلية إن أمكن. د. محمد فائد